أمور تللسقف

من تراثنا الاصيل .. صناعة الرشتا// عصام شابا فلفل

 

من تراثنا الاصيل .. صناعة الرشتا

عصام شابا فلفل

 

الرشتا مادة غذائية معروفة لدى جميع ابناء شعبنا وفي جميع بلداته وقصباته ، ولم يكن يخلو منها بيت مهما كانت حالته المعاشية ، اذ كانت تعتبر مونة رئيسية للمنزل حالها حال البرغل والحبية والجريش .. اما صناعتها فكانت على طريقتين ، الطريقة اليدوية والطريقة الميكانيكة.. والطريق الاولى)اليدوية ) تتلخص بما ياتي :

بعد انتهاء موسم صناعة البرغل ، كان ياتي موسم صناعة الرشتة ، اي في اواسط واوخر شهر ايلول من كل عام .. كانت ربة البيت تنهض مبكرا في اليوم الذي يقوم اهل البيت بصناعة هذه المادة الغذائية ، لتعجن كمية من الطحين يقدر بجوالي ( 12 – 15 كغم) ،وتوضع مع العجين كمية من الهيل المسحوق مع الدارسين لتعطي نكهة طيبة للرشتة ، ومن ثم بعد العجن مباشرة يتم تحضير (خوانة) منضدة حجرية عدد 2 توضعان احداهما مقابل الاخرى وسكين حادة و( كرومة ) شوبك .. وكيرا ( النشابة ) ، ومن ثم تجلس اثنتين من نساء المنزل وتكونان عادة سيدة البيت الكبرى وكنتها الكبيرة كل منهما مقابل خوانة ، تقوم الاولى بتقطيع العجين الى قطع بحجم كف الانسان ، وتضع عليها قليلا من الطحين كي لا تلتصق بالقطعة الاخرى وتضعها في الطشت ،وبعد الانتهاء من التقطيع تغطي الطشت بقطعة من القماش لكي لا يجف .. ومن ثم تبدأ باخذ قطعة واحدة وفرشها بواسطة الـ ( كرومة ) شوبك على شكل قرصة ومن ثم ترميها الى المراة التي تقابلها التي تقوم بترقيقها بواسطة ( الكيرا ) النشابة لتصبح رقيقة جدا مثلما تصنع خبز الرقاق تماما ، ومن ثم تقوم بقطع هذه القرصة الكبيرة بخطوط متوازية بحث لا تتجاوز المسافة بين خط واخر ( 2 ملم ) .. وبعد الانتهاء من قطع الرغيف باكمله تقوم برشه بكمية وافية من الطحين كي لا تلتصق قطعه ببعضها ومن ثم تفرش تلك القطع في صينية كبيرة الى ان تجف قليلا ومن ثم تقوم بفرشها فوق جودلية نظيفة على سطح المنزل الى ان تجف تماما.. بعد ذلك تجمع وتوضع بصينية ومن ثم توضع في التنور الى ان تتحمر جيدا ، وبعد ذلك تخزن في كوارة ( برميل طيني ) ومن ثم فهي جاهزة للإستعمال في فصل الشتاء القادم ..

اما الطريقة الميكانيكية فكانت تتم بواسطة ماكنة خاصة بصنع الرشتة .. اذ اختفت ظاهرة العمل اليدوي بعد ظهور هذه الالة تماما وخاصة في نهاية ستينيات القرن الماضي.. كانت في تللسقف ماكنة واحدة فقط وتعود الى المرحوم عيسى كمبيلا .. وتتكون الالة من :-

1- محمل ( قاعدة) : تتكون من اربعة ارجل خشبية مركبة على شكل مقطع هرمي رباعي ، عريض من الاسفل واقل عرضا من الاعلى ...

2- اسطوانة بقطر 30 سم تقريبا مصنوعة من مادة غير قابلة للصدأ وبطول 1م مفتوحة من الاعلى ، وذات قاعدة مقعرة من الاسقل ، وتكون القاعدة مثقوبة بعدد كبير من الثقوب متساوية الفتحات لتسمح بمرور العجين من خلاله اثناء صناعة الرشتة .

3- المكبس: ويتكون من لولب دوار على شكل مسمار محوي ( برغي ) بطول 1م وبقطر 2سم وفي اسفله قطعة حديدية دائرية قطرها الخارجي مساو لقطر الاسطوانة الداخلي ، ويوجد اسفل هذه القطعة الحديدية قطعة بلاستيكية لتمنع الاحتكاك المباشر بين العجين والحديد .. وفوق هذ الحديدة هناك حديدة اخرى مدورة ايضا ولكن قطرها اكبر من قطر الاسطوانة ، اذ تعتبر الغطاء الخارجي للأسطوانة ،اما في اعلى اللولب فهناك اربعة اذرع مربوطة بهيئة صليب كبير يقوم الصانع بتدويرهما كي يضطر المكبس للضغط على العجين لإخراجه من القاعدة المثقوبة على شكل خيوط رفيعة تسمى رشتة .. اما طريقة العمل بهذه الالة فهي :

 

يتم الاتفاق اولا مع صاحب الماكنة على يوم محدد للقيام بالمهمة .. وما ان يحين اليوم المتفق عليه حتى ياتي صاحب الماكنة بعدته محملة على ظهر الحمار وينزلها على الارض ومن ثم يقوم بربطها ، اذ يربط القاعة اولا ومن ثم يضع الاسطوانة على القاعدة ويربطها بواسطة اربعة براغي كبيرة . وتكون حينها ربة البيت قد اعدت العجينة وقطعتها الى قطع كبيرة على شكل اقراص ثخينة كل قرصة بقطر 25 سم وسمك 5سم ، اذ يقوم الصانع بوضع هذه القطع احداهما فوق الاخرى الى ان تمتليء الاسطوانة ،ومن ثم يضع القطعة البلاستيكية على العجين داخل الاسطوانة بعدها يضع المكبس ، اذ يربط الغطاء الخارجي بواسطة اربعة براغي مع الاسطوانة .. وتكون هناك امراة جالسة تحت القاعدة وقد فرشت تحت القاعدة جودلية وعليها كمية كبيرة من الطحين ، وحالما يبدأ الصانع بتدوير المكبس حتى تبدأ الثقوب في قاعدة الاسطوانة المثقوبة باخراج خيوط الرشتة وجميعها بقطر واحد تقريبا ، وحالما يبلغ طول الخيوط حوالي 20 سم تقوم المراة الجالسة تحت القاعدة برشها بالطحين وهي عالقة ومن ثم تقوم بقطعها جميعا ووضعها في صينية كبيرة ، حيث تقوم فتاة اخرى باخذ الصينية الى السطح لتجفيفها .. وهكذا دواليك.. وبعد ان تجف بيوم او يومين تؤخذ وتحمص في التنور ، ومن ثم تخزن لغرض استعمالها مونة للشتاء القادم.. وقد اختفت هذه الصناعة الشعبية تماما بعد انتشار معامل صنماعة الشعرية وباسعار بخسة جدا..