اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• مأزق الإسلام العربي ! -//- د. شاكر النابلسي

مقالات اخرى للكاتب

مأزق الإسلام العربي !

د. شاكر النابلسي

-1-

عندما جاء الإسلام إلى العرب قبل خمسة عشر قرناً، كان العرب في أشد الحاجة إليه. ولولا خوفهم من أن الدين الجديد سوف يهدد أمنهم، ويقضي على تجارتهم والسياحة الدينية، التي كانت تجلبها الأصنام لهم، ويثوّر عليهم العبيد، والأُجراء، والمستخدمين، والمعذبين في الأرض، وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله: )وقالوا ان نتبع معك الهدى نتخطّف من أرضنا( (القصص: 58) لدخلوا في دين الله أفواجاً منذ اللحظة الأولى لظهور الإسلام، ولما بقي الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، يدعوهم في مكة النكرمة، طيلة ثلاث عشرة سنة، دون أن يستطيع ادخال أكثر من 150 مسلماً فقط في الإسلام. خاصة أن قبيلة قريش كانت هي المستفيدة الأولى من الإسلام، كما لم تستفد أية طائفة أخرى في التاريخ من أيديولوجية أرضية أو سماوية. وهي التي اغتنت بفضل الإسلام بمال وفير لا حصر له، وامتلأت بيوتها وشوارعها وتجارتها بالأسرى، وحكمت امبراطورية تمتد من الشرق إلى الغرب طوال ستة قرون متوالية (632- 1258م) ومن الخليفة الراشدي أبي بكر إلى أخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله.

-2-

ولكن قريشاً والعرب من ورائها، استفادوا من الإسلام حضارياً وثقافياً رغم هذه المظاهر المادية التي استفادت منها قريش، واستفاد منها العرب من بعدهم على وجه الخصوص، حيث لم يحكم الإمبراطورية الإسلامية طوال ستة قرون غير حكام عرب مسلمين وقرشيين، علماً بأنها كانت "إمبراطورية إسلامية" وليست عربية فقط؛ أي يحق لعبد ذي زبيبة، أن يحكمها، فيما لو كان صالحاً للحكم، ولكن يبدو أن لا حاكم صالحاً من غير قريش، كان صالحاً للحكم، أو متمكناً منه. وهو ما كان ينطبق على العالم العربي قبل عامين أو أكثر من الزمان، حيث لا حاكم صالحاً - غير القليل جداً- يحكم عشرات السنين، دون نائب منظور، ثم يفاجأ القوم، بأن النائب كان في كُم الحاكم الساحر، وهو الابن الشاطر، كما كان الحال في مصر، والآن في سوريا.

-3-

دخلت الإسلام، شعوب متقدمة في حضارتها، وعمرانها، وآدابها، وفنونها وعلومها، وتشكّلت فيما بعد، ما يُعرف بالحضارة الإسلامية. وما كان الإسلام غير رداء روحاني، تلفعت به هذه الحضارات، التي كانت قائمة قبل الإسلام كالحضارة اليونانية، والفارسية، والهندية، وغيرها. كما كان الإسلام عنواناً جديداً للحضارات التي رضيت، نتيجة لظروف تاريخية معينة، ومختلفة، العيش تحت اسم جديد وهو "الحضارة الإسلامية" التي قاد مسيرتها فيما بعد - في أغلب العصور والحقول – علماء، ومفكرون، وشعراء، وفلاسفة، ولغويون، من هذه الشعوب.

-4-

رضي العرب بالإسلام، ورحبوا، وتمسكوا به، طيلة ستة قرون من بداية العهد الراشـدي حتى نهايـة العصر العباسي، لأنه كـان "الكنـز"، و "مفتاح الحضارة" و"مصدر السلطة" في الحياة. فهو الذي أمكنهم من السلطة والمال. وكان عليهم أن يتشبثوا به، وإلا ماتوا جوعاً، وتشردوا في الأرض، حيث لا صناعة لهم تُغنيهم، ولا زراعة لهم تُطعمهم، ولا ثروة طبيعة في باطن الأرض تُسعدهم، وليس لهم من مصدر رزق غير الجزية، وغير ما يكسبوه في الغزوات.

أما في العصر الحديث، فلم يعد الإسلام قادراً ،على أن يُستخدم كسلاح لغزو الآخرين عسكرياً، في ظل وجود ايديولوجيات أرضية جديدة وقوية، وفي ظل وجود قوى عظمى وصغرى متفوقة على العرب ليس بالدين، ولكن بالقوة العسكرية، وبالعلم، والصناعة، والفكر، والمعلومات، والإعلام.. الخ.

كما أن العرب المسلمين، لم يعودوا قادرين على تجييش الجيوش، لغزو الآخرين، والاستيلاء على أراضيهم، وتعيين الولاة عليها لنشر الدين الجديد، بل هم غير قادرين على استرجاع ما انتُزع منهم من أراضٍ من قِبل دول إسلامية كتركيا وإيران، ومن قِبل دول أوروبية كإسبانيا، ومن قِبل إسرائيل.

-5-

وفي العصر الحديث، انحطَّ معظم العرب ليس بالشعارات والخُطب فقط، ولكن بالحقائق العلمية والتاريخية إلى الدرك الأسفل علمياً، ومالياً، واقتصادياً، واجتماعياً. وأصبحت قيمهم قيماً غاباتية، ليست انسانية، ولا رحمانية، ولم يُصدِّق العرب وجههم القبيح في مرآة تقارير التنمية البشرية الصادرة سنوياً عن الأمم المتحدة منذ 2002- 2011، فتعالوا، وأنكروا، واستكبروا، وكابروا، واتهموا معدي التقريرين (وكلهم قاطبة من النُخب العربية الأقحاح ذات الكفاءات العالية) بأنهم من "الصهاينة" ومن "عملاء المخابرات الأمريكية"، وبأن هذه التقارير "مؤامرة جديدة" على العرب والإسلام.

-6-

منذ زمن طويل، كان العرب، أمة حاكمة غير محكومة، وسيدة غير مسودة، وغازية غير مغزيّة، ومُرسِلة غير مُتلقية، وهادية غير مهدية، وقاضية غير متهمة، وظالمة غير مظلومة، ولها الصدر دون العالمين أو القبر.. الخ. ولكنها وجدت نفسها في هذا العصر الحاضر على عكس ذلك، وأنها في الدرك الأسفل من الأمم، وليس تحتها في قائمة العالم غير الصحراء الإفريقية الجنوبية فقط.

فما العمل، لكي تحاول أمة العرب، ولو في الخيال والأحلام، أن تعيد مجد الماضي، وتصبح شغل العالم الشاغل، والسيف المُهاب ؟

عليها أن تخطف الإسلام أولاً، وهو كل ما تملكه في دنياها، ثم تأسره بعيداً في جبال أفغانستان، وكهوفه، وتسرقه من قبل حفنة من المفترين على الدين، وتؤوّله، ثم تحيله إلى موجات من العنف والإرهاب، وقطع الرقاب. وتأتي بإسلام جديد، لا علاقة له بإسلام الآخرين في العالم، الذين يمثلون 81 ٪، بينما لا يمثل العرب غير 19 ٪ من العالم الإسلامي.

وإسلام العرب الآن ، له فرسانه الملثمون الظاهرون على شاشات الفضائيات، وله فضائياته، وصحفه، وكتبته، وله فقهاؤه المُعممون ذوي الوجوه الثلاثة: وجه للعرب، ووجه للغرب، ووجه ثالث للتراجع. وله فقهاء سفك الدماء، وفقهاء الفتاوى والفتاوى المضادة، وله أصوليوه المقنعون بقناع الدين المخطوف والمزوّر، كما قال المفكر الليبي الراحل، الصادق النيهوم، في كتابه (الإسلام في الأسر).

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.