اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• تعريف جديد للحياة في المهجر

سلام مروكي

تعريف جديد للحياة في المهجر

تجتمع غالبية أراء علماء الإجتماع على أن الهجرة هي عملية إنتقال البشر بصورة طوعية أو قسرية من محيط جغرافي الى أخر مختلف كنتيجة للعديد من الدوافع: منها الدافع الأمني لتعرّض حياة الفرد للخطر، الدافع الإقتصادي لشحة الموارد وقلّة فرص العمل، الدافع السياسي كالحكم الدكتاتوري وسيادة الحزب الواحد، الدافع الإجتماعي كالإلتحاق ببقية أفراد العائلة أو الإنتقال الى نظام إجتماعي متحرر، الإضطهاد العرقي والديني أو بسبب الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق والتصحّر أو الحروب المدمّرة أو فقط رغبة في تغيير نمط الحياة.

إلتقيت مؤخرا إمرأة مثقفة هاجرت الى أستراليا منذ سنين طوال ودار بيننا حديث شيّق حول الهجرة وحياة المغتربين:

- سيدتي ماذا تعني لكِ الحياة في المهجر(أستراليا)؟

- تبدو الحياة هنا أكثر من رائعة، فاستراليا بلد جميل جدا وشعبه طيّب الى أقصى حدّ، فيه الأمان والإستقرار والنظام وحكم القانون والمساواة بين كل المواطنين، الدولة تدعم بسخاء المسنين والعاطلين وتوفر المدارس والجامعات لكل الطلبة، والخدمات الطبية متيسرة لكل المرضى، لكنني لست سعيدة إطلاقا ولا أستلذّ بكل النعم المتوفرة فيها، لقد أضنتني الهجرة وأودعتني في كابوس كئيب لا يحررني منه إلا ذكريات الوطن ورعشة الأمل في العودة الى الديار المهجورة.

الحياة في المهجر أشبهها لكَ بما يلي: نحن المهاجرون قد دعينا الى بلاط الملك، وهي أمنية لكل مواطن ان يحضى بمشاهدة الملك وزيارة قصره الفخم، فدخلنا القصر وأنبهرنا ببنيانه وأثاثه ومقتنياته وجماله، أحتفلنا مع الملك وتناولنا من مائدته المتنوّعة ثم قال لنا أمكثوا معي وسأعاملكم كأولادي، لكم كل الحقوق والواجبات بشرط أن لا تخالفوا قوانيني ولا تعصوا مشيئتي وتسلكون حسب النمط الإجتماعي السائد داخل القصر، في البداية طاب لنا هذا المقترح وأستأنسنا للذّة العيش في داخله ولكن بعد فترة وجيزة سألنا انفسنا قائلين: هل نحن فعلا أولاد الملك؟ أو من اعضاء حاشيته؟ أو من طاقم خدمه الدائمين؟ هل فعلا نشارك الملك في ملكية القصر ومحتوياته؟ الجواب كلا وكلا نحن غرباء عن هذه البيئة وسنبقى هكذا في نظر كل مَن في داخل القصر. إن أجوبة هذه الأسئلة تهيج مشاعر الحيرة لدى المهاجر وتدفعه الى الإنخراط في دوامة الحنين الى الوطن والعودة الى البيت الأصلي ليعيش حياته الطبيعية.

- لكن يتوفر في المهجر الأمان والنظام والسلام بينما العراق يسوده العنف والفوضى.

- نعم يوفر حكام الغرب النظام والسلام لمواطنيهم لكنّهم يحرمون الشعوب الضعيفة من ذلك، إن ما يشهده العراق اليوم من فوضى وعنف وفساد من صنع الغرب، منذ عقود وهو يخطط في دهاليزه المظلمة ليدمر كياننا البشري ويسرق مواردنا الإقتصادية، خطط للحرب العراقية الإيرانية بخبث وغذّاها بأسلحته الفتاكة لثمان سنوات متواصلة، وكلنا نعلم حجم تلك الخسارة ثم تلاها بتشجيع صدام لإحتلال الكويت ليستخدمه ذريعة للتدخل في شؤون العراق والشرق الأوسط ولم يكتف بذلك بل فرض على شعبنا الحصار الجائر الذي أودى بحياة ألاف الأبرياء وشرّد أعداد هائلة الى بقاع العالم، أما في نيسان 2003 فلقد كلّل مخططه الإجرامي بإحتلال العراق بحجج زائفة وتهم باطلة لتدمير ما تبقى من كيان هذا البلد.

بينما نستظلّ نحن المغتربون تحت خيمة عدوّنا ونقتات من فُتاته ينهمك في الوقت نفسه مع جلاوزته في نهب خيرات بلادنا المفجوعة والفتك بحياة شعبنا المظلوم. يتشدّق حكام الغرب في كل المحافل الدولية بصيانة حقوق الإنسان لتبرير جرائمهم النكراء تجاه الدول الصغيرة والشعوب الضعيفة. إنّ هذه الإزدواجية الرعناء تقلقني وتفقدني صوابي لتجعلني جثة هامدة أنهكتها الحسرة والضياع. إنّك تعلم جيدا بأن بنوك الغرب وشركاته الكبرى تتحكم بشكل مطلق بحياة الإنسان إينما حلّ وإرتحل، نعمل ليل نهار كالعبيد لسدّ الرمق بسبب جشع هذه الشركات التي تمتص رزقنا بحكم النظام الرأسمالي وسياسة الإقتصاد الحر الذي يستغلّ الإنسان بأبشع صورة دون أن يراعي حقّه المشروع في العيش الكريم. قدمت الى هذا البلد قبل عشرين عاما ونعمل أنا وزوجي وأولادي بدوام كامل دون توقف لتسديد قروض البنك وفواتير الخدمات. إنّ صعوبة التعايش مع تحديات الغربة جعلتنا نفقد لذّة الحياة ومتعتها وهذا جزأ يسيرا من ضريبة الهجرة.

- هل تعتقدين بأنّ الشبيبة سعيدة في المهجر أم تعاني مثلكم؟

- إن ثقافة الغرب رأسمالية صرفة تشجّع شعوبها للإقتناء المادي وتدفعهم الى تكريس جلّ نشاطهم لجني الدولار وعليه فإنّ غالبية العوائل المهاجرة قد وقعت فريسة هذا الفخ ليصبح هاجس حياتها الإستهلاك الكمالي على حساب إكتساب الثقافة والعلم والإستمتاع بالحياة، فلقد دفع معظم الأباء أولادهم الى الأعمال التي تجني ربحا أكبر غير مبالين بالدراسة وإمتلاك ناصية العلم وتسلّق العلى بتغذية الفكر. يعيش أولادنا إزدواجية مقيته في المهجر، فهم مطالبون داخل البيت التعامل مع موروثنا العرقي الخاص بالثقافة الجماعية من قيم وتقاليد وعادات التي نعتبرها الإيطار السليم لإستمرار مسيرة ركبنا نحو الأمان، أما خارج البيت فتصبح كل هذه القيم والأعراف بالية أمام الثقافة الغربية السائدة وتصبح ثقافة الحرية الفردية منبع كل القيم والتقاليد ونتيجة لهذا التصادم الثقافي يعاني الشباب الأمرين للتوفيق بين كلا التوجّهين. نريدهم داخل البيت عراقيين بكل معنى الكلمة وخارجه تفرض الأعراف أن يسلكوا حسب الأستراليين لكي يقبلهم المجتمع الكبير.

- إذن ما هو الحلّ؟

العودة الى العراق هو الحلّ الوحيد ولا بديل لذلك، فالوطن هو قصرنا، البيت الذي ولدنا فيه وترعرعنا في ربوعه وتربّينا على تقاليده، فيه جذورنا وبالإبتعاد عنه نتيبّس وتجف عروق حياتنا، سألت نفسي مرارا لماذا نحن المهاجرون نحّن دوما الى العراق، مجالسنا لا تخلو يوما من سرد ذكرياتنا القديمة بمرّها وحلوها. لماذا غالبيتنا نتشبّث بخصوصية ثقافتنا وفنوننا وتقاليدنا الإجتماعية، ألم تعاين تهافت العراقيين في المهجر الى إنشاء العديد من المؤسسات والجمعيات والنوادي ولقّبوها بأسماء نسبة الى قراهم أو إنتماءاتهم العرقية العراقية، تيقّنت مؤخرا بأن هذه النشاطات الإجتماعية والثقافية هي بمثابة ردّ الفعل لحاجة الإنسان للإلتصاق بجذوره وأصوله لأنّ الإنتماء يبقى دوما مصدر الإستمرار والحياة والسعادة. إسأل كل مغترب رغم رغد العيش ما مقدار السعادة التي يتنعّم بها وهو خارج موطنه ستجد الغالبية العظمى تشتكي من التعاسة والكأبة رغم توفر الأمان وكل مستلزمات الحياة المرفّهة. إنني واثقة بأن أمل العودة الى الوطن يدغدغ ضمير كل مغترب.

لعن الله حكامنا الجهلة والخونة الذين تعاونوا مع رعونة المحتل لتدمير البلاد وتشتيت العباد، مَن يترك بلاد النهرين موطن الإجداد مهد الحضارة وأرض الخيرات ويلتجأ الى بلد في نهاية العالم لو ساد السلام والأمان والمساواة فيه.


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.