اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

وداعا أيها النجم الذي أفل// باسل شامايا

وداعا أيها النجم الذي أفل

باسل شامايا

 

قبل ان يسدل الستار على عام 2013 قُرعت أجراس الرحيل الأبدي ليخطف الموت اللعين من بيننا فنان الشعب المتألق دوما ، أمير الغناء العراقي فؤاد سالم، فكان خبر انطفاء شمعته اشبه ببرق خاطف ضرب الملايين من محبيه وعشاقه ضربة رمح في شغاف القلب .. فوجع الوسط الفني العراقي والعربي برحيل فنان الشعب ، ذلك البلبل الصداح الذي ما فتأت أغانيه تطرق كل الأسماع ، رحل  بعد صراعه المرير مع المرض .. ذلك المرض اللعين الذي نخر في جسده شهورا وسنين ، أرقده الفراش وابعده عن جمهوره الذي أدخل البهجة والمسره الى اعماقه ..وكان قد انتظر طويلا في  رقاده لعلّ  من ينتشله  من آلامه ومعاناته المريرة الا ان الموت سبق أصحاب المبادرات الإنسانية الذين نسوا تضحيات الراحل خلال 30 سنة من الغربة المفروضة ، فحملوه بعيدا عن وطنه واهله ومحبيه ليوارى الثرى في ارض غير ارض آبائه وأجداده ، ولم يحظى  بتشييع يستحقه  كفنان قدم ما قدمه من العطاء خدمةً للحركة الفنية العراقية . فما احقرك ايها  الموت الزؤام وانت تخطف من بين ملايين المحبين هذا الفنان الذي غنى للوطن فأدمع عيون المغتربين ، والمهاجرين الى كافة ارجاء المعمورة ..هوى نجم العراق صاحب الاحساس المرهف بأغنياته والحانه وصوته العذب ، أفل بعد ان كرس حياته من اجل هدف وطني انساني متسامي  ، أغنى بعطائه  أرشيف الوطن  بأغانيه التي  تفاعل معها الجمهور .. غادرنا هذا الكوكب الذي سطع في سماء الوطن ما يقارب من   ( 45 سنة ) الى البعيد البعيد بعد ان ترك لنا ثروة من الاغاني الوطنية والسياسية والعاطفية الاصيلة والتي أغنى بها أرشيفنا الغنائي الزاخر بالمبدعين والمبدعات ، أغانيه التي طالما امتع بها جمهوره وراح يرددها الصغار قبل الكبار.  كانت انطلاقته الاولى من مدينته الفيحاء ، التي هلّ فيها فجر ميلاده عام 1946 وترعرع وكبر عوده بين اهلها  وأحيائها الجميلة ، فصدح من هناك صوته العذب ليدخل البهجة والفرحة الى كل بيت عراقي من الفاو وحتى زاخو . لقد شق طريقه الفني بكل عزم واصرار ووضع نصب أعينه النجاح والتألق فتحقق ما أراد ، وفرض امكانياته وموهبته الغنائية على الملحنين والمنتجين ، فغنى وأطرب سامعيه ، وأنشد للوطن فسحر محبيه ، وهكذا سار على خطى من سبقه من المبدعين والمبدعات من اقرانه الذين اقتدى بهم ، وما زالت اغانيهم خالدة في قلوب الناس كالفنان الراحل ناظم الغزالي سفير الاغنية العراقية ، وتمكن بكل اقتدار ان يبني نجوميته في اقصر سقف زمني ، فكان له الفضل الكبير في الارتقاء بالاغنية العراقية الى مديات افضل واجمل .. تألق بأغانيه وصوته الساحر الذي  دغدغ  مشاعر الناس محركا فيهم مشاعرهم وعقولهم محسساً اياهم بنكهة الانتماء الى الوطن ، لانه كان يمزج  بين حبه للانسان وانتمائه الوجداني الى الوطن ، لقد حمل راية الفن العراقي في حدقات عيونه مكرساً سني عمره لخدمة قضيته التي جسدها انتمائه الى عالم الفن ، متجاوزاً العقبات والمحن ، تلك التي زرعها الاوغاد في طريق نجاحه ، فابدع بعطائاته الكثيرة رغم  تلك المحاولات الخبيثة للحد من ارتقائه  الى هدفه المنشود ، وهكذا أضيف  الى سفر الغناء العراقي الأصيل صوت جديد ومرهف ، تواصل في ذات الطريق الذي سار عليه اقرانه المبدعين حتى اصبح مصدر فخر واعتزاز للعراقيين الذين احبهم واحبوه وخزنوا في اعماقهم مساحات كبيرة من الحب والاعجاب  .   لقد كان الغناء بالنسبة له هدف انساني عظيم ، وظّفه لتعرية النظام الدكتاتوري الذي جثم على صدر شعبه ووطنه سنين طوال ، فنال به محبة الناس  وبات فنان الشعب  المفضل ، لكن الجناة أزلام النظام وقفوا وبشدة لأيقاف صوته ، فعانى ما عاناه من  المطاردة وتضييق  الخناق و الأضطهاد والملاحقات المتواصلة في نهاية سبعينيات القرن المنصرم ، لكنه لم يستسلم ولم يخضع لهم بل قاومهم بفكره ومبادئه وقوة إرادته ،  واضطر لمغادرة الوطن مكرها مع الكثير من  شرائح المجتمع العراقي من التقدميين  والوطنيين الأحرار تفاديا من تلك الحملة التي شنها النظام وراح ضحيتها خيرة ابناء وبنات العراق ، فتصورا أنهم بذلك يتمكنون من كسر شوكته وثنيه عن مواصلة الغناء ، لكنّ آمالهم وأحلامهم باتت أدراج الرياح حينما جاء صوته قويا ومدويا في سماء العراق ، يحمله الاثير من غربته المفروضة .. لم توقفه محنته بل راح يناضل ضد اعتى نظام عرفه التاريخ الحديث ، رافضا الخشوع والخنوع لسلطته  التي أجحفت بحق شعبه وحكمت عليه بالحديد والنار ، واختار الغربة متنقلا من بلد الى آخر حاملا معه معاناة  شعبه دون ان يهاب ظلم ووحشية السلطان .  وبعد ثلاثين سنة من الغربة القاتلة عاد الى الوطن بعد انهيار النظام السابق حاملا حنينه وشوقه الجامح  الى وطنه وأهله وناسه وجمهوره الذي افتقده .. عاد ضمآناً ليتعطر بأجواء الوطن  الساحرة ويشم أريج شوقه إليه خلال غربته التي استغرقت ثلاثة عقود من الزمن .. وكان يطمح ان يكمل نشاطه الذي توقف بسبب الظروف السياسية حينذاك ، لكن نشاطات القوى الارهابية والعمليات المنظمة والتفجيرات والقتل والخطف التي وقعت بعد التغيير ،  للحد من استقرار الوطن حال دون تحقيق ذلك ، والسبب الاخر ما افرزته غربته من الوضع الصحي المتدهور ، رافقه المرض حتى أغمض اغماضته الأخيرة . ستبقى في ضمائر جميع  محبيك داخل الوطن وخارجه.. مجدا لك ولكل مناضل  ناضل في احلك الظروف مرخصاً حياته من اجل الوطن .. وا أسفي على أفول نجمك يا فؤاد فأنا لا أقول لك رحلت لأنك ستبقى حاضرا بيننا وسيبقى صوتك صداحا باغانيك الخالدة مهما طالت السنين.. وستبقى في ذاكرتنا وذاكرة الوطن والشعب دائما وابدا .. وداعا ايها الطاهر الذي لم يتلون ولم يتقلب بل حافظ على نقاء فكره وكرامته .. وداعا ايها الراحل الذي فقدنا برحيله طاقة كبيرة فيا لها من خسارة لا تعوض .

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.