اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

اصدارات

إصداري الجديد الناسخ والمنسوخ محاولة سياسية لإعادة تراتبية الإسلام

 

 

إصداري الجديد الناسخ والمنسوخ محاولة سياسية لإعادة تراتبية الإسلام

صالح الطائي

 

من الحقائق المسلم بصحتها أن السياسيين العرب كانوا على درجة عالية من الدهاء السياسي الذي مكنهم من مصادرة الإسلام المحمدي وإعادة بنائه وفق توجهاتهم الفكرية،ومن ثم تسويقه إلى الناس على أنه دين الله المنزل.

ومن الحقائق التي لا يقبلها عقل ولا دين قولهم: إن "شريعة نبينا محمد (ص) ناسخة لجميع الشرائع بالإجماع، وهذا خلاف العقل والمنطق.

ومن الحقائق التي لا يمكن انكارها أن المجتمع يوم ذاك كان يتألف من ثلاث مجاميع فرقية:

1ـ النخبة المؤمنة التي حاولت أن تسيطر على الأوضاع فلم تفلح، فانزوت في ركن قصي تعمل بصمت، وتنتظر الفرصة، وكانت تمثل الأقلية.

2ـ طبقة السياسيين وأتباع الفصيل السياسي الذين كانوا في منتهى النشاط والنباهة والحدة والقوة والاندفاع، والذين لم يأبهوا بما قد يصيب الإسلام من تحركاتهم المشبوهة، وأصروا على المضي والجهاد من أجل تحقيق الفوز بكل الوسائل الممكنة، وهؤلاء يمثلون النخبة التي تملك السطوة والقوة والمال والشراسة.

3ـ الدهماء وعامة الناس من الفقراء والموالي والعبيد والأميين والجهلة وضعاف الإيمان والبسطاء والباحثين عن السلامة، من عامة المجتمع؛ والذين لا يميزون بين الصح والخطأ، ولا يملكون قدرة التفريق بين مناهج الدين ومناهج السياسة، ما دامت مصطلحاتها متشابهة، حيث يلتبس الأمر عليهم لبساطتهم وقلة أباليتهم واهتمامهم.

والحقيقة الكبرى أن السياسيين استغلوا هذا التباين الفكري، والخلل في ميزان القوى بينهم وبين المعارضة، فبنوا قواعد متينة مكنتهم من السيطرة على مجريات الأمور في مجتمع كان قريبا من زمن البعثة، ولا زالت مصطلحات الدين تتردد في أركانه بقوة، ولكنهم بسبب حنكتهم السياسة، ومقدرتهم الفكرية، أدركوا أن وجودهم سيبقى غير مرغوب فيه ما دامت مؤشرات البعد عن روح العقيدة في منهجهم ودنيويتها واضحة المعالم، وهذا ما ألجأهم للبحث عن أفكار جديدة بسيطة في صياغتها، عميقة في معناها وأثرها، أصلها سياسي بحت، وظاهرها ديني لا غبار عليه، تتحكم منظومة التقديس بدرجة قبولها واستساغتها.

في هذا السياق الخطير كان التلاعب بالسنة النبوية أحد أهم ميادين التغيير، حيث وظَّف السياسيون مجاميع من النفعيين البراغماتيين والمندسين والزنادقة وأعداء الدين المتسترين بالإسلام ليصنعوا ويضعوا لهم مجاميع من الأحاديث المنسوبة إلى النبي (ص) لا لتخنع الناس فحسب، بل وتأمرهم بقبول الأمر الواقع دون اعتراض، وقد كان اختراق السنة النبوية سهلا يسيرا لم يحتج إلى كثير عناء، وكل الدلائل أثبتت أن السنة النوبية تعرضت إلى هجمات مختلفة القوة نجح بعضها في المرور حتى على رجال الجرح والتعديل، ولا زالت الأمة تتعامل به على أنه محمدي الأصل ولا غبار عليه!.

مشكلة السياسيين الكبرى كان القرآن المجيد حيث كان الناس يحفظونه كاملا أو مجزأً، على خلاف السنة التي لم تتاح للجميع فرصة سماعها من فم النبي، والتي وصلهم أغلبها على لسان الرواة بالمعنى لا بالنص الحرفي، مما تسبب في تغيير معاني الكثير منها تبعا لفهم الناقل ودرجة استيعابه وإيمانه وحتى قصديته، فضلا عن ذلك كان هناك تعهد رباني بحفظ القرآن الكريم من التحريف، قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وهذا يعني أن القرآن سيعجزهم، ويفشل مشاريعهم، ويضعهم في مرمى المخاطر، فتفتقت عقولهم عن مؤامرة في غاية الخطورة، لموضوعها أصل في العقيدة، هي موضوعة الناسخ والمنسوخ، التي تعددت غايات وجودها وأسباب حدوثها، والتي لم يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، لأن كثرتها في القرآن تخلق شكا في النفوس، يترك أثرا عميقا.

استغل السياسيون هذه الفسحة، ولاسيما وأن الجميع باستثناء قوى المعارضة، كانوا يخشون شرخ قدسية القرآن أو المساس بها، ربما حتى مع علمهم بزيف ما ألقي إليهم، ولذا عليهم تقبل ما يلقى إليهم بهدوء ودون اعتراض، فهو القرآن الذي لا يعلمه إلا صاحب عظ عظيم، وهم لا يملكون سوى النزر اليسير من الحظ، وبالتالي يبدو سكوتهم وعدم اعتراضهم أسلم لهم دينيا ودنيويا، دينيا نتيجة خوفهم من مخالفة الشريعة، ودنيويا نتيجة خوفهم من غضب السياسيين.

السياسيون من جانبهم استغلوا كل ذلك، وهيأوا الأجواء من خلال التثقيف عن طريق الإعلام الرسمي؛ الذي بدأ يردد مصطلح الناسخ والمنسوخ أمام الناس لكي ينتبهوا له، وحينما تأكدوا من انتباه الناس لهذا المصطلح وشيوعه بلينهم، بدأ الموظفون والأُجراء وعمال الخدمة الفكرية لديهم بتفسير الآيات على خلاف ما سمعه الصحابة (رض) من رسول الله(ص) مدعين أن الآية الفلانية نسخت واحدة أو أكثر من الآيات الأخرى، إلى درجة انهم ادعوا زورا وبهتانا أن الآية رقم خمسة من سورة براءة: (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) نسخت لوحدها 1440 آية، ومن ثم عادت إلى نفسها فنسخت أولها، ومن ثم نسخت آخرها، وأبقت على وسطها فقط، وبالتالي نسخت هذه الآية وصويحباتها من الآيات الأخرى كما كبيرا من كتاب الله، ومن السنة النبوية، وكل عهد ووعد وموادعة عقدها رسول الله(ص) مع أحد من الآخرين كتابيا أم مشركا.

وحينما عجزوا عن إيجاد الآية الناسخة، مع وجود مخاطر جمة يمثلها بقاء الآية المراد نسخها، اخترعوا قواعد ما أنزل الله بها من سلطان، حيث قسموا النسخ على ثلاثة أقسام:

 

(1) ما نُسخ حرفه(تلاوته)، وبقي حكمه، مثل: آية رجم الزاني والزانية، وآية رضاعة الكبير، وعدد آيات هذا القسم قليل جدا. وقد استغل السياسيون هذه القاعدة للادعاء بأن الله سبحانه نسخ بعض آيات القرآن، ولكنه لم ينسخ حكمها، ومن يستغرب من وجود ذلك الحكم عليه أن يقنع أن آيته نسخت، دون ان يبينوا العلة من وراء ذلك!.

(2) ما نُسخ حكمه، وبقي حرفه(تلاوته). وقد اختلفوا في مقداره، فمن توسع منهم أدخل فيه آيات كثيرة جدا، ومنهم الزركشي في قوله: "وهو في ثلاث وستين سورة"، وطبعا هناك في بعض السور من ثلاث إلى تسع آيات منسوخة، ومن اقتصر حكم بقلته، ومنهم السيوطي بقوله: "وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وهو على الحقيقة قليل جدا، وإن أكثَرَ الناسُ من تعداد الآيات فيه، فإن المحققين كالقاضي أبي بكر بن العربي بين ذلك وأتقنه". وقد استغل السياسيون هذا النوع لإيقاف العمل ببعض الآيات مدعين أن هذا حكمما منسوخ، ولكن الله لم يحذف آيته، وهنا أيضا لم ينجحوا في تبيان العلة من وراء ذلك!.

(3) ما نُسخ حكمه ونسخ حرفه. وهو ثالث الأنواع. وهذا ما لا تأثير واضح من وجوده إلا إذا ما ادعى بعضهم أن لديه سورة أو مجموعة آيات أو آية منسوخة ولكنه لا زال يحتفظ بها!.

فضلا عما تقدم، وضعوا قاعدة فقهية خطيرة أخرى، ادعوا من خلالها أن السنة النبوية تنسخ القرآن، ولكنهم اختلفوا في هذا الأمر بين مجيز ومانع، وقد ذهب مالك وأتباع أبي حنيفة وأكثر المتكلمين إلى جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة، وعدم وجود مانع شرعي من ذلك باعتبار أن القرآن وصف النبي(ص) بأنه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)، وقوله(ص): "ألا إني أوتيتُ القرآنَ ومثلَه معه".

وذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه وأكثر الظاهرية إلى عدم جواز نسخ السنة للقرآن.

ووضعوا قاعدة فقهية أخرى، ادعوا فيها جواز نسخ القرآن للسنة، وقد اختلفوا في هذه القاعدة أيضا، فقال أغلبهم بجوازه، أما الشافعي فله رواية لا تجيز هذا النوع من النسخ قال فيها: "ووجه الدلالة أنه - سبحانه - قد جعل السنَّة بيانًا للقرآن، والناسخ بيان للمنسوخ، ولو كان القرآن ناسخًا للسنة لكان القرآن بيانًا للسنة، وهذا لا يجوز". وبالتالي وضعوا قاعدة فقهية عامة شاملة قالوا فيها: "نسخ السنة بالقرآن لا يمتنع عقلاً؛ فكلاهما وحي من الله تعالى، كما أن هذا النَّسخ وقع، والوقوع من أقوى الأدلة على الجواز، بل هو أدل دليل على الجواز.

ورابع قواعد النسخ التي وضعوها هو موضوع نسخ السنة بالسنة، ومنه:

     نسخ المتواتر بالمتواتر، كما في قول الجويني: "ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر"، وقد اختلف معه الفوزان بقوله: "وأمثال نسخ متواتر السنة بمتواترها فلا يكاد يوجد".

     نسخ الآحاد بالآحاد، وهذا لم يختلفوا فيه لأنهما في درجة واحدة.

     نسخ المتواتر للآحاد: ولم يختلفوا في هذا النوع؛ لأن المتواتر أقوى من الآحاد، فلا مانع من نسخ الآحاد بالمتواتر.

     نسخ الآحاد للمتواتر: وقد اختلفوا في جوازه شرعًا، واتفقوا على جوازه عقلاً؛ فذهب الجمهور إلى المنع، وذهب الظاهرية إلى الإثبات.

     نسخ الآحاد بالآحاد: وهذا النوع كذلك لا خلاف فيه بين القائلين بالنَّسخ؛ لأن الناسخ والمنسوخ في درجة واحدة، فلا مانع من أن ينسخ أحدهما الآخر.

وقد اختلفوا كثيرا في جواز وعدم جواز أنواع النسخ التي تحدثنا عنها، ليس في وقتها ولكن بعد أكثر من قرن ونصف على إيجادها، أي بعد أن أدت الغرض الذي صنعت من أجله وأنطفأ تأثيرها وقلت أهميتها. لكن بالمحصلة أحدثت فوضى الناسخ والمنسوخ شرخا كبيرا في الإسلام، صادر طيبته وسماحته وقبوله للآخر وحبه للتعايش بين الأمم والسلام العالمي وكراهة الحرب إلا إذا فرضت.

كل ذلك تناولته بتوسع مقرونا بالأدلة العلمية والنقلية في كتابي الموسوم "الناسخ والمنسوخ محاولة سياسية لإعادة تراتبية الإسلام"، الذي صدر عن قسم النشاطات الدينية في العتبة الحسينية المشرفة، إكمالا لمنهجي في نقد الفكر الديني المتوارث واعتماد الأسس العلمية والعقلية السليمة في قبول أو عدم قبول الكثير من القواعد والأحكام.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.