اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

النقد حيث نستطيع التأثير هو النقد حيث يؤلم// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

النقد حيث نستطيع التأثير هو النقد حيث يؤلم

صائب خليل

14 نيسان 2020

 

لا تلتقط حواسنا من إشارات العالم، إلا ما يهمها ويزيد كفاءتنا في اتخاذ قراراتنا، وهذه قاعدة من القواعد الأساسية للبقاء على قيد الحياة. نحن لا نرى الموجات فوق البنفسجية لأنها مؤذية للعين، ولا نرى الموجات تحت الحمراء لأنها ستسبب لنا ضوضاء بصرية أكثر من المعلومات التي تعطينا إياها. وكذلك الأمر بالنسبة للسمع وحدود موجاته التي نسمعها. ولذلك نرى تفاوتاً بين حدود ما تراه الحيوانات المختلفة او تسمعه. فبقاء كل منها على قيد الحياة له شروط مختلفة عن الآخر، وتهمه معلومات تختلف عن الآخر بدرجة او بأخرى، وهو مجهز بالحواس المناسبة لهذه الشروط.

 

لو نقلنا هذا المبدأ، إلى المجتمع والحقل السياسي بالذات، يمكننا ان نستنتج ان كل فرد يفترض ان يلتقط بعض المعلومات عن كل الأطراف بشكل عام، لكن أن يركز أكثر على “ما يهمه”، أي ان يلتقط إشارات حزبه أو كتلته إن كان حزبياً أو طائفته إن كان طائفياً، لأنها أولاً هي المعنية مباشرة بمصلحته كما يراها هو، وتهمه سلامتها من الخلل، وثانياً وهو الأهم، لأن تأثير رأيه يكون أكبر ما يكون في تلك المجموعة. فإن كنت في حزب الدعوة مثلاً، وعرفت ان الحزب الشيوعي فيه خلل، فلا هو يهمني كثيراً، ولا أستطيع أن اؤثر عليه بشيء. أما إن اكتشف خللاً في حزب الدعوة، فإني أستطيع ان أوصل تحذيري او احتجاجي الى قيادته أو إلى رفاقي واصدقائي وربما نستطيع ان نصحح او نفرض تصحيحاً على مساره، ولو بالقوة. وطبيعي لو كنت عضواً في الحزب الشيوعي، فالأمر بالعكس، وهكذا.

 

المشكلة الأساسية في هذا الأمر، ان هذا التركيز متعب! إنه يضع على صاحبه ثقل المبادرة والعمل والمسؤولية. فرؤية الخلل في الحزب “س” لا تتطلب من عضو حزب "ص" ان يفعل شيئاً، لذلك فهي غير متعبة، بل قد تكون مريحةً ومصدر سعادة، على العكس من رؤية الخلل في حزبك، لأنه يزعجك أولاً ولأنه يضغط عليك لتفعل شيئاً ثانياً. لذلك فهناك عائق نفسي لرؤية الخلل الذي انت مسؤول عنه. ويزداد هذا العائق كلما كان الجو مستقطباً يحث المرء على الدفاع عن جماعته في الحق والباطل، ويزداد أيضاً كلما كان الشخص متعباً يبحث عن الراحة.

 

هذه الحقائق يعرفها عدوك جيداً، ويعمل على الاستفادة منها، ويجيرها لصالح ما يريد، وما يريد هو عكس ما تريد. إنه يعمل كل ما يستطيع لكي "لا تسمع الموجة التي لك تأثير فيها"، وإضافة الى ذلك، يعمل على زيادة الاستقطاب بشدة من جهة، بزيادة عداء الكتل لبعضها، وزيادة الإرهاق والفوبيات في الشعب من الجهة الأخرى. وأداته الأولى في ذلك بعد الإرهاب، هو الإعلام الذي يسيطر على تفاصيله بشكل مخيف، فالعراقي أكثر من أي انسان على وجه الأرض اليوم، يغرق في جو اعلامي معادي مكلف ومخطط وموجه بشكل قصدي إلى تدميره، وليس لأي هدف اخر، ربحي كان او غيره.

 

لقد حولنا الغرق في غازات الإعلام المعادي في بلادنا، والتوتر والإرهاق المفروض قصداً، الى كائنات ذات آذان متخصصة ولكن بعكس ما تتطلبه الحياة، آذان لا تسمع إلا ما لا تأثير لها عليه! فرغم كثرة اشارات الكارثة القادمة، فإن كل عراقي لا يسمع إلا عن خلل الآخرين ودور الآخرين في تلك الكارثة، ولا يرى إلا اخطاءهم، والتي ليس له سلطة عليها أو تأثير.

صار هدير تدحرج البلد إلى الهاوية اقتصادياً وسياسياً قادراً على اسماع حتى الأطرش، والناس تصرخ خائفة، لكن لا شيء يحدث، ويستمر البلد نحو مصيره وبسرعة متزايدة، كما تكشف الحقائق واخطرها قائمة الحثالات المرشحين لقيادته مؤخراً.

 

الإعلام بيد عدونا الذي يدير الخراب ويريد ادامته ليصل الى غايته. ولذلك يريدنا ان نركز على ما ليس باستطاعتنا ان نفعل شيئا بشأنه أكثر من الولولة. يريدنا ان نرى خلل الجهات الأخرى، وإهمال خلل مجموعتنا التي يمكن ان نؤثر فيها، بل يشجعنا (من خلال الإيحاء بمقالات او مجندين على وسائل التواصل الاجتماعي) على استخدام خلل الجهات الأخرى كحجة للدفاع عن خلل مجموعتنا، فكثيراً ما تجد مجنداً يصرخ: "ولماذا يحق للسنة ان يكونوا تابعين للاحتلال ولا يحق للشيعة"!

إن الأذن غير المدربة على الانتباه للاحتيال، لن تلاحظ ان من يقول هذا يفترض ان "التبعية للاحتلال" شيء جيد ومفيد، وانه "حق" يفترض بكل جهة ان تنافس الآخرى عليه وتحصل على حصتها العادلة منه! فما دام هناك سياسي منحط مثل محمد الكربولي يقول "ان مصطفى الكاظمي يمثل كل العراقيين" فأن دعم السياسي الشيعي لهذا العميل أصبح فعل غير مشين بل قد يكون فعلاً مستحباً.

الدفاع الآخر الأكثر انتشاراً، وهو دفاع جاهز ومناسب لكل الحالات، هو الادعاء بأن ما حدث هو "أفضل الخيارات المتوفرة" وأن "كتلتي" المكونة من الطيبين بالطبع، بإمكانياتها المحدودة، لم تكن قادرة على دفع الأمور نحو أفضل من هذا.

مبدأ "أفضل الخيارات المتوفرة" ليس خطأً بحد ذاته، لكنه قابل لإساءة الاستخدام مثل أي مبدأ آخر. فمن يريد ان يستند صدقاً إلى مبدأ أن هذا "أفضل الخيارات المتوفرة" يجب ان يكون قد اطلع بالفعل على كل الخيارات المتوفرة، وقارن بينها، ورأى ان حزبه قد حاول الحصول على ما هو أفضل لكنه فشل بسبب محدودية امكانياته للضغط. أي أن من يمكنه أصلا ان يتحدث بهذا الموضوع هم القيادات العليا المطلعة على كل الأمور فقط. وهذه عليها ان تبين لجمهورها صحة هذا الادعاء. أما ان يأتي مواطن من الناس ليستخدمه للدفاع عن موقف مجموعته، رغم انه ليس لديه اية فكرة عن تلك "الخيارات المتوفرة"، فهو نفاق، لأنه ببساطة يدعي أمراً ليس لديه معلومات عنه.

 

تخيلوا ان يدافع صدري عن براءة السيد مقتدى من فساد الحكومات المتتالية متحججاً بأن مقتدى أراد الإصلاح لكن المشكلة هي بقلة تعاون الآخرين معه، دون ان يبين أين استخدم السيد مقتدى عشرات المقاعد النيابية من أجل هذا الإصلاح وعلى أي مشروع وطني محدد حاول، وأي قانون قدم الصدريون لمجلس النواب لإقراره، لكنه فشل في الحصول على اغلبية برلمانية لعدم تعاون الآخرين، ومن هم الذين عرقلوا ذلك! تخيلوا مثل حجة "العجز" لعدم التعاون معه، تستخدم للدفاع عن شخص يقول بنفسه انه لم تكن هناك اية حكومة عراقية حتى الآن لم تكن بتأثيره، ان لم تكن بمبادرة منه فعلى الأقل بموافقته!

 

وتخيلوا شيوعياً يتحجج بقلة تمثيل الحزب في البرلمان، ولم نسمع ذلك التمثيل، مهما كان بسيطاً، يدافع عن مشروع اقتصادي اشتراكي كما ينتظر منه ناخبوه، ولم نر المعارضة له لكي يفهم منها الشعب من هم اصدقاءه ومن هم اعداءه.

 

وتخيلوا مدافعاً عن كتلة الفتح التي كان يعول عليها لمنع التأثير الأمريكي على تشكيل الحكومة كما وعدت مراراً، يقول لك ان شرطي الأمن الأمريكي المتخلف والمشبوه بجرائم تهريب الأرشيف والاغتيالات، كان أفضل الخيارات المتوفرة!

تخيلوا هذا، في الوقت الذي تمكن فيه جمهور هذه الكتلة من دفعها لتكون الكتلة الأكبر عدداً في مجلس النواب! فإن كان الكاظمي هو أفضل ما تستطيعه هذه الكتلة حين تحصل على اعلى الأصوات في المجلس، فمتى ينتظر جمهورها ان يحصلوا ولو على انسان شريف لحكم العراق، وكتلتهم تتحمل المسؤولية الأولى في ذلك؟

 

ما هي الخيارات الأخرى الفظيعة، التي كان هذا هو "أفضلها" ومن طرحها؟ إنني لا أستطيع حتى تخيل اختيار واحد أسوأ منه. ولو ان السفارة ترك لها الخيار لما استطاعت ان تختار ما هو أفضل للاحتلال من هذا الرجل أو زميله الذي كلف قبله، ولا فرق بينهما. ما هي إذن الاختيارات الأخرى التي جنبنا ويلاتها “المناضلين” في الفتح وسائرون وبقية الشلة من المحتالين السفلة والحمير، ان أحسنا الظن بهم - ولم نعد نميل الى حسن الظن؟

 

البعض يقول انكم لا يعجبكم أحد، وانه ثالث أو رابع مكلف ترفضونه. لكن السؤال الصحيح، هو لماذا يقدم أصلا ثلاثة مكلفين سيئين؟ ما هي ميزة أي من المكلفين او المرشح فائق الشيخ، والتي توجب قبوله؟ ما الغرابة ان يرفض 3 مكلفين او حتى عشرين مكلفاً، ان كانت الكتل التي وثق بها الناخبون عاجزة ان تقدم آدمي واحد بالحد الأدنى من المعقولية، وكأن المنافسة بين من يعد بتدمير البلد أما بالاقتصاد المتوحش الرأسمالية وبين مجموعة سرسرية يخجل المرء أن يتكلم معهم دع عنك ان ينتخبهم لبلاده؟

 

الوضع صار مزرياً، لأن لا أحد مستعد ان يقسوا بالأسئلة على جماعته، ولا أحد مستعد أن يسمع الحقائق القاسية...

ومثلما المتظاهرون ليسوا مستعدين ان يسمعوا أن كل ما حققوه حتى الآن هو تدمير للعراق وأن كل تغيير تم بتأثيرهم كان خطوة كبيرة الى الوراء،

اتباع مقتدى ليسوا مستعدين لسماع ان سياسته تصب في اجندة الاحتلال منذ عشر سنوات، وأن لا أحد خارج التيار يثق به..

واتباع المرجعية ليسوا مستعدين أن يسمعوا انها مخترقة وان من يحيط بالسيد السيستاني محتالون.

أعضاء الحزب الشيوعي ليسوا مستعدين لسماع حقيقة ان حزبهم يدار في الغرف المظلمة وانه لم يعد له اية علاقة ودية مع الشيوعية او الاشتراكية، وانه ضالع في مخططات الاحتلال وتابع ذليل لإقطاعية كردستان التي تديره نيابة عن أميركا،

والكرد ليسوا مستعدين لسماع حقيقة ان قياداتهم التاريخية عبارة عن شلة من حثالات اللصوص،

والآملين بالتخلص من الاحتلال ليسوا مستعدين لسماع ان قادتهم مقسمين بين الحمير والمنتفعين،

والمرعوبين من إيران ليسوا مستعدين لسماع اية حقيقة تثبت أنهم على خطأ برعبهم،

والمتحمسين لإيران ليسوا مستعدين ان يروا انها تتكون من أكثر من فريق وأن بين الفرق تناقض خطر، وإنها قد تتصرف حيناً بشكل، وحيناً آخر بشكل مختلف.

أما المؤملين بأميركا، فليسوا مستعدين لسماع أي شيء!

 

إنها حقائق بسيطة ولا تحتاج إلى علماء في السياسة ليفكروا بها، لكننا غرقنا في جو من الخلل والخطأ، حتى فقدنا القدرة على التفكير بأبسط الأمور، ولم نعد نرى او نسمع إشارات الخلل والتنبيه المناسبة لموقعنا والتي يمكن ان نفعل شيئا بها، او اننا نخاف منها ونسعى لتجنبها، لذلك نصرخ بالاتجاه الخطأ غير المؤثر.

الحقيقة هي اننا سنحصل على حكومة يتناسب مستواها مع مستوى امانتنا ووضوحنا في النقد، ولكن في الاتجاه الصحيح. حين يفهم السيد مقتدى ان اتباعه يطالبونه بتفسيرات مقنعة، ويفهم قادة الحزب الشيوعي ان أعضاء حزبهم لا تنطلي عليهم مواقفه، وتفهم كتلة "الفتح" انها مطالبة بأن تكون بحجم مسؤوليتها وأن تبويس اللحى والتضحية بمصالح الناس جريمة، وحين تفهم اميركا ان عملائها مطلوبين للشعب للثأر منهم وليس لتنصيبهم، وتفهم إيران ان عليها ان تبحث عن مصالحها في العراق بعيدا عن اميركا.

إن لم يحدث هذا، فلا حل. وسنجد صراخنا بلا أثر، وعاجز عن إيقاف العجلة وهي تمضي مسرعة الى هاويتها! إن الفرصة للنجاة تتناسب مع أمانتنا وقسوتنا على من يمثلنا، وكل ما عدا ذلك هباء! ليفكر كل شخص بأمانة بذلك وليراجع نفسه.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.