كـتـاب ألموقع

عليك وزر كسر القانون والدستور ووزر من سيكسره إلى يوم القيامة يا سيد مقتدى!// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

عليك وزر كسر القانون والدستور

ووزر من سيكسره إلى يوم القيامة يا سيد مقتدى!

صائب خليل

17 مايس 2019

 

في فيدو انتشر في التواصل الاجتماعي يظهر النائب الصدري السابق عواد العوادي وهو يتباكى ويتوسل بمقتدى الصدر ويرفع صورته وصورة ابيه في تذلل مثير للتقزز.

عواد العوادي شخصية وضيعة ومشبوهة ولطالما كتبت عنه انحطاط اخلاقه ودعواته المشبوهة لخصخصة الكهرباء عندما كان يعمل تحت حماية السيد مقتدى، ولست آسف عليه أبداً، لكن هل هذا هو المطلوب وهل هذه هي الطريقة التي تؤدي الى بلد حضاري سليم خال من الفساد؟ من الواضح ان القانون قد تمت اهانته هنا إهانة علنية شديدة وعلى الهواء، فكانت فضيحة مدوية لضعفه. لكن هل يفقد البلد كثيراً بالدوس على الدستور والقانون الضعيفان أصلاً؟ اليس تحقيق بعض الضربات للفساد أمر جيد بغض النظر عن الطريقة التي تتم فيها؟ انصار السيد مقتدى فرحوا بالمشهد واحتفلوا به كعادتهم واعتبروه جزء من "الإصلاح".

وقد يكون في الامر بعض الإصلاح بالفعل، لكن التخريب بلا شك اكبر. اكبر بكثير جدا. المشكلة فقط ان هذا التخريب لا يرى بسهولة، فهو يقع في المستقبل، ولا يمكن ان يراه الا من كان بعيد النظر.

 

ليست الاحداث الأخيرة هي أول مرة يدوس فيها السيد مقتدى على النظام والقانون، فقد سبق له أن شكل محاكمه الخاصة لمعاقبة "الفاسدين"، محطماً القانون المسكين اكثر مما هو محطم، بدلا من ان تكون قوته وسلطته في خدمة القانون والدفع باتجاه احترامه.

حين يسأل احدهم السيد مقتدى فإنه يعترف بأهمية القانون والحفاظ عليه، لكنه يفعل العكس تماما. وإن كان السيد مقتدى لا يقر علناً باحتقاره للقانون فأن المتابع لمنشورات اتباعه يرى بوضوح مدى احتقارهم للقانون وسعادتهم بما يحدث من الفوضى التي يرون أنها سوف تعاقب الفساد بعد ان عجز القانون عن ذلك.

الغريب اننا لا نجد السيد مقتدى ولا احد في الحكومات العراقية يحقق شيئا حينما يمكن تحقيق ذلك مع الالتزام بالقانون والنظام والأصول المرعية وبالتفاهم مع الآخرين في قرار مشترك. فمثلا نجد السيد مقتدى يهدد بضرب السفارة الامريكية، لكنه لم يدع يوماً إلى تظاهرة واحدة امام السفارة احتجاجاً على فعلته اميركا في العراق من جرائم كان آخرها قصف الشرطة العراقية التي كانت تصور الدعم الأمريكي لداعش، ولا فعل ذلك أي من ورثة الحشد، ولم يقم هؤلاء كلهم بتقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب لإخلاء العراق من القوات الأمريكية، وكلها اعمال سلمية بسيطة نسبياً، تستطيع ان تقوم بها اية منظمة في العالم، بينما تخنع دونها كل الجهات ذات الشعارات الرنانة في مقاومة الاحتلال في العراق اليوم. وفي رأيي انه لم يكن القصد من شدة ارتفاع أصوات تلك الطبول إلا للتغطية على خوائها وخيانتها التامة لقضيتها ورفضها القيام بأي تحرك فعلي.

لذلك فإني لا أرى في تلك الحركات "الإصلاحية" الأخيرة إلا امتداداً لطبول التغطية هذه، ولتحطيم القانون في البلد اكثر واكثر.

 

لكن كبرى خطايا السيد مقتدى الصدر ليست هذه ولا تلك، بل سحقه الدستور نفسه تحت حذائه وترشيح "المستقل المستقيل من الفساد"، والأمنية الامريكية القديمة لحكم العراق، عادل عبد المهدي، بنقض المادة الدستورية بأوضح ما يكون الوضوح:

المادة (76): أولاً:- “يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء”(1)

ولم يجد السيد مقتدى تبريراً لهذه الجريمة الدستورية سوى السخرية من الدستور حينما قال مبرراً إياها بأن: "العراق أكبر من الكتلة الأكبر"!(2) وهو تلاعب مؤسف بالكلمات لا ينتظر ان يقوم به رجل يقود واحداً من اهم التيارات العراقية. فهل كان هناك تنافس بين "العراق" و "الكتلة الأكبر" لنقول ان العراق اكبر من الكتلة الأكبر؟ هل قام السيد مقتدى بتنظيم استفتاء شعبي وتبين له ان الشعب العراقي ضد مبدأ الكتلة الأكبر؟ إن لم يكن قد فعل، ولم نسمع بمثل هذا الاستفتاء، فالمنطق يقول ان العراق مع الكتلة الأكبر! فهي التي حصلت على اكثر الأصوات من الشعب! إضافة الى ذلك فمقتدى لم يحتقر أصوات الشعب فقط في اختيار الكتلة الأكبر، بل احتقر أيضا الدستور الذي صوت عليه العراق فهل سيقول لنا السيد مقتدى أن  "العراق اكبر من الدستور" أيضا؟ نعم انه اكبر، لكنه معه وليس ضده! ثم احتقر نصار الربيعي مجلس النواب نفسه، فهل سنسمع ان "العراق اكبر من مجلس النواب" أيضا كتبرير؟ أم ربما يلجأ مستقبلاً إلى ما قاله بوش ويدعي ان الله هو من امره وأن الله اكبر من كل شيء، وبالتالي يمتلك تبرير أي عمل يقوم به؟

 

طبيعي أن السيد مقتدى لا يتحمل لوحده جريمة الدوس على الدستور بل شارك الجريمة معه من كان الشعب يعتمد عليهم وتصور انهم سيكونون رجالا عند كلمتهم للشعب وعند قسمهم باحترام الدستور، لكنهم لم يكونوا كذلك للأسف. ولا نقول شيئا عن الحزب الشيوعي المسخرة الذي شارك الواقعة، وقد صار حزباً هلاميا لا شكل له ولا طعم ولا رائحة ولا موقف معروف من أي شيء!

 

بعد جريمة دعس الدستور بالأحذية، قام السياسي الصدري نصار الربيعي بلعب دور رئيس المافيا في مسرحية الرعب التي أوقفت عبد المهدي قبل ان حتى يكمل قراءة المرشحين من أسماء وزرائه! وبالطبع فأن رئيسا للحكومة مرشح من خارج الدستور، ليس له أي سند ليقف بوجه التيار الذي رشحه، دع عنك صفاته الشخصية المعروفة بالامتناع عن الدفاع عن نفسه (أو حتى عن ابيه) بوجه أية إهانة توجه له. ولعل هذه الصفة إضافة إلى كونه رجل أمريكا والبنك الدولي في العراق، والمتعهد بالتخريب الاقتصادي للبلد كما تبين منذ اسابيعه الأولى، هي الأسباب التي دعت من رشحه الى ترشيحه.

العصابة التي يقودها نصار الربيعي والتي تعمل بتوجيه من السيد مقتدى لم توجه الإهانة الى هذا الرئيس الخانع وحده، بل وجهتها الى حلفائها الذين يباهون برجولتهم وشجاعتهم التي يبدو انها استهلكت تماما في الطريق الى السلطة ولم يبق منها شيء يمكن ان يراه المرء في مواقفها التالية. لا في تحالفاتها المشينة قبل الانتخابات، ولا في مواقفها من المسرحيات الهزلية اثناء تشكيل الحكومة ولا في تهربها من وعودها بإخراج القوات الامريكية من البلاد، والتي لم تحاول القيام بها ابدا، ولا في أي موقف.

 

تبرير موقف عصابات المافيا لنصار الربيعي تم تبريره بطريقة مشابهة لتبرير كسر الدستور، فسمعنا عبارات مثل أن "الفياض" جاء بفرض من "سليماني" و "أن احداً لن يقف امام أرادة الشعب"، (ردده المعروفون بعلاقات مشبوهة مع إسرائيل مثل غيث التميمي، الذي صار يحظر المقابلات كانه ممثل عن الصدريين) ولا يوجد أي دليل أو معنى لهذه الشعارات ولم يحاول احد اثبات ان لها علاقة بالواقع. ولا تختلف عبارة "أن احداً لن يقف امام أرادة الشعب" عن عبارة "الشعب اكبر من الكتلة الأكبر"، فكلتيهما الاعيب لفظية تم تهيئتها للتغطية على التفاف على القانون والدستور. وتم حرمان مجلس النواب من حقه بالتصويت ووقف المجلس موقفا في غاية الجبن والتخاذل. لقد منع المجلس حرفياً من ابداء رأيه. وقال الربيعي لهم: نحن من نقرر، وليس لكم أي راي في الحكومة فطأطأوا رؤوسهم! وهذا يشي بأن مجلس النواب الحالي تم انتقاءه بتزوير انتخابي دقيق لاستبعاد كل من كان يتكلم، ولم يبق فيه الا المسيطر عليهم. وهذا الأمر سيثبت أنه ضروري لتمرير الفضائح التي تم تمريرها فيما بعد.

 

الصدريون يبدون سعادتهم في كل مرة يقوم بها السيد مقتدى او من يمثله بحركة احتقار للقانون والدستور، ويتعاملون معها على أنها "شجاعة" و "حزم"، وأنه لم يكن هناك طريقة أخرى في بلد لا يحترم القانون. وطبيعي ان الأمر لا يقتصر على الصدريين، فها نحن هنا نرى الجميع مشارك في والجدير بالذكر أن هذه الأخلاقية وهذه التبريرات هي ما كانت تميز صدام حسين وكل اتباعه. فهو القائل أن القانون ليس سوى ورقة وانه يمكنه تغيير ما كتب فيها بـ "جرة قلم"!

 

إنني على يقين من ان هناك جهة تعمل بجد واجتهاد على تحطيم العراق، وان نظرية ان العراق يتحطم تحت تأثير الفساد الذاتي والجهل لا تستطيع ان تفسر كمية الخراب وسرعته الفائقة. فرغم اننا يمكن ان نفسر الحماس التخريبي للخصخصة بأنه فساد داخلي، لكن نظرية الفساد الداخلي لا تستطيع ان تفسر عقود عبد المهدي مع الأردن ولا التدمير المخطط للبصرة لدفعها للانفصال كما لا تستطيع تفسير الانتصارات التي حققتها داعش ولا تمكن الضباط من الإفلات من العقوبة بخيانتهم، ولا تستطيع تفسير استحالة حل مشكلة الكهرباء وغيرها كثير. لذلك فإني اشعر بالثقة بأن تحطيم القانون هو جزء من المخطط الخاص بتدمير العراق، بل هو اسرع الطرق لتحطيمه، وان المخطط يتم تمريره بشكل أو بآخر إلى الجهات المنفذة له، سواء عرفت بدورها أو لم تعرف.

 

يقول مثل إنكليزي: "لا تحرق بيتك لكي تخيف الفئران"، وما حدث بالضبط هو حرق القانون من اجل اخافة بعض الفاسدين، او بدعوى اخافتهم. ولا استبعد أن يسمح من خطط الأمر، ببعض النجاح للحركة في استئصال بعض الفساد ليتم تثبيت ذلك التصرف على انه شيء صحيح وانه الوحيد القادر على تحقيق أي تقدم في "الإصلاح"، ولكي يتم التشجيع على تكرار هذه الحركات مستقبلا.

لذلك قال الرسول ان من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة، وأكد ذلك بالقول بأن بعض دم أي قتيل سيكون مسؤولية قابيل لأنه سن سنة القتل.(3)

وليس صعباً ان نرى في المستقبل اية جهة تمتلك القوة الكافية، لن تجد صعوبة في فرض ارادتها، مهما كانت تلك الإرادة، ذلك ان من حطم القانون قبلها، عود الناس على احتقاره، وعود مجلس النواب على الخنوع وعبد لها الطريق لتمضي بفعلتها دون مشكلة. ومن كسر الدستور بهذه الصراحة وبهذا الاحتيال اللفظي الرخيص، هيأ المشاعر الشعبية لقبول أي كسر قادم للدستور كأنه ليس شيئا غريبا، ولن يواجه بالمقاومة المفروضة من قبل الشعب ونوابه، ومهما كان هدف من يكسر الدستور. فهل يدرك السيد مقتدى واتباعه وحلفاءه، أنهم سيحملون "كفل من دم القانون" في كل تحطيم له تقوم به أية جهة كانت مستقبلا؟

 

 

 

(1) الدستور العراقي

http://ar.parliament.iq/الدستور-العراقي/

 

(2) مقتدى الصدر: العراق أكبر من الكتلة الأكبر

https://almadapaper.net/Details/213591

 

(3) "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ "

"لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ"

https://www.alukah.net/sharia/0/114861/#ixzz5oBn1M6qm

 

مقالة إضافية حول الموضوع - صائب خليل: انتقام القانون

http://www.tellskuf.com/index.php/mq/79290-dr23.html