كـتـاب ألموقع

كيف تنتصر إيران في معركتها؟- خوف الأقوى من الجرح// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

كيف تنتصر إيران في معركتها؟- خوف الأقوى من الجرح

صائب خليل

14 مايس 2019

 

يترقب العالم بدء المعركة بين أميركا وإيران، أو بالأحرى ينتظر "المرحلة العسكرية" من المعركة، لان المعركة بمعناها الشامل قد بدأت بالفعل، ان لم نقل انها بدأت منذ الثورة الإيرانية واستمرت حتى الآن. فما هو طريق ايران للانتصار في هذه المعركة غير المتوازنة على الإطلاق؟ هل هناك أمل لإيران؟ الا تستطيع اميركا ان تمحو إيران من الخارطة ببضعة قنابل ذرية؟ هل يمكن الحديث عن "الانتصار" على دولة تمتلك نصف القوة العسكرية في العالم، وتتحالف مع بعض أكبر الدول المالكة لمعظم النصف الآخر من تلك القوة، أم انها مجرد امنيات ومكابرة وشعارات؟

 

هذه التساؤلات تعود بنا الى السؤال العام: "كيف تقف بوجه قوة أكبر منك؟"، والذي هو عنوان مقالة سابقة لي(1)،  طرحت فيها هذه النقاط، واقترح قراءتها قبل الاستمرار لكني سألخص ما جاء فيها على كل حال.

 

تبدأ المقالة بالقصة التالية التي تشرح المبدأ:

يوما سألت أبي: بابا هل الكلب اقوى من الذئب؟

لا بابا.. الذئب اقوى بكثير.

إذن كيف يحمي كلب واحد قطيعا من الخراف من الذئب؟

الذئب يستطيع ان يقتل الكلب بسهولة، لكنه يخشى ان يعضه الكلب ويجرحه قبل ان يستطيع قتله. فالذئب يعلم ان جماعته سيقتلونه ويأكلونه إن رأوه مجروحا، او أن يصاب بعرج من جراء المعركة، ولا يستطيع الصيد بعدها.

 

ما هي "الاستراتيجية" التي يتبعها هذا الكلب الوفي، في موقفه الشجاع والمحسوب في نفس الوقت؟ وكيف يستخدم الطرف الأضعف تلك الاستراتيجية للانتصار على الأقوى؟

 

الجواب يعتمد على تعريفنا لـ "الانتصار"! وهذا ليس مجرد قضية لفظية. فـ "الانتصار" في أية معركة هو ان تحقق فيها اهدافك التي تطمح اليها، وهذا ينطبق على طرفي “الصراع”.

 

فالتصور الأولي البسيط للأهداف: الكلب يريد قتل الذئب والذئب يريد قتل الكلب، ليس صحيحاً، وهو ناتج عن نظرة خارجية ساذجة يعرف كل من الكلب والذئب انها خطأ كبير. فقتل الذئب ليس هدفا واقعيا لكلب مفرد. كما ان قتل الكلب بحد ذاته ليس الهدف الذي جاء الذئب من اجله. فما هي أهداف كلب الحراسة وما هي أهداف الذئب في الحقيقة؟

 

هدف الكلب هو: "منع الذئب من أكل أي خروف"، وهدف الذئب هو: الحصول على خروف - ودون ان يجرح! على أساس تحقيق هذه الأهداف يتحدد تعريف الانتصار لكل منهما. فأي انتصار هذا الذي يحققه الذئب، إن حصل على خروف، وقتل كلباً، ثم بقي يعرج بقية حياته؟

 

خوف الأقوى من "الجرح" هو السر الكبير الذي يتيح للأضعف الدفاع عن مصالحه بوجه عدوان القوي، بأن يضع اهدافاً ممكنة، ويسعى لتحقيق "انتصار" بالوصول اليها، وهو ما يجعله، إن أدرك هذه الحقيقة، اكثر جرأة وتحدياً.

 

مثال آخر للتوضيح من مقالتي السابقة، هو "الشطرنج الثلاثي". إنه يختلف عن الشطرنج الاعتيادي (الثنائي) بمبدأ مهم جداً. ففي الشطرنج الاعتيادي تكون سعيداً ان اخذت رخ الرسيل الذي يعادل 5 نقاط حتى ان خسرت فيلا (يعادل 3 نقاط)، لأنك تخرج من المناورة وقد تفوقت على خصمك بنقطتين. أما إن حدث هذا في الشطرنج الثلاثي فسيكون لدينا لاعب خسر خمسة نقاط وآخر ثلاثة نقاط وهناك ثالث لم يخسر شيء! الثالث هو الرابح هنا وليس الذي قتل رخ الخصم بتضحيته بفيله! لذلك فأن كل لاعبين يشتبكان في الشطرنج الثلاثي يبقيان عينيهما على اللاعب الثالث!

 

فإذا قارنا اللعبة مع مثال كلب الراعي والذئب، فأن "اللاعب الثالث" بالنسبة للذئب، هو بقية الذئاب والطرائد الأخرى المستقبلية التي ستتفوق عليه. إنه لا يريد ان يكسب هنا ثم يكون اقل قوة هناك. ومن الناحية الأخرى فأن خسارة الرخ هي بمثابة موت الكلب، لكن خسارة الفيل هو "جرح" الذئب. لذلك فمن المنطقي أن تنتهي مثل هذه المواجهة بأن يدير الذئب وجهه ويهرب، ولا يحاول الكلب اللحاق به وقتله، فقد حقق "انتصاره" بتحقيق اهدافه.

 

التاريخ يحتوي دروساً قاسية لمن ينسى مبدأ الجرح. فبعد حربين أوروبيتين (عالميتين) خسرت كل الأطراف الأساسية (الأوروبية) صدارتها للعالم، بغض النظر عن ربحها أو خسارتها للمعارك، وتركت الانتصار لـ "اللاعب الثالث" – اميركا، التي لم تدخل الحربين إلا في وقت متأخر لجمع المكاسب.

 

يمكننا ان نفهم بقية التحديات في العالم على ضوء هذا الشرح، مثل التحديات بين روسيا وأميركا أو كوريا الشمالية وأميركا، وحتى كوبا وأميركا وفنزويلا وأميركا الخ. اميركا اقوى من كل هؤلاء مجتمعين، ولو كانت القضية قضية حياة أو موت بالنسبة لأطراف هذه التحديات، لما كان هناك شك ان اميركا ستكون المنتصر. لكنها ليست معركة حياة أو موت، بل معارك "مصالح محسوبة"، ولا تريد أميركا ان تدخل معركة تخرج منها أضعف مما كانت قبلها، في مواجهة بقية التحديات. هذا ما يعلمه الكوبيون والفنزويليون والروس جيداً، وهو ما يتيح لهم التحدي والثبات.

 

بنفس هذه الطريقة تحسب الولايات المتحدة أو إسرائيل، أنها ان دخلت في مواجهة مع ايران، فعليها ليس فقط ان تنتصر، وانما أيضا ان تنتصر بدون "جرح"، بدون خسائر تجعلها اضعف بعد المعركة مما كانت قبلها، وإلا يكون دخول المعركة حماقة.

 

إيران تدرك ذلك طبعا، وهي بتهديداتها، لا تحاول حقاً بان تفهم اميركا وإسرائيل انهما ستهزمان بالمعنى العسكري وحساب الخسائر المباشرة، حتى لو بدا الخطاب كذلك، لكنها تسعى من خلال تهديداتها، أن تفهم أمريكا وإسرائيل أن تلك المعركة “ستكلفهما اكثر مما تنفعهما”.  وهي تعلم أنهما يفهمان الأمر وأن ذلك سيكفي لردعهما عن المعركة. وعلى قدر ثقة إيران بأن لديها ما يكفي من القوة لإصابة القوة المهاجمة بـ "جرح"، تكون ثقتها بأن أميركا وإسرائيل لن تهاجما، مهما كان تفوقهما في القوة. ويمكننا ان نرد تأكيدات السيد الخامنئي واطراف أخرى في إيران، وكذلك السيد نصر الله، بأنه لن تكون هناك معركة، إلى تقديرهم بأن لدى جبهة المقاومة ما يكفي من القوة لإصابة إسرائيل وأميركا بـ "جرح" وان تلك الدولتان تعلمان ذلك!

 

هناك ملاحظة إضافية مهمة في حالة معركة أميركا وإيران، وهي ان مركز القرار الحقيقي بشأن المعركة من الجانب الأمريكي ليس في واشنطن بل هو بشكل اكبر في تل ابيب. نعم، اميركا ليست دولة مستقلة الإرادة عن القرار الإسرائيلي، وبذلك يشملها تحليل الدول التابعة بدرجة ما.

 

الاختلاف الأساسي الذي يجب التعامل معه بالنسبة للدول التابعة، هو ان ميزان الخسارة والربح فيها يختل. فهذا الميزان يقاس من مصدر القرار فقط. فإن كان القرار الأمريكي اسرائيلياً، فأن إسرائيل ستحسب عند إصدارها القرار، ربحها هي وخسارتها هي، وليس ربح وخسارة اميركا نفسها. وهذان وإن كانا يتوافقان كثيراً فهما يختلفان احياناً كثيرة أخرى.

 

وينطبق هذا المبدأ على جميع الدول غير كاملة الاستقلال في قرارها، وهو ما يجعل حساب "المصالح" اكثر صعوبة. فمثلاً لا توجد اية مصلحة سعودية في عدوانها على اليمن او معاداة ايران أو زيادة ضخ النفط لخفض أسعاره أو شراء كميات مهولة من الأسلحة في صفقات وهمية يتم الدفع فيها فقط بلا بضاعة. كل هذه التصرفات اصابت السعودية واثخنتها جراحاً، لكنها تستمر، لأن القرار ليس بيدها. كذلك لا نستطيع ان نتخيل أية مصلحة أمريكية في نقل السفارة إلى القدس أو قطع المساعدات للسلطة الفلسطينية، حتى لو حسبنا المصلحة بشكل نفعي لا أخلاقي.

 

ومن هنا فأن إستراتيجية الردع الإيراني للقرار الأمريكي عن الحرب تختلف عما لو كانت اميركا مستقلة القرار. ويجب على إيران في رأيي ان تركز على ان المعركة الحقيقية هي مع إسرائيل، وبالتالي ان تحسب لكي يكون قرار الحرب “مكلفاً لإسرائيل” أكثر من فائدته لها، وليس لأميركا. ويجب على ايران ان توصل هذه الرسالة بشكل واضح لإسرائيل، قبل اشتعال تلك الحرب.

 

وهذا ليس سيئاً، فإسرائيل اكثر انكشافاً وقرباً من أميركا بكثير. وإسرائيل بلد يعتمد على أمنه، وأي اضطراب جدي فيه، قد يسبب "جرحا" لا يسهل معالجته، خاصة ان نسبة لا بأس بها من السكان ستعتبر ان المستقبل لن يهدأ. كذلك ليس من الضروري لخسائر إسرائيل ان تكون عسكرية مباشرة فقط. فلو تمكنت إيران من ان تكشف للشعب الأمريكي مدى الخطورة التي تشكلها إسرائيل على مصالحه، وعلى حياة الجنود الأمريكان، وتفضح تبعية حكومات أميركا لإسرائيل بشكل أكبر، فأن هذا سيكلف إسرائيل الكثير أيضاً، وبدون إطلاق نار، والحقيقة ان مثل هذه الجهود موجودة داخل أميركا، وما على ايران الا دعمها بشكل ذكي.

 

هذا يكشف لنا أهمية الإعلام لردع الهجوم، ولهذا السبب يتوجب على كل بلد أن يمتلك "قبة صاروخية إعلامية" تتكون من الفضائيات والاقمار الصناعية وغيرها، قادرة على ان تصل الى مواطن الدولة العدوانية الأقوى، أي المواطن الإسرائيلي والأمريكي في هذه الحالة. فالقرار الأمريكي رغم تبعيته لإسرائيل، فهو غير ممكن مع وجود وعي شعبي كبير ضده، وهذا ما تختلف به اميركا عن السعودية مثلا. والمواطن الأمريكي هدف ممتاز. فهو مخدوع بأن حكوماته "تفعل الخير" للآخرين، كما أنه مخدوع بأن إسرائيل ضحية مهددة. هذا يجعل المواطن هدفاً ممتازاً لإعلام قوي علمي رصين، لأن ايقاظه من هذه الغفلة، رغم صعوبته، اسهل كثيراً من التأثير في شعب يعرف شر حكومته ويقبله، ويعرف تبعيتها لإسرائيل في عدوانيتها ويقبله. إذن نجاح ايران وانتصارها - المتمثل بالخروج من المواجهة بدون تقديم تنازلات وبدون مواجهة عسكرية- يتحدد بشكل شبه تام بإقناع إسرائيل بأنها ستخسر في تلك المواجهة اكثر مما تربح، وأن تكون تلك الخسائر على جميع الأصعدة الممكنة– عسكريا وإعلاميا، وموجهة إلى كل من إسرائيل والشعب الأمريكي.

 

وما دمنا بذكر الإعلام، فلا بأس ان نتفحص الاستراتيجية الإعلامية لأميركا وإسرائيل في هذه الحرب، وخاصة تلك الموجهة الى الشعب الإيراني والعربي. ونلاحظ قبل كل شيء أن تلك الاستراتيجية تحاول أن تشوش على القارئ او المشاهد فكرة "الردع عن طريق الجرح"، وتصوير الأمر بالشكل المبسط الساذج، بمقارنة القوتين ببساطة والاستنتاج ان الهزيمة الماحقة أمر مؤكد. ولا غرابة في ذلك لأنها الطريقة الأنسب لإصابة الأضعف بالرعب وتصوير انتصاره مستحيلا، وتشجيعه على التراجع والتنازل. ونجد الأقلام المعروفة بدعمها للاحتلال الأمريكي وإسرائيل تنتهج هذا النهج بشكل عام، مثل مقالات عبد الخالق حسين عموماً، وكذلك هذه المقالة على سبيل المثال للكاتب عبد الجبار الجبوري: "ماذا قال بومبيو لعبد المهدي؟" (2)

 

ما هو تأثير تقديم تنازلات إيرانية على معادلات قرار الحرب؟

مما لا شك فيه أن هذه التنازلات قد تسهم (وأكرر: قد) في تغيير ميزان المنافع والخسائر، باتجاه تقليل احتمال العدوان العسكري. فإن تنازلت إيران عن دعم حزب الله وسوريا، فستختفي أهم المنافع المتوقعة من الحرب، وينخفض الإغراء بخوضها ويرتفع ميزان فوائد تجنبها لدى إسرائيل. لكن تلك التنازلات التي تساعد على ردع العدوان الآني، ستضع إيران بعد هذه المجابهة، في موقع اضعف عسكريا ومعنوياً، وهذا سيشجع إسرائيل على المزيد من الابتزاز في المستقبل القريب. ابتزاز لن يتوقف ابداً حتى تنتهي الجمهورية الإسلامية في إيران. لذلك ربما يكون الأسلم والآمن لإيران إن كانت تنوي الحفاظ على إسلامية جمهوريتها، ان تقف حيث هي لا تتزحزح شعرة الى الوراء، وأن تحاول الردع بزيادة تكاليف الحرب على إسرائيل قدر الإمكان، وليس بتقديم التنازلات.

 

ماذا عن العراق الذي يرزح تحت نير الاحتلال الأمريكي الإسرائيلي؟ الفكرة الأساسية هي ذاتها. إن أراد العراق ان يتحرر ويفلت من المصير الذي يخطط له ولبلده من قبل دولة شديدة العدوانية، معلنة الأطماع في ارضه وثرواته، فعلى خندق المقاومة فيه ان يجد الطرق الممكنة ليجعل هذا الاحتلال مكلفاً لإسرائيل وأميركا، بحيث يكون اكثر كلفة من استفادتها منه.

 

وهذا الأمر قد لا يكون هيناً لان استفادة إسرائيل وأميركا من احتلال العراق كبيرة جدا وواعدة بالكثير، لكن فرصة "التسبب بجرح" للدولة الأقوى تبقى اسهل كثيراً من هزيمتها الكاملة، وعندما نتذكر ذلك سيكون لدينا أمل أكبر وفرصة أكبر لتحقيق الردع، وعلى اية حال فحتى ان لم تكن هذه سهلة، فهي الطريقة الوحيدة للخلاص من مصير مخيف يتوعد شعباً ينصب له حكوماته، جهات تستهدف تدميره تماما. إنها مسألة حياة شعب أو موته!

 

(1) كيف تقف بوجه قوة أكبر منك؟ 1- مبدأ الشطرنج الثلاثي

https://www.facebook.com/saiebkhalil/photos/a.350693164987759

/1572326446157752

 

(2) عبد الجبار الجبوري:  ماذا قال بومبيو لعبد المهدي؟

http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view

=article&id=936709