حوار مع الفنانة التشكيلية الفلسطينية منال ديب// حوار آمنة وناس تونس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

حوار مع الفنانة التشكيلية الفلسطينية منال ديب

حوار آمنة وناس تونس

تونس

 

السلام عليكم

و عليكم السلام

أتتنا من ديار بها الأوجاع شِداد، لكنها للمبدعين ولاّدة، فأبناءها من خيرة العباد، صاحبوا التعالي بقوّة الإرادة، فأنجبت الفرسان الطراد، فالكل يريد تحصيل الإفادة، من مناضل وأديب وشاعر جواد، لصاحبة الريشة الوقّادة، بألوان وخطوط تحاكي الأمجاد، لأرض ستبقى لشعبها السيادة، حملت الإحساس زاد، فكانت أناملها منقادة، للتعريف بقضية البلاد، لتكون لأعمالها الريادة.

احتضنها المهجر، فاعتنقت الوطن حبيب، طلبت يد المعرفة، فكان لها العلم خليل ونسيب، صقلت الموهبة فأنتجت فنّا للعقل تهذيب ومن الروح جدّا قريب، هي الفنانة التشكيلية الفلسطينية منال ديب.

 

مرحبا بك سيدتي

أهلا وسهلا بك، أشكرك من كل قلبي على هذا الاحتفاء، أتمنى أن نكون دائماً ممن قلوبهم خالصة للوطن وحب الوطن.

 

س ما مدى الترابط القائم بين الروح الفنية، الذات الفلسطينية وإحساس الإنسانية لدى "منال ديب"؟

 ج علاقة الروح بالجسد، روحي فلسطينيه و جسدي الإنسان لا يقومان الواحد دون الآخر، الروح تسمو بالجسد وتأخذه بعيدا عن الواقع، الواقع الذي يحكمه ظلم الإنسان للإنسان. فلسطينيتي جعلتني اشعر مع كل إنسان مهان في هذا العالم مشردا، ولنفس الوقت أعطتني الشجاعة في التصميم على الحياة و رؤية الجمال في كل شيء.

 

س عندما تخدعنا التعابير وتتأسّف لنا الحقيقة ويؤكد لنا الواقع أنه قوس قزح بين البياض والسواد، هل يمكن أن تخلق ريشة الفنانة التشكيلية "منال ديب" ممرّات تخرج بها من إحساس حطّمه جليد السكون؟

ج الألوان تشعلها حواس الإنسان ولكي نتذوق الحياة نريد ذالك العزف الجماعي ما بين الرؤية والتذوق والسمع والحس والشم، كل هذا يخلق قوس قزح لدي، وحين أبدا الرسم استحضر قوس قزح بحواسي وبعدما أغوص في لوحتي يغادر كل شيء يغادر الغرفة حتى نفسي تخرج و يبقى الشعور يحضن لوحة.

 

س ما هي مراحل تطوّر الشعور بالفن لدى الإنسانة "منال ديب" وهل كان للمكان دور في ذلك؟

ج يقول درويش كن نرجسيا واحمل وطنك أينما ذهبت إن لزم الأمر. كنت و لا زلت نرجسيا منذ بدء الحياة. شعوري تجاه الوطن مثل شعوري تجاه أمي يأتي طبيعيا كما الحياة، شلالا يمدني بالانتعاش، نشوه تدفعني إلى أن ألون كل شيء حولي و انعته وطنا، ولان القلب أصبح أوسع من أي لوحة يمكن أن أجدها في هذا العالم، حملت وطني وأمي وأهلي وكل ما أحب فيه أزورهم متى شئت و في كل حين.

 

س ما هي ملامح إحساس احتضنت ذاكرته الجريحة وطننا متألّما؟

ج ملامح أم فقدت وليدها، وملامح شجره فقدت عقلها لان البيت الذي كان يجاورها هدم أو اختفى.

 

س كم من ذكرى ستختلّ بها أنفاسنا وكم من خيبة أمل سنستفيق عليها؟

ج وهل بقى من خيبات أمل بعد؟ ربما الذكريات الحزينة اقل وطئه الآن على قلوبنا مما نراه من خيبات أمل توافقنا الآن يوما بيوم.

 

س يعني أنك لا تناصرين الكاتب الفرنسي "الكسندر دوما الأب" عندما قال "كل الحكمة الإنسانية ملخّصة في كلمتين: الانتظار والأمل"؟

ج لا أحب الانتظار ولكني أعيش بالأمل.

 

س يقول الفيلسوف الاسكتلندي "ديفيد هيوم" " الميل إلى الأمل والسعادة ثروة حقيقية أما الميل إلى الخوف والأسى ففقر حقيقي"، تقول الفنانة التشكيلية "منال ديب" "أسماؤنا مبللة تنتظر النور المدفون في الأرض ليرتفع ويجففها"، هل قولها يوافق الأمل أم الخوف عند "هيوم"؟

ج أنا ممن يعشقون الأشجار وأرى في لحائها حين يتقدم بها العمر وجوه مسنين و خاصة النساء، مع كل الألم التي تحمله هذه الوجوه نجد الأمل يأتي من الجذور، من الأصل، من الأرض، ذاك النور الذي سيجفف أسماءنا و يبعث فينا الحياة من جديد.

 

س ولكن الأشجار تُسقط أوراقها، أفلا تعتبين عليها؟

ج تسقط أوراقها لتذوب في الأرض، تمتصها الجذور لتبعث من جديد.

س فهل نفهم من رأيك هذا أنك تنسجمين مع الفيلسوف والشاعر الأمريكي "رالف امرسون" عندما قال "كل عذب فيه مرارة و كل شرّ فيه خير"؟

ج كل عذب فيه مرارة، فما كان العذب عذبا إلا بوجود المرارة بداية، و لا كمال مطلق في هذه الحياة، وعلى سبيل تجربتي الشخصية في الغربة والعيش بعيدا عن الوطن، نعم حققت نجاحات و إنجازات ربما كان من الصعب تحقيقها داخل الوطن. أما مع موضوع الشر فيه خير، هنا يعتمد على نوع الشر المقصود، فان عدت إلى مثالي الشخصي و قلت انه كان من الشر أن اترك وطني ولكن الغربة في النهاية جلبت لي النجاح و التفوق، هذا ما اسميه خيرا في شر.

س هل من هذا المنطلق ندرك أنك تجادلين الكاتب الفرنسي "جورج ديهاميل" في رأيه القائل "احذر النجاح، فكل نجاح باب مغلق، وكل نجاح أمل يكبل، و كل نجاح مستقبل يقبر"؟

ج يعتمد على مفهوم النجاح هنا، هل هناك حدود متعارف عليها للنجاح؟ و هل هناك وصفه سحريه لصعود سلمه، بالنسبة لي أن أجد نفسي تذوب ما بين لون وطيف في رسمة هو نجاح روحي، يأتي مع الإلهام كما الخشوع، و كل حالة أعيشها بالمثل هو في منظوري نجاح، نجاح لحظي يذهب بذهاب الحالة، ولكنه يثري الحياة ويجعلها أجمل، أما من حيث المتلقي لإعمالي أن يشعر بهذه الحالة التي وصفتها أمام أعمالي فذاك نجاح أخر يختلف باختلاف الشخص وخلفيته وخبرته في الحياة. هل هناك نجاح مطلق لنقف عنده ونقول ها نحن وصلنا، بالتأكيد لا، النجاح هو امتداد لسعه الفهم وتذوق الحياة وليس باب مغلق أو مستقبل يقبر.

س أي طريق تفضّله الفنانة التشكيلية "منال ديب"، أن تترك بصمتها في مسار الفشل بأن توجّهه نحو مسلك النجاح أم أن تختار مباشرة السير في مسرب الفوز دون أن تترك لها أثر و دونما أي شعور ببلوغها الغاية؟

ج سأعتنق الفشل، وأوجهه حيث شئت، في عادة ولا ادري إن كانت هي صفة في اغلب الفنانين وهي أنني مهما أنجزت ومهما حققت يصعب على نفسي أن تراه، أقلل من شأنه في اغلب الحالات والمبتغى والأعظم في نظري لا وجود له بعد، والغاية شيء لا أستطيع تحديدها، روحي هي من توجهني وكما أسلفت في السؤال السابق لروحي حالات أعيشها للخشوع والإلهام وحين تنتهي أعود مرغمة لواقع أعده فاشل إلى حين حالة تعبد أخرى.

س يعني أن المخترع الأمريكي "توماس ألفا إديسون" أجاد النطق وبلغ الحق عندما قال "لن أقول أني فشلت ألف مرة ولكني اكتشفت أن هناك ألف طريقة تؤدي للفشل"؟

ج الرحلة في سبيل الوصول إلى الهدف تكون مليئة بالمفاجئات والمغامرات التي تثري الحياة وبغض النظر إذا وصلنا أم لم نصل إلى الهدف المنشود، فان الرحلة بحد ذاتها حالة خاصة و عميقة، ليس ثمة طريق للعمق، العمق مجرد حالة روحانية ربانية تحررت مؤقتاً من سلاسل النفس والفكر البشري، ليس ثمة طريق للعمق، العمق حالة انجذاب مؤقت.

س "منال ديب"، وجه المرأة والروحانيات، على غرار هذه اللوحة:

لماذا وإلى أين؟

ج هنا حروفاً من الخط العربي، وألواناً عديدة تركتها متناثرة بحرية على سطوح اللوحة، مع إصراري على تكرار وجهي أو وجه امرأة أخرى لكي ابرهن على تفاعلي الشخصي مع تلك الحروف التي تشكل لوحاتي من جهة، ومن جهة أخرى أضعها بشكل مجسّم تحت اللوحة لتجسّد الارتباط الفعال و الحيوي بقوة أو قدرة أو إحساس بالذات العميقة مع الوجود. أكون مع نفسي أنا دائمة السؤال: من أنا؟ لماذا أنا هنا؟ من أنتِ؟ لماذا قيِّض لنا أن نلتقي في هذه الحياة، في هذا الزمان العصيب القاسي؟ لكنْ الجميل بعينه، ما نحن؟ ما كل شيء؟ لماذا تجري هذه العبارات بين قلوبنا و أذهاننا؟

بالروحانية يسود صمتٌ وإدراك كاملين، في هذا الصمت وهذا الإدراك يكمن كنز اكتشاف الذات الذي لا ينضب، وهذا ليس مثالاً يُطلَب بل هو البهاء الخفي المبطون في قلوبنا وهو من كلٍّ منا كيانُه الحق وذاتُه الأعمق، وبالتنقيب في الباطن لبلوغ نواة كياننا هذه نبسط يدنا نحو الآخر في الآن نفسه – إذ إن بساطة هذه النواة محبتها، ضحكتها، سلامها، وفرحها، هي أصل الوجود نفسه الذي يوحدِّنا جميعًا. اكتشاف الذات من خلال لوحاتي ومزج الخط العربي (أحيانا كلمات من القرآن) لتوضيح فعل الروحانيات في قلبي وروحي.

س هل هنالك مصالحة سرمدية بين الإنسانة "منال ديب" والفنانة التشكيلية "منال ديب"؟

ج ازدواج به من المصالحة ما يحفّز على اختراع شخوص داخل الشخوص ذاتها، أجسدها لحظة انصهاري باللون لتعطيني اللوحة صورة من روحي لامرأة ما عرفتها من قبل و لكنها تعجبني بسرمديتها، بقوتها و قوة انبعاثها في الخيال، منال الإنسانة هي في اغلب حالاتها مترددة ومضطربة ولكن الفنانة فيها فهي طائر لا يستهويه إلا السماء.

س كيف تراوح الفنانة التشكيلية "منال ديب" بين فكر الفن و الحياة؟

ج الفن هو مرآة الحياة، و به تحيى ثقافات الشعوب، الفن هو انعكاس لما يجري في العالم لذا أنا ارسم ما بداخلي في مواجهه الواقع، لا ارسمه واقعيا وإنما ارسم ما تجده نفسي ملجأ من الخوف أو الضياع، حين ارسم أجدني في بحر من الكلمات أو ربما على الأصح حروفا عربية تصرخ بوجه الرائي، من جمالها تصفعه لتقول له إن العربية و المرأه العربية بالذات قوية، جميلة ومتحضرة، ومع ذالك تواجه الموت في بلادها بإصرار على الحياة.

س هل نفهم من خلال رأيك هذا أنك تتقاربين أو تتباعدين مع معتقد الفنان التشكيلي الاسباني "بابلو بيكاسو" عندما قال " نعرف جميعا أن الفن ليس الحقيقة، إنه كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة"؟

ج الفن يمكن أن يكون الحقيقة في أحيان و أحيان أخرى فهو كذب، هذا كله يعتمد على المتلقي، بالنسبة لي كمخترع للحقيقة أم الكذبة كله يعتمد عما يدور في مخيلتي، أعيش على حقيقة أن كل ما لا نستطيع تحقيقه في واقع الحياة يمكننا إيجاده في الفن كأن نجعل الجبال تلتقي على صفحه بيضاء أو أن نطير لنعانق سماء القدس في اندماج الألوان، حيناً أؤيد مقولة "بيكاسو" هنا يأن الفن ليس حقيقة ونعم هو كذبة، ولكن لا ادري إن كانت أصح قول انه كذبة تجعلنا أقوى على عيش الحقيقة. رحلة نعيشها بدهشتها و مرارتها،و في فيلم ‘لغز بيكاسو’ يقول: أنا لا ابحث، بل أجد، ويقصد به بيكاسو أن رسمه للخطوط مثلا بمثابة إبداع يؤدي إلى إبداع، ليس كسبب يؤدي إلى نتيجة، بل كحياة تؤدي إلى حياة أخرى. رحلة الفن معي ومع كلماتي المتداخلة بالصور أعطتني القدرة على اكتشاف داخلي و خارجي لمكنونات النفس.

س مستكينة بين ضلوع الخط، أُسقى من انسيابه و أُعطّر بصيحاته، فتنفجر حناجره في داخلي، راوية دهشة ذاكرتي، محلّقة بي بين الجسد والروح، فأتوسّد الصمت المذبوح، لتحكيني الكلمات المرسومة و النقاط الصارخات، وتسألني الأنفاس المكتومة بأي حق تعبث بنا الحياة و تنثرنا رمادا و شتات؟

ج هو حوار أبدي بيني و بين لوحاتي، تشاركني همومي و تخفف من لوعتي، تحكيني الكلمات المرسومة لتذكرني بوجه أمي و رائحة الأرض بعد المطر، كلمات تنسج أشجارا كنت العب فيها، و عصافير تغرد حى على السعادة. ربما في بداية غربتي عن وطني كنت أتساءل بأي حق تعبث بنا الحياة و تنثرنا رمادا وشتات، و لكن الآن و بعد الظلم الذي أراه يعم البلاد ألوذ بوطن داخل نفسي، أهدهده و يهدهدني، إلى حين.

س بين نقطة الانطلاق و محطة الوصول، أين نجد فلسطين و واشنطن عبر مسيرة الفنانة التشكيلية "منال ديب"؟

ج فلسطين هي الروح، هي البذرة التي نمت بها الأيام و الآلام، هي عين قلبي التي استلذ بها الجمال في كل شيء حولي، وبها أيضا أموت وابحث عن نفسي، من هناك بدأ الحب واليه ينتهي، ذاك الحب الذي لا ينضب ولا يمل من الجريان من هناك إلى هنا يجري في باطن الأرض ويتشعب ليصلني هنا مع الأزهار على الأشجار ومع الطيور ومع الأسفار، من هناك الروح و من هنا الخطوط و الألوان، ارسم روحي علها تتحول إلى طير يعود.

س عندما يكون الطريق متعرّج و الأقدام تهذي و الفكر يعرج، عندما تصبح حناجرنا صمّاء و أصواتنا بلا أنفاس، عندما يختنق توازننا، هل الخطوط و الألوان في هذه اللحظات لها مسلك تعبر من خلاله لتمدّ يدا خضراء تبتسم؟

ج صديقتي هي الألوان في السكون، هي من تنقذني من نفسي حين أضيع، هي من يجيب على الغموض حين تظلم الدروب، بها أصرخ و بها يعلو الصوت في الصمت، بكل الألوان تحاور الزمان و تشهد الوقت على حرية وطن و شعب لن يموت.

س كيف تعكس الفنانة التشكيلية "منال ديب" استطعام الحرية عبر إحساس الفلسطينية "منال ديب"؟

ج الحرية هي أن أحب روحي، روحي التي نمت في خيوط قبة ذهبية تصرخ الله اكبر، الله اكبر فوق كيد المعتد، كنت وأنا في المدرسة ويكون ذاك يوم نعلن فيه مظاهره احتجاج، نبدأ بالهتاف من ملعب المدرسة ثم نخرج إلى الشوارع،، ثم تأتي الدوريات الإسرائيلية،  نرمي الحجارة عليهم وعلى سياراتهم، يقفون، ينزلون، نهرب و يلاحقوننا، اذكر وأرجلي تسابق الريح كي أفلت من قبضه جندي، ذاك الإحساس هو الحرية بعينها، الحرية بان تصرخ بوجه عدو ظالم، ذكريات... لا اعرف إن هي الحرية لبست ثوب إخفاء الآن اختلط فيه الفرق بين الحر و المر.

س تسأل الشاعرة و الأديبة اللبنانية "مي زيادة" "لماذا قدّر على بني الإنسان أن يكونوا دون النبات حرية؟" فلماذا يا منال لماذا؟

ج لأننا لو أننا نعيش مثل النبات لكان لنا الثبات في دنيا، النبات لا الشكوى و لا الضغينة، و ينمو الورق الصغير الجميل على جذع شجرة كبيرة بكل سرور، و في دنيا الطبيعة لا وجود للغرور و لا يسدد مأجور السهام إلى أحد، جمال لا ينتهي، أرض و نبات، لا يرحل النبات عن الأرض و تلك هي الحرية المطلقة.

س و لكن يقول الفيلسوف الفرنسي "غاستون باشلار" " الحياة و ربما الحقيقة إجمالا هما اقتحام تدريجي للحرية" أفلا تسانديه في هذا الرأي؟

ج و ما هي الحقيقة؟ هل هي الحياة؟ أم أنها بعضا من اخيله، ماذا كنا؟ و كيف أصبحنا؟ و إلى أين نحن ذاهبون، اعرف حقيقة واحدة أن في سريره كل امرأة تقبع امرأة مقدسة ذات قدرة كامنة هائلة على أهبة الظهور، امرأة تعرف كيف تغوص في أعماق كيانها، و تزيل كل ما يعرقل التعبير الكامل عن ذاتها، امرأة ذات جوهر حقيقي بقدرة كامنة خالصة تتدفق بغزارة و إبداع كالنهر الفياض.

س فأين نجد الفنانة التشكيلية "منال ديب" بين المرأة المقدّسة، إثبات الذات و الإبداع؟

ج أمي و فلسطين والرسم كل منهم يصب في الآخر، المرأة المقدسة في أصلها أمي بحضورها وحكمتها وروحها ومحبتها لأسرتها فهي من تستحضر القدسي في حياتها بالمحبة والطهارة والوعي، فقد تعلمت من أمي وضوح الرؤية والقصد وصفاء الذهن، تعلمت منها حب الوطن والتضحية في سبيله كانت تقول لي دائماً حب الوطن من حب الله، علمتني كيف افهم نفسي والكون فنمى إحساس الطيبة في نفسي وبهويتي وأصبحت اسمع ذاك الهمس الباطني الذي يدعو إلى المحبة، أتى الإبداع تبعا لروحي التي كانت مستعدة فرحا وإلهاما عميق، بالرسم صرت استشعر روحي ذات نور ابيض خالص حيث لا أخطاء ولا شكوك.

س كم من طريق تضعه أمامنا ألوان الفنانة التشكيلية "منال ديب" كي نصل عبرها لدواخل الإنسانة "منال ديب"؟

ج الحب هو الطريق، أن نؤمن بالمحبة أكثر بكثير من إيماننا بضعفنا، ذهنا و قلبا نقيا مخلصا.

س يقول الشاعر الغواتيمالي "أمبرتو آكابال" " الأيامُ كلُّها نكاد لا نشعرُ بها لكنْ ثمة أيامٌ تأتي و لا تُنسى هذه، نسمع خطاها قادمةً مع أنفاس الريح"، لكن عندما تتحول أنفاس الريح إلى رحيل يرمي إلى زعزعة صلابتنا، هل للمحبة أن تصمد آنذاك و تحمي شعورنا؟

ج المحبه الخالصة لله لا تتزعزع، و الله لا يخذل نفسا و قلبا نقيا مخلصا. قالت الأم تيريزا: أرى الله في كل إنسان، حين أغسل جراح المجذوم، اشعر أني اعتني بالرب نفسه، أليست هذه خبرة جميلة؟ هب لله نفسك كلها و لسوف يستعملك لإنجاز أمور عظيمه شريطة أن تؤمن بمحبته أكثر بكثير من إيمانك بضعفك.

س نادتني، وقالت لقد أتيتُ من أعماق عُطّرت بالمنال، أرض الطيبين، فإن كنت في اشتياق فأنا أحمل لك الحنين، أو لست أنت تونس لبنان وأختك العراق فلسطين، فابسطي يداك وأمسكي الآمال، فالغد فرج مبين، استيقظت وفي كفي هذه اللوحة:

فهل لك من تفسير لما تحمل من تبشير؟

ج هذه من أوائل اللوحات و أكبرها فقد أسميتها (الباب) لكبر حجمها، و لأنها مؤلفة من دفتين كالباب، و محتواها المثل الذي يقول ( من دق دق) و قد أعجبني تداخل الحروف هنا و كأنها في عناق أبدي، و حين العرض الأول لها سميتها ( الأرض الحبلى) للشعر الذي كان مرافقا للعرض. و لكن المعنى الأصلي الذي عنيته في من دق دق، أي أن من بدا الحرب و الظلم سيعود الزمان ليقتص منه، فما بين الحرف و الحرف عينا لشهيد، أو أم تصرخ من بين التراب، تلك هي هواجسي، تقول إن لا بد لشمس الحق بان تقضي على عتمة الظلم و لا بد لهذه الأرض أن تلد الحياة من جديد.

س تقول الأديبة الفلسطينية "عفاف خلف" " لن تمروا، جسدي سياج البيت، جداره العالي صلاتي، و يداي فنارتان تحتضن البلاد"، فمن نحن بالنسبة للبلاد؟

ج و قالت أيضا الصديقة الأديبة "عفاف خلف":

طعنة للشوق

لا تكفي

لا نزفها و تنزفني

قد كان/ ظل

لي فيها

أرضا و جنة

جنة و أجنة

و أحملها

بذور النور

في روحي

و أنتظر خصبها

-جبرا-

قد قال: الصديق

"الشعب عشب"

لا تكتهل به الطريق

و أنتظرها

على قارعة درب

يفضي إليها

أدل عليها كسائح

يشتري دمه

من سوق الغريب

يا بلدي

بلادنا هي بذور النور لأرواحنا نحملها في داخلنا أينما ذهبنا، و لكن كما قالت عفاف، نحن نبحث عن درب يفضي إلى البلاد في الوقت الحاضر، أين هي البلاد و أين من يحمي التراب.

شكرا لك الفنانة التشكيلية "منال ديب" على حسن تواصلك و زخرف مقاصدك و دمت نبضا محبا للوطن، فلن نيأس أبدا يا صديقتي، و على قول "إديسون" "دائما هنالك طريقة أفضل،" و كما أنشدت المطربة التونسية "سنية مبارك" " و بنور الأمل نعيش و يعيش الأمل فينا،" و الأهم من ذلك كله و أقوى هو وجود الله عزّ و جلّ، فكل شقاء يندثر و كل كبير مستصغر أمام ذكر الله أكبر.

شكرا لك آمنة، ممتع هذا البوح، ممتع لحد فتح معه أبواب قلبي، دخلت به إلى أماكن لم أكن أعهدها في ثنايا روحي. سعدت بكل هذا الزخم من تبادل اللذيذ من المعرفة و المفاهيم، روح تحاور روح و تخرج عن المعتاد و المألوف حتى على الجمال انطلاقا من مقولة "كانط" الشهيرة: ‘الخير من أجل الخير، و الحب من أجل الحب، و الصداقة من أجل الصداقة، الفلسفة الأخلاقية أو فلسفة التعالي عن المنفعة. وربطا بموضوع الجمال، فإن "كانط" يرفض فكرة اقتران الجمال بالمنفعة أو تحقيق اللذة الحسية، ليتم الحكم على الشيء حكما معرفيا أو ذوقيا.