اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حرية السوق والأصولية- شراكة الاضداد في حصار الإنسان// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

حرية السوق والأصولية- شراكة الاضداد في حصار الإنسان

صائب خليل

6 ت1 2017

 

ينبه الكاتب مصطفى حجازي في كتابه القيم "حصار الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوات الأصولية" إلى شدة التشابه الخفي بين اقتصاد السوق وثقافته والدعوات الأصولية وثقافتها. والكتاب عبارة عن مقارنة ذكية ومضيئة بين صفات تلك الثقافتين، نختصر هنا بعض اهم ما جاء فيها.

يقول مصطفى حجازي إن كلا من ثقافة الصورة التي تشكل أداة اقتصاد السوق، وثقافة الأصولية المضادة لها، والتي تغذي مشهد الصراعات العنيفة، تشتركان في حصار الإنسان ومصيره. وانهما، رغم تناقضهما الأساسي، تتلاقيان في العديد من التوجهات والممارسات، بشكل يهدد التوازن الوجودي بين مختلف ابعاد الكيان الإنساني. وهو ما يؤدي إلى استلاب الانسان وحرمانه فرص إغناء حياته من خلال تنوع الرؤى وتفاعلها.

ويبين الكاتب أن الثقافتان تلتقيان في الخطوط العريضة لهما في:

1- ادعاء سلطة امتلاك الحل الوحيد للخلاص. فالدعوات الأصولية (التي تتهم بالظلامية)، تضع امام الفرد خياراً وحيداً: الإيمان مع الهداية، أو الشك مع الضلال. أما ثقافة الصورة والتي أطلق عليها اسم "الظلامية الجديدة" فتحاول أيضا فرض حقائق ومسلمات من خلال آليات الومضة والإثارة والإبهار التقني، لتبشر بالجنة الموعودة لاقتصاد السوق، وتقدم اتباع ملة اقتصاد السوق على انها روح العصر والمدخل المضمون للمستقبل.

فالقنوات التلفزيونية الممثلة لثقافة الومضة والصورة، أداة أصولية السوق، تتشابه في برامجها من حيث البنية والمحتوى: أخبار احداث العنف، الإثارة والتسلية، نجومية الرياضة، اخبار البورصة، وكلها بشكل رسائل سريعة مكثفة ومجتزأة لا تترك للمشاهد فرصة الاستيعاب والتحليل والنقد، وغايتها: النفاذ الى لاوعي المشاهد، والإحاطة به بحيث لا يبقى لديه حيزا شخصيا نقدياً، تماما كما يحيط الإيمان الأصولي بأتباعه.

وكما ان العقيدة الأصولية تتمثل في نظام من المعتقدات والتعليمات المبسطة والمتماسكة، يروج اقتصاد السوق لمجموعة تعاليم مثل: الخصخصة والتكيف البنيوي (والذي ليس سوى تحويل الاقتصادات الوطنية إلى خدمة اقتصاد السوق) وإلغاء الخدمات العامة والتخصيصات الاجتماعية ودولة الحد الأدنى.

وبهذا نلاحظ اشتراك الثقافتين في السعي لتجريد الدولة الوطنية من مرجعيتها ومشروعيتها. فهي دولة الضلال التي تجب محاربتها من وجهة نظر الثقافة الأصولية، وهي الدولة التي لا لزوم لسلطتها ورقابتها من وجهة نظر اقتصاد السوق، الذي لا يجب ان يعيقه عائق. كلتا الثقافتين تحاولان استبدال الدولة في سلطتها كضابط وحكم ومسيّر، بسلطتها هي: الأصولية أو رأس المال. وفي الحالتين تفرض مكان سلطات التفويض الشعبي في الدولة الديمقراطية، سلطات فوقية غير قابلة للمساءلة. فالعقيدة الأصولية تتجاوز الناس وتعلو على مساءلتهم، وسلطة المال لا تخضع للتصويت، خصوصا بعد ان صارت "فوق وطنية"، وهي ليست رهنا بانتخابات أو تفويض، تحركها هيئات واشخاص غير مرئيين. وهكذا نرى أن كلتا الثقافتين تريدان انساناً كاملا في انقياده وتسليمه.

2- كلتا الثقافتين تختزلان الانسان وتسطحانه. فهو الانسان المذوب في الـ "نحن" في الدعوات الأصولية، وهو المستهلك في بعده الاستهلاكي في اقتصاد السوق: انت ما تستهلك! وتقوم ثقافة الصورة بتنميط الأجيال في اتجاه اللذة والمتعة. ويقوم الإعلان على بيع الأحلام ويعتمد نجاحه على قدرته على الالتفاف على العقل وتعطيل الحس النقدي.

3- تحمل كلتا الثقافتين مشروعا يمثل اعلان حرب على صناعة المستقبل. ففي حين تتقوقع ثقافة الدعوات الأصولية في الماضي الأسطوري، تركز ثقافة الصورة على لذة الحاضر بشكل تام، والعيش في الحلم الدائم، قاضيا على الماضي وقيمته التربوية والتعليمية وجاعلا المستقبل حاضراً، ناسفا في طريقه التاريخ والهوية الوطنية وكذلك الجغرافيا والانتماء، فتصبح الهوية الوطنية مسألة بائدة، ويفكك الارتباط بالالتزام بقضايا الوطن والمصير، وبالتالي المستقبل.

4- ومثلما تستغل الحركات الأصولية نشاط المرأة للدعوة اليها ثم الإساءة اليها واخضاعها لقوانينها الجائرة، فأن ثقافة الصورة (أداة اقتصاد السوق) تقوم بـ "تسليع" المرأة، أي جعلها سلعة للغواية والفتنة والإثارة وترويج المنتجات المختلفة في الإعلانات.

 

وفي ثقافة الصورة تشحن المادة المعروضة بالعنف بقصد الإثارة، فيقوم الصحفي باصطياد اخبار المجازر والاغتيالات والانفجارات، لتعرض مجردة من سياقها وتباع بأثمان عالية لقنوات البث التي تستفيد منها في الإعلانات. وفي الأصولية تستغل نزعة العنف لتوجه الى الخارج، فلا تستقيم عصبية بدون شحن عدواني. ويتم تخليص الاتباع من كل شعور بالإثم أو تأنيب الضمير لتصبح العدوانية متحررة من القيود الذاتية التي تفرض عليها عند الإنسان العادي. فكثافة الإثارة وتصعيد المشاعر تغتالان العقل. وفي الحالتين يستلب المرء في اصالته الذاتية.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.