اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

لقاء مع الشاعرة السورية وفاء الشوفي// آمنة وناس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

لقاء مع الشاعرة السورية وفاء الشوفي

آمنة وناس

تونس

 

السلام عليكم

عليكم السلام

هي التي ترافقها الحياة، لتوشوشها أن الدرب قدر، وبأن العمر صرخة صداها بين فرح وألم، هي التي يصادقها الحرف ليمسح الوجع عن إحساسها إذا ما انكسر، مؤكدا بأن الأنفاس لا تستقيم بدون حلم، هي التي بمصاحبة مرقمها الورق ينبهر، ولإرادته يرضخ ويستسلم، هي التي تأخذنا إلى دواخلها عبر سفر، لنحلق معها وبالجنان نلتحم، هي التي تؤمن بأن العزيمة دائما تنتصر، وأنه لن يخذلها حرج أصم، هي التي ترفع القلم مصرة بأن العدل على الظلم مقتدر، وبأن السيادة لن تكون إلا للعلم، هي التي حزنها مهما انهمر، لن تنزف ابتسامتها نحو العدم، هي الشاعرة السورية "وفاء الشوفي"

 

مرحبا بك سيدتي

إن شاء لله كون هكذا .. جميلة قراءتك

 

س "رداء بابل .. اسمي"، إلى أين يصل صداه؟

ج يصل صدى اسمي إلى مكمن الأنوثة (طفولة العالم) ومنبعه، إلى حيث نهضت عشتار بكامل حليبها وأمومتها لتلدَ آدم، في مرجعية العالم تلك تعاد صياغة أسئلة الوجود من خلال النص الشعري الأنثوي.. المنقطع عن ماضيه بقطيعة المعرفة وإبعاد المؤنث وسقوط المثنى.. ومن هذا السقوط الذي جعل المعادلة تختل يأتي تمرد بابل واستمرارها عبر الزمن اللاواعي.. هنا في عمق الذاكرة القهرية تكمن طفولة العالم، المؤنثة.

 

س "طفولة العالم"، كيف تحتضن الأنثى "وفاء الشوفي"، وإلى أين تصل معها الشاعرة "وفاء الشوفي"؟

ج طفولة العالم لم تكن سوى رقيمات على جدران التاريخ.. شبه ذاكرة للزمن السرمدي. عالمنا الأنثوي يشيخ، إذ انقطعَ عن طفولته وأخرجَ من المهد إلى دائرة الصراع.. حُمّلَ رموز ثقيلة بعدَ أن خُلعَ عنه ثوب الطبيعة_الأرض وأُلبِسَ ثوبَ الخطيئة.. لطالما حَملَ الجسد الأنثوي رموزهُ كصليب وما زال يدفع ثمن تلكَ الخطيئة التي لم يقترفها وحده. الأنثى ليست نصف، وهي بذلكَ لما تزل تكتب عما ينقصها.. لم تكتمل دائرة حقها وكل ما يكتب الآن (عربيا) بأقلام الإناث لم يخرج من دائرة الحلم وردات الفعل.. القلم ليسَ بديلاً عن سرير الحياة.. وإن تعثّرَ بمعرفته وحقه، وبين الإنسان وما يكتب (يحلم) للأسف فجوة هائلة ما زالت تخرج منها جميع أنواع العقد والحروب، ثمةَ مسافة لم تقطعها الأنثى نحوَ إنسانيتها.. لن تردمها الكتابة وإن حاولت.

 

س "الشعر .. هو صراع لا يهدأ بين الواقع والحلم... هو شعلة تتقد وتضيء.. تتحدى البرد والعتمة"، بماذا توشوش لك القصيدة عن الواقع والحلم، عن البرد والعتمة؟

ج القصيدة مخاض.. ثمة حياة تخرج إلى الوجود أجهل شكلها رغم اختمار ونضوج معناها في وجداني. الشعر: محاولة وجود ثانية.. تتمرد على الوجود الطبيعي ولكنها ليست بديلاً عنه.. وجود يختار وينتقي وينقد، كأنه سؤال مُلحّ للطبيعة في تجليها بنا.. كأنه استنفار للكشف والمعرفة. هو محاكمة لهذا العالم.. ومحاولة دؤوبة للقبض على الحياة التي تعبر كنهر هادر.

 

س احتسي من صمتي أيها الحرف الراكض إلي حتي تثمل القصيدة، كيف ترافقك هذه التنهيدة؟

ج الصمت ..؟

يبدو للوهلة الأولى كأنه نقيضُ اللغة.. لكنهُ المصدر.. قاع العالم وبدايته 

غَمر العقل الجمعي.. حيثُ تختزن الأضداد حركتها الدائمة وتعرف نفسها عندما تُكتب. القصيدة: تنهيدة كبرى.. طويلة : كاختزال المدى وإعادة صياغته، حليّة تزيّنُ القلب.

 

س كم أنت مكتظ بالصمت، حرف، يترجّلك ورق مزّقه بوح أصم، كيف تستطعم هذا المعتقد؟

ج استطراداً لتعريفي للصمت.. واعتبار القصيدة حليّة تتم صياغتها بعين الجمال البصيرة، أقول: لا عقيدة للكتابة رغم قدرتها صياغة ما استبطنَتهُ من معرفة وتجارب، إذ أتحرر من كل ما يثقل ذاكرتي التراكمية بانتقائيتي وأسلك قنوات وجداني، فأنا لا أحاكم العالم فيما أكتب وحسب بل أحاكم نفسي أيضاً ولكي أبرع في ذلكَ عليَّ أن أبدأ من جديد في كل مرة وألا أنظر للوراء. هكذا تبدو القصيدة طازجة المعرفة والموقف في كلِّ مرة.

 

س أبحث عن مقعدي في الذاكرة الموجوعة، بماذا يحدثك هذا البحث؟

ج هو حفر في الوراء .. عودة يائسة ليسَ لما انقضى وحسب بل لقوانين ركّبت حياتنا.. صحيح تبدو التفاصيل قدرية كملامحنا ولكن هناك أيدٍ عبثت في هذا المصير.. ورسمت الدرب كمشيئة محددة.. الألم هنا ندوب صغيرة بقيت فوق اليدين والأصابع كأنها تؤرخ طفولة خاصة صنعت ألعابها من طين الريف وحجارته.. أراني طفلة خجولة تردد الشعار في باحة مدرستها فلا تسمع صوتها ولكنَ ما يردده الطلاب. كإجابة عالية يؤكد أن صوتي كانَ مسموعاً وعالياً آنذاك.. هذه الطفلة ما زالت تردّد صوتها رغم تمردها على النشيد.

  

س يا لذهولك، أيتها الطفولة، والواقع ما يزال يغازل صرختك بزفرة الذات، كيف هي أنفاسك عبر هذا الاستنشاق؟

ج طفولتي .. طفولاتنا جميعا..

كأنها مركزيتنا الكبرى.. من تلك النقطة تفجرت كل الأحلام والانكسارات وهل هذا الذي نحن عليه سوى تلكَ الطفولات؟

أصغرُ منْ صدىً

كأني .. لم أكنْ

يومَ ولدتُ:

جاءت النايات..

كنتُ أصغرَ منْ صدىً..

كنتُ أكبرَ منْ صرخة..

هلْ ذكرياتي؟

تلكَ الطفلة ُ الصامتة؟

تلكَ اللقيماتُ؟

أوشكُ

أنْ ألمسَ طيفيَ الصغير

لكنّ رائحةَ الحبقِ

أقلُّ من الحديقةِ

أنا البرعم..

و أقْدامي جذور

عمّدتني الطيورُ

بريشٍ ملوّن

أغْرتني السمواتُ

بلؤلؤِ كتفيها

و أغمدت الأرضُ

أشْرعةَ البوحِ

في ضلوعي..

لم يبقَ منّي

في ظلامِ المنافي

غيرَ الاسم

 

س الصرخة التي ترتفع ليعترف الكون بحنجرتها، تعبرنا كجرح"، ما ملامح زقزقة النزف، عبر نبض يركض إلى هناك...؟

ج ليسَ الحزن و حسب ما تنزفه أيامنا.. لجرحنا شُبهةَ المكر المبيّت.. ففي هذا المدى الذي تذوب أناهُ في النشيد العام.. تصبح النحن مرجعية تراجيدية.. كأنما تذوب الأنا الفردية في محيط الطاعة هذا، وما الصرخة التي كفّت عن ندب ذاتها ورفضت أن تكونَ الضحية (رغم كونها كذلك) سوى الفن الذي تحيكه الذات المبدعة كردٍ على آلية محوها وإلغائها وتحويلها إلى رقم ملعوب في سياق الجماعة..

وما أبهى هذه الصرخة.

 

س عندما نرحل مع "الأنا"، ما تقاسيم المسافات التي تعبرنا؟

ج الأنا .. ليست نزوة

ليست ذاكرة ولا حسابات وحسب، الأنا: مسرح ومرجعية، خيط غير مرئي يتخلل وجودها.. متضمناً لاوعيها كمساحة كبرى.. ليصنع حبكتهُ الخاصة، وكل نضالاتها فيما بعد محاولات حثيثة لتشكيل وعي المستطاع من تلكَ المساحة اللاواعية الكبرى.

ثمةَ تداخل هائل وغير واضح بينَ النهر الهادر للوجود وتلكَ النقطة الضئيلة التي تشكّل ماهيتهُ ومعناه واسمها ( الأنا).

 

س لماذا تنزلق من بين أصابعي، أيها اللاوعي، وفي كفي ظلك المفقود؟

ج بينَ الشمس والظلال مسافةُ السباق..

قفزةٌ نريدها نحو الأعلى.. كأن السماء خيار نجاة، لكننا نهبطُ في أحضان أمّنا الأرض،

وذلكَ ليس سقوطاً .. بل فعلُ الجاذبية.

اليدُ : لم تكن أقصرَ من الظلال بل هي امتدادها في الطريق.

 

 س بماذا تحدثينني، أيتها الشمس، عن ليل، وأرض، وسفر؟

ج ما الذي تقوله الطبيعة الخالقة لمن منحتهُ حق التغني بها؟ أيها المسافرُ كضوءٍ من عتمةٍ إلى عتمة.. اقرأ آياتِ نفسكَ في فجرٍ أكيدٍ وقد لا تراه.. تبلسم في حديثكَ الزهر.. واترك أثركَ لمن سيبحثُ عنكَ.. ليسَ عطرُ الراحلينَ ما يبقى بل بذور الوداعات.

 

س يقول الصحفي المصري "عبد الوهاب مطاوع" "من أصعب دروس الحياة، أن يتعلم الإنسان كيف يقول وداعا"، برأيك، هل "الوداع"، إحساس مبعثر، أم قراءات لخلجات النفس المسافرة في العودة؟

ج كأنّ الحياة سلسلة من الوداعات.. كأنّ تلويحةَ الرحيل عقاب لامرئي للعاطفة و للانتماء، ولكن لا وداع كامل ولا مغادرة نهائية.. كل من يرحل يترك جزءاً منه هنا.. في وجداني وذاكرتي البصرية وحتّى كتاباتي. الوداع درس قاسي نعاود نسيانه في كلّ تعلّق لنتألم من جديد على عتبات المغادرة. ونحن بالنسيان نقتل جزءاً منّا في محاولتنا محو ما كانَ جميلاً بداخلنا.. ولذلكَ علينا أن نتعلم أن نُسقِط الأوهام العالقة بعاطفتنا النقية.. ونعترف بالخريف كحلٍّ أحياناً وكقفزة باتجاه الجديد. علينا أن نتعلم أن نشيحَ بوجوهنا عما انقضى.

 

س كم زرعت فيّ من غربة، أيها النسيان، وكم سأقطف فيك من اللاوطن؟

ج حتّى في تراب الكتابة.. هناك عملية تعزيل تسبق الزرع.. هناك عشب بلا جدوى يجب اقتلاعه لتتنفّس الأرض وبذار تغور عميقاً لتعاود الحياة من جديد.. النسيان: ذاكرة تعبت من تراكمها.. فأنكرت ما راكمته لتستريح.. والنسيان عتبٌ قديمٌ على الأوطان، أفقدته خيباته القدرة على البقاء.

سأقولُ:

الهجرةُ لا تتعرّى

تحتفظ بدفء الثوب

بتفاصيلهِ المهترئة

لتبدأ مرّةً أخرى

من الخام الذي أنْكرتهُ

 

س" قلت للجدران أن تسيل فغرق البيت"، ماذا يحمل لنا هذا الاختلاج من دواخل السورية "وفاء الشوفي"؟

ج يحمل صفات الروح التي إما تقبض الواقع فتخسر الحلم .. أو تلهث وراء الحلم فتتجاوز الواقع، هذه ضريبة الحلم الفردي في حشدٍ مقنّعٍ بالخديعة والخوف .. يجرفه اللهاث خلف أوهامٍ تشبه سلاسل ذهبية، هذه ضريبة الحلم .. في واقعٍ لا يعترف إلا بالسكين.

 

س "لكثرة ما حلمت انطفأ آخر نجم لليقظة"، إلى متى مع هذا الوجع؟

ج إلى أن تُرفعَ قبضة التسلط عن بنية مجتمعاتنا الذكورية.. إلى أن تكفَّ الحرب يدها عن بتر أعمارنا.. إلى أن تصبحَ إنسانيتنا حقيقة نستطيع لمسها بالأصابع كما نلمس الماءَ العذب. إلى أن نتعلم كيف نحب كما تعلمنا كيف نكره، و بين هذه اليقظة و ذاك الحلم ثمةَ أشكالٍ مختلفةٍ لموتٍ نختبره و نجربه كقدرٍ و كقيمة عُليا.

 

س كيف هو الحب في "قلوب مثقوبة"؟

في أزمنة الحروب تصبح السادومازوشية طريقةً لتعبير الجلاد_الضحية.. ويصبحُ الحب قناعاً ضاحكا. يشبه هذا الحب المريض الذي يتنكر لمرضه، والحياة التي تستقوي على ضعفها. القلوب المثقوبة، مصفاة : نَهَبها الرمل، ولكنها ما زالت تؤمن بحقها بالمياه العذبة. 

 

س "هبني وقتا لا تنكر فيه الوردة عطرها"، أي أنفاس تبعثر وشاحها عبر خلجات هذا العطر؟

 

ج جديرة ٌ

بوردةٍ بيضاءَ

حياتي..

بنافذةٍ

لا تفضي إلى دخان..

بنسائمِ اللا خوف

و أن أكون

ذاتَ يومٍ

نهايةً بلا قربان

حنينٌ

أمضي فيهِ

بغيرِ هودجِ النحيب

 

وردُ المعنى

يموتُ على الموتى

ويحلمُ بأن يعودَ

إلى الحديقةِ مرّةً أخرى

 وردٌ سبيلهُ

 أنْ يُعيدَ للعطرِ جدواهُ

 في احتفالِ العاشقين

 

س كأنني بين أنياب الحيرة

تشويش يسدل خيامه أمامي

فهل أكنس بقايا تواجد

أم هي خيالات أحلام

تحتسي آخر أكواسها

لترمي بجزء من نبيذها

على تربة

تكدّس أرقها

و انبعثت منها رائحة الغياب

إلى أين أنظر

من أين أبدأ

هل الخيال حقيقي

أم الحقيقة دخلت ضبابية اللاواقعي

...؟

 

ج الخيال : امتداد وإلهام.. ومنه تنبع جميع الحقائق.. كأنه ظلال العقل الأول فينا، المعضلة في واقعٍ ينكر العقل والخيال معاً ليحشر الكائن في زاوية الطاعة الجامدة. فكل أنواع السُلط تأتي من فكرة الاستحواذ، والتقوقع داخل الأنا ..وتنتج عنها عدائية وإلغاء الآخر.. وهل الغياب سوى هذا الآخر البعيد؟ وهل اليد التي ألقت نبيذها سوى يد العطش؟

 

س تخطفني خطواتي نحو شهقتك، أيها الخيال، إلى كم من إحساس مع هذا الانطلاق؟

ج الكتابةُ فعلُ قراءةٍ بالأساس.. انعكاسٌ بين الداخل و الخارج.. وقبضٌ على المعنى الهارب، هدم و بناء .. وخطوات في المجهول، حيثُ، في تلك المشاوير ترتسمُ الطرق، وفي تلكَ الخطوات ترتسمُ الأقدام.

 

س ما العلاقة بين الفشل وعدم النجاح، عندما يتمسّك الطريق بالقفل ويسقط المفتاح؟

ج الفشل محاولة بائسة.. وعدم النجاح يأس مزمن.. كأن تنتبه لما يضيع في كلِّ مرة، فتجد نفسكَ تحدق في الوراء. القفل: أيدٍ تصنع الحواجز.. والمفتاح: أقدام تقفز. إنه الارتباك.. تماماً كزهرة لا تفهم الخريف .. لكنها تعرفه. 

 

س كيف يبتسم لك الخريف؟

ج يبتسمُ الخريف عندما ينظرُ في ماهيّتهِ .. وإلى دورهِ بين الفصول. عندما يكونُ اليَباس استراحةً وليسَ مرضاً،  وعندما يكونُ الربيعُ محطةً وليسَ وجْهة سَير. هكذا يكونُ الاصفرارُ بليغاً .. كامرأة حكيمة.

 

شكرا لك الشاعرة وفاء الشوفي على حسن تواصلك وإلى لقاء آخر إن شاء الله

الشكر لك صديقتي آمنة .. ولأسئلتك الملهمة.. سررت بهذا الحوار الذي يحرك الماء الساكن ويفكر كشلال هادر

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.