كـتـاب ألموقع

نظرية “التنمية بفتح الأسواق”– هل تمنح عبد المهدي جائزة نوبل؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

نظرية “التنمية بفتح الأسواق”– هل تمنح عبد المهدي جائزة نوبل؟

صائب خليل

 

11 شباط 2019

في حديثه الأسبوعي الأخير مع الصحافة (انظر الفيديو (1))، أشار رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، الى اتفاقه لإلغاء الرسوم الجمركية مع الأردن، والذي أثار الاحتجاج الشديد في مختلف القطاعات في العراق. ومن كلمته نستنتج ان عبد المهدي ينوي "عمل ذلك مع بقية دول الجوار"، معتبرا أن "هذا طريق مهم لتوفير المزيد من فرص العمل، لتنشيط الاقتصاد الوطني لتنشيط الزراعة لتنشيط الصناعة...".

كيف يكون فتح الأسواق المحلية في بلد متخلف اقتصادياً مثل العراق، "طريق لتوفير فرص العمل"، دع عنك "تنشيط الاقتصاد الوطني والزراعة والصناعة"؟

 

لننظر الى الأمر ببساطة بمنطق الناس الاعتياديين، قبل ان ندخل في النظريات الاقتصادية التي تؤيد أو تخالف نظرية عبد المهدي.

 

لنفترض أن هناك شخصاً ينوي الاستثمار في الزراعة أو الصناعة. سواءاً كفلاح يزرع حقلا لنفسه، أو رجل اعمال يفكر بإنشاء منشأة زراعية أو صناعية. ولنقل انه يفكر في انشاء مزرعة للطماطة، وأن هذا الشخص هو أنت.

أول ما ستفكر به هو: هل سأستطيع بيع محصولي بربح؟

ستحسب كلفة الأرض والعمال والبذور والسماد والحراسة والنقل والمبيدات، إضافة إلى قلة الكفاءة التي تصاحب المشاريع الجديدة وانخفاض انتاجيتها إلخ، لتخرج بنتيجة ما: إذا استطعت ان ابيع الكيلو بكذا او أكثر، يكون المشروع رابحاً، وإلا فإني اغض النظر عن الموضوع.

 

والآن لنقارن بين الحالتين، فنذهب أولاً إلى سوق ما قبل نظرية عبد المهدي حيث الحماية الجمركية، فنجد سوقاً متعطشاً للطماطة، حيث لا تتوفر فيه إلا طماطة مستوردة ومجمركة، بأسعار مرتفعة نسبياً إضافة إلى زراعة محلية لم تسد حاجة السوق.

 

ثم أذهب الى سوق نظرية عبد المهدي، فأجد السوق مغرقاً بطماطة اردنية (مع اشاعات بأنها إسرائيلية) رخيصة، لأنها جاءت من مزارع ضخمة ذات خبرة طويلة وكفاءة في الإنتاج والتسويق والنقل والعرض والتغليف الخ. 

 

الآن، وفق نظرية عبد المهدي، يفترض ان الحالة الثانية هي التي تشجعني على البدء بمشروعي وليس الأولى!! المنطق يقول العكس. ففي حالة السوق المحمية تكون الفرصة كبيرة لي كصاحب المشروع أن أجد ان السوق تتحمل بضاعتي الجديدة رغم قلة كفاءتها، ويبقى لي ربح معقول واحتياطي من الخسارة التي قد تسببها الظروف غير المحسوبة. أما في حالة السوق الحرة، فالفشل محتم علي! إن كنت اريد الفلاحة بنفسي، فسأغض النظر عن ذلك وابحث لي عن وظيفة في الدولة، وإن كنت ثريا ابحث عن استثمار لأموالي، فسوف افكر بمكان آخر لها. وإن كانت نظرية عبد المهدي قد طبقت على كل المجالات فلا مفر لي من البحث عن بلد آخر لاستثمار أموالي.

 

إذن المنطق يقول أن فتح الحدود قاتل للمشاريع الجديدة. ربما يختلف الامر مع المشاريع الموجودة أصلا؟ لننظر:

 

لنقل انك صاحب مزرعة طماطة إذن، وتبيع محصولك بسعر جيد، وتفكر بتطوير مزرعتك ومضاعفة انتاجها والاستفادة من عاملين آخرين معك. وتشعر ان الأرباح تكفي للتفكير باستيراد بذور افضل وتجربتها وربما باستخدام كرتونات مطبوعة خاصة بك ليعرف الناس بضاعتك الجيدة. وقد تفكر بالمخاطرة بزراعة محصول آخر إضافي مادامت الطماطة قد تغطي خسائره في الفترة الأولى.

 

ثم جاء عبد المهدي بنظريته، وهبط سعر الكيلو إلى ثلثي سعره القديم بغزو من طماطة اجنبية من شركات كبيرة مستقرة وطويلة الخبرة ومدعومة من دولها. وفق نظرية عبد المهدي الجديدة، فأن هذا يفترض ان يشجعك على تنشيط زراعتك! أما انت فلا شك انك ستعتبر ان من يقول لك ذلك مجنون، وستذهب للتفكير ليس فقط بإلغاء مشاريعك التوسعية، بل ستفكر ببيع المزرعة، إن وجدت من يشتريها، والبحث عن عمل في مجال آخر.. إن بقي مجال داخل البلد!

 

إذن نظرية عبد المهدي تقتل المشاريع الموجودة أصلا أيضا، او على الأقل تحبط التفكير في توسيعها، إن لم يكن تصفيتها. ويؤكد المتحدثون عن اتحاد الصناعيين العراقيين أن ما سيدخل العراق من هذه الثغرة لن يكون الصناعة الأردنية فقط، بل ستدخل كل البضاعة الصينية بعد توضع عليها عبارات "صنع في الأردن"، وهنا يكمن مقتل الصناعة العراقية الحقيقي.

 

ماذا لو كنت صاحب مزرعة ضخمة جداً ومتطورة بحيث تنتج بكفاءة كبيرة قادرة على المنافسة مع الشركات الدولية، وقادرة على منافسة البضاعة الإسرائيلية والصينية التي تطمغ كصناعة في الأردن؟ عندها فقط ستكون سعيداً بنظرية عبد المهدي لأنها ستفتح لك أسواق الأردن لبيع بضاعتك!

 

ما هو عدد الشركات العراقية الدولية الحجم والكفاءة في العراق؟ صفر!

إذن، المنطق يقول أن نظرية عبد المهدي تبدو وكأنها صممت للقضاء على الزراعة والصناعة في العراق، سواء منها المستقبلية أو الحالية! لكن ربما يكون الخطأ منا نحن وإننا لا نستطيع بمنطقنا البسيط ان ندرك "خفايا" ما تفكر به تلك "العقلية الاقتصادية". دعونا نسمع المزيد منه:

 

"الزراعة والصناعة لا تنشط فقط بالحماية. الحماية يجب ان تأتي في النهاية."

 

لنلاحظ ان هذه الجملة تعترف ضمنا أن "الحماية تنشط الزراعة والصناعة"، لكنها ليست الوحيدة! أما الجملة الثانية فهي من غرائب الاقتصاد كما سنرى. فجميع البلدان المتطورة ابتدأت بحماية صناعتها الوليدة، فهي التي تحتاج إلى الولادة كما الطفل الوليد، كما ورد في منشور مؤيد لما نذهب اليه. فهل يتم حماية الإنسان في البداية عندما يكون وليداً ام فيما بعد؟ الصناعة والزراعة هي الأخرى تولد ضعيفة بحاجة الى الحماية تماما كالطفل الوليد. وليس المنطق فقط هو من يقول ذلك بل كل تاريخ الثورة الصناعية والزراعية للعالم، كما سنرى في القسم الثاني من المقالة. لنكمل نظرية عبد المهدي:

 

"الزراعة والصناعة تنشط بتوفير وسائل الدعم المهمة، ابتداءا من كل ما يتطلبه هذه القطاعات من شروط للنجاح ومن توفير سوق محلية ودولية حينذاك ممكن للحماية ان تأخذ مجراها."

 

إذن "السوق المحلية" هي اول الشروط للنجاح، (ومن غير المعقول الحديث عن "سوق دولية" لبضاعة وليدة ضعيفة) لكن كيف توفر السوق المحلية بدون الحماية؟ كيف توفر السوق المحلية وانت تغرقها بالمنتج الأقوى الأجنبي؟ وهل من هدف للحماية سوى توفير السوق للمنتجات الوطنية؟ أن توفر سوقا محلية ودولية ثم أن تأخذ الحماية مجراها؟ ما الداعي للحماية إن كانت البضاعة قد حصلت على سوقها المحلية والدولية؟

 

خطاب عبد المهدي، لا يوضح شيئا عن نظريته الغريبة، بل تزداد الأسئلة مع كل جملة. وبعد ان يلمح إلى تجربة البعث بالحماية (متبعاً الأسلوب المعروف لتشويه اية فكرة بلصقها بالبعث، رغم ان عبد المهدي كان جزءاً من مجرميه وفي أسوأ أيامه)، يقول :

 

"الحماية ضرورية لكن بتوفير شروط. كيف ندعم الزراعة ابتداءاً من الملكية من الحيازة إلى الإرشاد الزراعي إلى توفير الآلات والمعدات والوقود الى توفير البذور والمكافحة الى توفير الأسمدة إلى ضمان شراء الحاصلات بأسعار محددة توفرها الدولة الى التسهيلات المصرفية عندما ننجز مثل هذه الاعمال ممكن حينذاك ان نوفر سياسة ناجحة للحماية وهذا ما تقوم به الدول."

 

رأينا قبل قليل، ان "السوق" هو الشرط الأول لوجود منتج أصلاً، ولذلك يلجأ الناس الى الحماية.. حماية السوق من اغراقه بالبضاعة الأجنبية، لتوفيره للبضاعة المحلية لكي تخلق اصلاً. عبد المهدي يعترف بذلك بنفسه، لكنه لا يريد الحماية ولا يجد مشكلة في إغراق السوق المحلية قبل ولادة البضاعة الوطنية، بل يرى أن هذا في صالح الصناعة الوطنية! نظرية عبد المهدي ان الحماية "يجب أن تأتي في النهاية"، لكن السؤال كيف ستأتي البداية؟ على البداية ان تنتظر لحين اكمال "الإرشاد الزراعي وتوفير الآلات والمعدات والوقود والبذور والمكافحة والأسمدة ..." يعني، خاصة في بلد مثل العراق .. إلى الأبد!

 

ثم كيف توفر الآلات والمعدات والوقود و... والزراعة لم تبدأ بعد؟ ما هو الإرشاد الزراعي حين لا تكون لدينا زراعة؟ كيف تدعم الحكومة الفلاح بمساعدته على حل مشاكله، وتلك المشاكل لم تخلق بعد لنعرفها وندرسها؟

 

يكمل عبد المهدي: "اما الدول التي تريد فعلا فقط بغلق أبوابها وتعتقد ان وصناعتها زراعتها ستتطور لن تتطور وهذه تجارب العالم كله"..

 

"تجارب العالم كله" تقول ان الدول التي تغلق أبوابها بالحماية لا تتطور؟

 

سنتوقف عند هذه الجملة لنعود لها لاحقاً. فما نعرفه الآن هو انها ليست ضد المنطق، وإنما يقف ضدها كل اتحاد الصناعيين العراقيين والموانئ العراقية ولا يرونها في صالح العراق بل مدمرة لصناعته وزراعته، وأنها لن تخلق فرص عمل كما يقول عبد المهدي، بل ستفقده الكثير من فرص العمل، وهم يتهمون عبد المهدي بتوقيع الاتفاقية تحت ضغط جهات خارجية. فهل ان عبد المهدي يفهم ما لا نفهمه ولا يفهمه الصناعيون والزراعيون والمشتغلون بالموانئ، وأن فتح الأسواق لا يقتل الصناعة الوليدة بل يطورها ويزيد فرص العمل؟ هل صحيح ان تجارب العالم تقول ذلك؟

 

في الحلقة الثانية سنبحث ذلك. سنراجع تاريخ تطور الدول الصناعية المتقدمة، وننظر إن كانت "تجارب العالم كله" تؤيد نظرية عادل عبد المهدي، بالتنمية عن طريق "فتح الأسواق". فإن كان الأمر صحيحاً، فيبدو ان لدينا "عقلية اقتصادية" كما يقولون، وأنه يستحق على نظريته هذه، أن نرشحه لجائزة نوبل للاقتصاد.

 

وإن لم يكن الأمر كذلك؟ .. عندها يكون لكل حادث حديث!

 

(1)  https://www.facebook.com/saiebkhalil/videos/570947953371820/