اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

البحث عن الحقيقة: زيارة الى بقايا ديـر بــنَـث مــريــم- شرق القوش// لطيف پولا

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

البحث عن الحقيقة:

زيارة الى بقايا ديـر بــنَـث مــريــم- شرق القوش

لطيف پولا

 

يوم الجمعة 27ـ 2 ـ 2015 , كان نهارا مشمسا دافئا, سهولنا خضراء, سماءنا زرقاء, جبالنا شماء ,كنا قد صممنا على زيارة بقايا دير بنث مريم (بنات مريم) في قرية كرسافا , ودير بنث قياما في خورزايي والكتابة عنهما منذ مدة ليست بالقصيرة ,الا أننا قد تأخرنا كثيرا للقيام بهذه الزيارة بسبب ظروف خاصة ! واليوم اتفقنا أنا وصديقي الأستاذ نافع حلبي للقيام بهذه الزيارة . بدأنا سفرتنا من القوش الى قرية كرسافا التي تقع بعد قرية بوزان شرق القوش, والمسافة حوالي ستة كيلومترات بمحاذات الجبل. ولإستعمالنا العربة لذا إضطررنا ان نمر بطريق اطول فعرجنا على قرية بيبان ( بيث بانو). ومن هنالك اتجهنا شمالا ثم شمال شرق حتى وصلنا الى بقايا قرية كرسافا التي تقع في لحف الجبل وهي نفس السلسلة الجبلية الممتدة من القوش شرقا مرورا بقرية بوزان وكافانايي وكرسافا وخورازايي .وكرسافا اليوم هي مجموعة خرائب بعد ان دمرها النظام السابق ,شأنها شان مئات القرى في المنطقة. ومن كرسافا رافقنا الصديق خورشيد أيسكان .وتوجهنا ثلاثتنا نحو الجبل, وقد ارتدت الطبيعة حلتها الربيعية مبكرا ,والعوائل افترشت الارض الخضراء ,والاطفال كالطيور تمرح وسط تلك المروج .وفي طريق صعودنا الى الجبل ,وقبل وصولنا الى القمة, وجدنا بقايا بيوت ومقابر لأهل كرسافا القديمة الاشوريين المسيحيين .وقال لنا خورشيد أن هذه القبور تعود لسكان القرية المندثرة المسيحيين الأصليين . وكانت بأعداد كبيرة جدا يدل على قدم المنطقة.. وقطيع من الاغنام يتجول ويرعى بين المقابر ويقضم الحشيش الرطب من نسغ اهل القبور الذين لم يبق لهم اثر سوى هذه القبور التي اصبحت مرعى!! فالتقطنا بعض الصور لهذه المقبرة الكبيرة, ولبقايا القرية المندثرة .

ومن الجدير بالذكر اننا قد وجدنا في موضع قريب منا مقبرتين لشهيدين شيوعيين استشهدا سنة 1987م وقبراهما مبنيان بالأسمنت, في مقدمة كل قبر شاخصة (لوح من الحجر ) مكتوب عليهما اسميهما وتاريخ الاستشهاد هكذا:

1ـ المناضل خليل أوراهام موسى شهيد الحزب الشيوعي العراقي ولد عام  1960م واستشهد في 23ـ 7 ـ 1987م

2ـ المناضل هرمز خوشابا هرمز شهيد الحزب الشيوعي العراقي ولد عام  1951م واستشهد في 23 ـ 7 ـ 1987 م .

 وبعد السلام على الشهيدين الخالدين واصلنا الصعود في شرق الوهدة ,واثناء سيرنا بدأتُ اطرح بعض الأسئلة على الصديق خورشيد لها علاقة بتاريخ القرية , سألته: من اي عشيرة انت ومتى جئتم الى هذه القرية التي اندثر اهلها الاصليين؟ فقال: انا من عشيرة (حراق). قلت: اذن جئتم من مكان آخر الى هنا؟ قال: نعم نحن بالأصل من تكريت. قلت: نعم, ولكم فرع في بغديدا ـ بيت الحراق ـ مسيحيين ,وقسم منهم استسلموا في الموصل بعد ان هُجروا من تكريت .وانتم متى اصبحتم ايزيدية؟ قال: لا اعلم ,والذي  اعرفه هو ان اصلنا من تكريت ,وأحد أجدادي جاء الى كرسافا من ( كافنايي ). وكافنايي هي عبارة عن كهوف ومغارات شرق قرية بوزان التي تقع شرق القوش. وكافنايي تعني أهل الكهوف. لأن كلمة ( گوپّا بالسريانية تعني كهف, وكذلك بالانكليزية وبعض اللغات الارية تلفظـ كيف ـ cave .ولهذا اصبحوا كافنايي او گوپانايي نسبة الى گوپا اي الكهف وهذه النسبة هي صياغة سريانية لازالت مستعملة عندهم .مثلما نقول :القوش ـ القوشنايي ,اي من القوش, ودهوك ـ دهوكنايي وهكذا. وسالته عن معنى كرسافاـ اسم القرية التي نحن فيها وفيها ديرـ بنث مريم (بنات مريم). ولم اقتنع من جوابه لانه بعيد عن الواقع .وفسرتُ له معنى كرسافا لغويا هكذا: باعتقادي ـ كرسافا ـ هو تصحيف ل  (كارـ سابا ) كلمة مركبة تعني  قرية الشيخ. لان ـ كارـ بالسريانية تعني مكان ,موضع  وسابا , ساوا ـ تعني شيخ ( لان بعض الحروف تلين بالسريانية مثل حرف الباء والتاء والحاء والجامل والكاف) .وعليه تلفظ  سابا ـ ساوا ـ مثل ـ كتاباـ تلفظ كثاوا, ـ شبابا ـ شواوا (جار), شبيثا ـ شويثا ( الأسرى ,المسبيون ), وهكذا. وهو تشويه للغة حصل بسبب تاثير اللغات الاخرى خاصة اللغات الآرية التي حلت محل اللغة السريانية مثل الفارسية والتركية التي انتشرت في العراق بعد ان حكموه قرونا عديدة ,والمغلوب يقلد الغالب, وأحيانا يذوب!! كما يحصل اليوم .وعليه صُحفت كثير من الكلمات مثل ـ كار باب الهاـ اوـ كار باب ايلو الى كربلاءـ ,وكثير من الاسماء تبدأ ب ـ كار ـ موضع او موقع. وبمرور مئات السنين صُحفت فتغير لفظها مثل ـ كرخ سلوق أو سلوخ ـ اصبحت كركوك. وـ بيث عَذر ِ اصبحت ـ باعذرا,  وتيكولتي اصبحت تكريت, وبالط اصبت بلد, واشور اصبحت شرقاط , كوبا (شوك) اصبحت ـ كوفا ـ عاقولاء, باب ايلو ـ اصبحت ـبابل , اشور أحا بيل ـأصبحت  شرحابيل , إيشوع  اصبحت ـ عيسى , ويوحنان ـ يحي . وهكذا ...

واحيانا تقوم الدولة الحاكمة بتسمية الأماكن بأسماء جديدة وتحاول ان تمحي القديم مثل: دور شيروكين اصبحت ـ خورسباد ,وبغديدا اصبحت ـ قرقوش ,وديرا دريشا اصبح درش ِ , وديرا دلوقا اصبح ديرلوك ,وبيث مردني ـ بامرني, وارعا دعدن ـ اراذن.. والاف الاسماء صُحفت او حورت او أبيدت بما يناسب الاوضاع الاجتماعية والسياسة .ونحن في هذا النقاش قاطعني الصديق خورشيد واشر بيده الى دير بنث مريم الذي اصبح قريبا منا. صورته من بعيد .ولما اقتربنا منه وجدته لا زال محافظا على شكله .وتقدم الصديق خورشيد وقبل حائط الدير فعرفت ان سكان المنطقة من الاخوة الايزيدية لا زالوا يقدسون هذا المكان ويحافظون عليه .واجهة الدير الأمامية كما في الصورة عبارة عن جدار من الحجر البازي المنقور بدقة متناهية طوله يزيد على عشرة امتار وارتفاعه بحدود ثلاثة امتار له باب صغير. والدير عبارة عن ثلاث كهوف في الجبل تتصل فيما بينها بأواب صغيرة .وداخل بعض الكهوف مغارات اخرى ووجدت في مدخل هذا الدير البسيط قبرا يبدوا انه حديث العهد وعلى يمينه بجانب الحائط قبر آخر قديم نـُبش ,وربما رُفع رفات المتوفي المدفون فيه او نقل الى مكان اخر . وبجانب القبر صخرة مكبعة منقوش عليها كتابات سريانية,  قرأت بعض الكلمات وبصعوبة, لان الكتابة متاثرة بفعل التعرية او التخريب ,تذكر ان المتوفي هو الشماس كوركيس توفي في تشرين الثاني ولم استطع ان ابين السنة ولا اسم الدير الذي نقل اليه . ويُقال ان هذا الدير كان لراهبات ومن اسمه يؤكد ذلك بنث مريم ( بنات مريم ) مع الأسف لا يوجد في الكنيسة اي شيء حول هذا الدير شانه شان كثير من الاديرة التي اندثرت بفعل الغزو والابادة .وقد انتشرت كثير من الاديرة للراهبات منذ القرون الاولى للمسيحية, وقد عرفت الشهيدة (ثربو), أخت الجاثليق الشهيد مار شمعون برصباعى كرئيسة لدير للراهبات, وقد نالت اكليل الشهادة, ايضا, مع أخيها الجاثليق ومئات الالاف من الشهداء على يد شابور الثاني المعروف بذي الأكتاف عام 341م (تصوروا جيوشا تزحف على دير للراهبات وتقطعهن إربا إربا, ويسجلوها في تاريخهم بطولة!!). وكانت الاف الاديرة منتشرة في جبل ايزلا وجبل القوش وفي منطقة حدياب عموما. ومن هذه الاديرة في حدياب دير النساء في برزان, ودير العذارى بين موصل وبيث گرماي ودير بنث قياما ( بنات العهد ) بجوار خورزايي .اصبحت هذه الاديرة اثرا بعد عين وانقطعت اخبارها بعد حملة تيمورلنك في ابادة المسيحية عام (1398م ) وحملة طهماسب عام (1742م) وحملت ميرا كور( 1832م) والقائمة طويلة ..وكان يوجد مثل هذه الأديرة ايضا في سهل شنعار في بغداد الكوفة والحيرة والبصرة والكوت ,ولا زالت الكثير من الأماكن في هذه المناطق تحمل اسم منطقة ـ الدير ... ولكن لا وجود للدير!. واُكتشف في منطقة كربلاء بقايا ثلاثة وثلاثين ديرا وكنيسة, منها دير هـنـد للراهبات ,وعليه اصبحت بلاد الرافدين مقبرة لآلاف المعابد السومريةـ البابليةـ الاشورية ولآلاف الأديرة والكنائس المسيحية ,إضافة الى الملايين من أبناء هذا الوطن الذين دفنوا مع معابدهم واديرتهم وكنائسهم وهم يصلون ويسبحون ويتبتلون ويطلبون من الله ان يغفر قاتليهم !!!!!!!!!...

وأدناه بعض الصور التقطناها أثناء زيارتنا الى دير بنث مريم في قرية كرسافا .

 

مع تحياتنا......

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.