اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

• شهيد الصحافة العراقية .. عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)

نبيل عبد الأمير الربيعي

شهيد الصحافة العراقية .. عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)

لقد اتسم الصحفي الناقد والساخر عبد الجبار وهبي بالدور الريادي بكتاباته وتعليقاته كسلاح يرفعهُ بوجه المسؤولين والمتنفذين , بسبب تفشي الظواهر السلبية التي يعاني منها المجتمع العراقي , وقد ساهمت مقالاته في جريدة (إتحاد الشعب ) جريدة الحزب الشيوعي العراقي المركزية , في التصدي لكل ما هو فاسد بأسلوب جريء , فكان أحد الصحفيين الذين لهم الدور المهم كرقيب شعبي لرصد الأخطاء وفضح الفساد والفاسدين ,كما كان للصحفي والروائي شمران الياسري ( أبو كاطع ) نفس الدور الذي قام به الشهيد أبو سعيد في الصحافة اليسارية العراقية فترة السبعينات من القرن الماضي.

ولد الشهيد عبد الجبار وهبي ( أبو سعيد) في مدينة البصرة محلة المشراق عام 1920 , فقد أكمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في مسقط رأسه , وقد حصل على معدلات أهلتهُ لبعثة دراسية إلى إنكلترا , لكن ظروف الحرب العالمية الثانية أحالت إلى توقف هذه الدراسة , فقد أرسل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لإكمال دراسته العالية في فرع الفيزياء , وبعد تخرجه عاد إلى العراق وعُين مدرساً للفيزياء في إعدادية بعقوبة ثم أستاذاً في كلية الملك فيصل حتى قيام وثبة كانون الثاني عام 1948 فقد أغلقت هذه الكلية بسبب انتماء أغلب طلابها للحزب الشيوعي العراقي ومشاركتهم في المظاهرات الطلابية , إذ كانت وزارة المعارف وقتذاك تختار الطلبة المتفوقين بعد تخرجهم من الدراسة الابتدائية لإرسالهم لإكمال دراستهم في كلية الملك فيصل الأول.

كان للراحل أبو سعيد الرغبة بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية على دراسة الفلسفة , فانكب على دراسة فلسفة سقراط , وفي عام 1946 أنغمر في العمل السياسي وكان أحد أعضاء مؤسسي حزب الشعب ومن العناصر المهمة في تحرير جريدة الحزب ( الوطن) , ثم بعد فترة من العمل السياسي انظم لصفوف الحزب الشيوعي العراقي , وبسبب توجهات حكومة نوري السعيد لمطاردة العناصر الوطنية بسبب استمرار التظاهرات وزيادة الوعي الوطني للطلبة ولرفضها معاهدة ( بورتسموث) , فوجهت السلطة الملكية ضربة للحركة الوطنية ولتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي وكوادره , فاعتقل الصحفي ( أبو سعيد) لأول مرة عام 1951 مع مجموعة من المناضلين , واستمرت الملاحقات مرة تلو الأخرى ومنها اعتقاله لمساهمته بتشييع جنازة (نعمان محمد صالح).

عام 1952 وبسبب نشاط الشهيد (أبو سعيد) في حركة السلم والتضامن وإصداره كتاباً بعنوان ( السلام العالمي) , ودوره في انتفاضة تشرين عام 1952 , فقد أصدر المجلس العرفي الحكم الغيابي بحقه بالسجن لمدة ثلاث سنوات , فما كان منهُ إلا مغادرة البلاد بجواز سفر مزور , إذ ذكرت ابنته (نادية

– أنوار عبد الوهاب) في مقال لها في مجلة الثقافة الجديدة العدد ( 340-341)" بعنوان محطات في سيرة أب بطل ورمز ", إذ ذكرت ( حصل أبي على جواز سفر باسم الحاج محسن عبد , وقرر اصطحابنا معهٌ أنا وأخي سعد , وأما أمي نظيمة وهبي , فقد كانت سجينة في سجن النساء في بغداد تقضي ما تبقى من محكوميتها بسبب مشاركتها في نضالات الشعب ضد الحكومة الرجعية ) , لكن المناضل نظيمة وهبي تذكر في مقال لها في مجلة الفكر الجديد لعام 1978 إنها سجنت بسبب ( إصدار كراس " أغاني السلم والحرية" ), فقد اتجه (أبو سعيد) بقطار الموصل لعبور الأراضي العراقية إلى دولة سوريا الشقيقة , كان يرغب بالعمل في مجال الصحافة ونشر مقالاته في الصحف السورية , لكن هذه الرغبة لم تتحقق بسبب القيود المفروضة على حرية الصحافة و النشر , مما قرر الاستقرار في بيروت والانخراط في العمل السري والاعتكاف لانجاز كراسه ( أعماق السجون في العراق ) عام 1955 ,وقد تمكن من طبعه في بيروت و صدر باسم ( محمد أرشد) , وقد تم توزيعه في العالم العربي , كما شارك الشهيد ( أبو سعيد وطفليه نادية وسعد) في مهرجان السلم والصداقة والتضامن المنعقد في وارشو , إذ تجمعت الشبيبة والطلبة المحبة للسلام , وقد تمكن الشهيد من ترجمة كراسه إلى اللغة الانكليزية لإطلاع أعضاء الوفود المشاركة على واقع حال حكومة بغداد الملكية ودورها في قمع العناصر والقوى الوطنية وانتهاكها لحقوق الإنسان .

بعد عام 1955 تم إطلاق سراح زوجتهُ ( نظيمة وهبي) بعد انتهاء مدة السجن وقد التحقت بزوجها أبو سعيد في بيروت والتأم الشمل ثم الانتقال إلى سوريا للعمل في مجال التعليم في دير الزور , ومن هذا الموقع تمكن الشهيد من تقديم الخدمات للحزب في مجال استقبال القادمين والعائدين للوطن وتسهيل مهماتهم في الخارج.

فقد شارك في مؤتمر نزع السلاح والتعاون الدولي الذي يعقد في العاصمة السويدية ستوكهولهم في 16 تموز 1958 برفقة الشهيد صفاء الحافظ والشاعر كاظم جواد وآخرين , وبعد قيام ثورة تموز عام1958 عادوا للعراق , وعمل الشهيد ( أبو سعيد) في جريدة ( إتحاد الشعب ) الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وكان أحد أعضاء هيئة التحرير وتناول بمقالاته الحيوية الساخرة بعموده اليومي ( كلمة اليوم) لما يخص معاناة ومشاكل المواطنين السياسية والاقتصادية والاجتماعية , فكان عمله الدؤوب والمستمر حتى ساعة إغلاقها وتعرض كوادر الحزب إلى المضايقات والاعتقالات , فتم اعتقال الشهيد (أبو سعيد) وإيداعه سجن الرمادي ثم نقله إلى سجن بغداد المركزي, وكانت فترة الاعتقال أكثر من شهرين ثم أطلق سراحه ونقل للعمل في مجال التعليم خارج بغداد .

يذكر الكاتب مصطفى محمد غريب بمقالة في موقع الحوار المتمدن العدد(2918) , عندما سجن وهو فتى يافع وأودع سجن الرمادي و ( أثناء دخول السجناء الجدد صاح أحد القدامى وقد نسيت اسمه وكان من الموصل " الله هلا يا هلا بالرفيق أبو سعيد" وبدأ الجميع يصافحونه ويُقبلونه وكنت آخرهم وأصغرهم , فالتفت إلى الموصلي ممازحاً على الطريقة المصلاوية " قلي بقه زيّ" فضحك الجميع وهزّ المصلاوي رأسه وفهمت بعد ذلك إنهُ كان يستفسر عني وهزّ الرأس كانت قد أجابت نعم إنهُ معنا ) , ثم يعقب الكاتب غريب عندما أطلق سراحه من السجن( حملني رسالة شفهية مع صديق آخر للاتصال بزوجته المرحومة نظيمة وهبي وكانت تسكن بشكل سري في بيت فريد الأحمر و على ما اعتقد كرادة خارج , وقد نفذت رغبته) , هكذا كانت حياة الشهيد عبد الجبار وهبي بسبب حبه لشعبه وحزبه , حيث ظلت قضيته تركض في دمه , فقد استبدل متّع الحياة بمتّع النضال والدفاع عن قضايا الناس , كان إنسان بحق , مفعم بالأمل والوداعة والطيبة.

كانت مقالاته في جريدة اتحاد الشعب متميزة لنقل معاناة الناس دون حواجز فقد نشر الكثير منها بعنوان ( كان أمس) التي تحكي معاناة عوائل أطفال الفقراء يقارنهم بأبناء المترفين , ومقال بعنوان ( تدور الدنيا ويا ليتها تدور على غصن زيتون ) يحارب بهذا المقال العادات والتقاليد التي تخص دورة السنة على بعض الحيوانات قد تكون أليفة أو مفترسة أو غادرة, وهي عادات بابلية قديمة , وكان يتمنى أن تدور على غصن زيتون ليحل السلام والوئام أرض وشعب العراق و كان هذا أمل وحب الشهيد للفقراء والمحرومين والمضطهدين كونه واحد من أبناء هذا الشعب الذي وهبّ حياته للدفاع عن قضيتهم وقضية حزب الطبقة العاملة والفلاحين والمحرومين , ذلك الشهيد عبد الجبار وهبي كاتب المقالات اليومية الذياستقطب اهتمام قراءه من شتى الاتجاهات فقد كانت قراءة جريدة (اتحاد الشعب )تبدأ من الصفحة الأخيرة بعمودهُ اليومي ( كلمة اليوم) و بعض مقالاته إذ يسخر شرطة التحقيقات الجنائية وحملة الاعتقالات بصفوف كوادر الحزب الشيوعي العراقي تحت عنوان ( اسأل الشرطة ماذا تريد وطنٌ حر ونوري سعيد) فكانت مقالاته أشد من الرصاص بوجه النظام , يُقال عندما سئل الزعيم عبد الكريم قاسم عن عبد الجبار وهبي ومقالاته اللاذعة أجاب ( رصاص رأس القرية ولا مقالات عبد الجبار وهبي ) ويقصد محاولة اغتياله في منطقة رأس القرية في شارع الرشيد , لكن عملاء وجلادي الشعب كانوا لهُ بالمرصاد ليطفئوا الحلم الذي كان يحلم به ذلك الصحفي والإنسان المبدع , وبعد انقلاب شباط الأسود عام1963 كانت كلابهم من الحرس القومي وعملائهم تترصد أبو سعيد المختفي ورفاقه , ففي أحد أيام شهر حزيران من نفس العام سقط أبو سعيد ورفاقه ( جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي ) بيد أعوان عناصر الانقلاب من الحرس القومي , فعذبوا بشده حتى الاستشهاد , ويذكر د. حسان عاكف بمقالة في مجلة الثقافة الجديدة (عبد الجبار وهبي.. سيرة مناضل مثال) " وفي شهادة لأحد المعتقلين في قصر النهاية وهو الدكتور فؤاد بابان قال ( كنت معتقلاً في قصر النهاية فرأيت ( أبو سعيد) مقطوعة إحدى رجليه حيث نشرت بآلة قطع وكان بجانبه شخص آخر لديه يد واحدة ) هذا أسلوب قتلة أحلام الشرفاء ومحبي شمس الحرية , عندما غيّب البعثيون جسده لم يكن يتجاوز عمره الرابعة والأربعين , لكن نقول لك أيها الغائب الحاضر تبقى في ذاكرتنا لأني مؤمن بأن ذكراك لم تنسى ولم ينساها رفاقك ومن سار على دربك , إذ تتجدد ذكراك وذكرى

الرفاق كل عام تلك هي سلالة النضال والمناضلين لشهداء الوطن والحزب..... أبو سعيد الذي كان يمتلك الكثير من الأحلام والقدرات النافعة والمثمرة لهذا الوطن , فإلى جانب عضويته في نقابة المعلمين كان عضواً في إتحاد الأدباء وعضواً في نقابة الصحفيين وعضواً مرموقاً في حركة السلم والتضامن ,كانت زوجته الراحلة (نظيمة وهبي )تتمنى هذه المناضلة ورفيقة دربه وهي تقول في مقالة بحق الشهيد الراحل ( أنا أرجو أن أشهد ذلك اليوم الذي تبادر فيه هذه المنظمات في إعطاء عبد الجبار وهبي حقه وفاءً لما قدمهُ لشعبه ووطنه ) وقد نحقق بعض أحلام هذا الشهيد الذي أحب شعبه ووطنه ومهنته التعليمية والصحافة , قد نحقق بعض أحلام هذه الزوجة المناضلة بإصدار كتاب يحتوي مقالات الشهيد ونبذة عن حياته وفاءاً لما قدمهُ من دور بطولي ووطني لبلادي وشعب وادي الرافدين .

 

نادية عبد الجبار وهبي

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.