اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

دَعْوَى كيْدِيَّة ــ قِصَّة قَصِيرَة ــ // شذى توما مرقوس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

 الموقع الفرعي للكاتبة

دَعْوَى كيْدِيَّة ــ قِصَّة قَصِيرَة ــ

بقلم: شذى توما مرقوس

الأربعاء 23- 3- 2016 م .

 

كيْداً بِها ....... أَقامَ علَيْها الشَكْوَى في مَخْفَرِ الشُرْطَة ، بَعثَتْ المَحْكمَةُ إِلَيْها تَسْتَدْعيها لِلتَحْقِيق في أَمْرِ الدَعْوَى ، حضُورها كانَ مُلْزِماً .

نَهَضَتْ صبَاحاً وهيَّأَتْ طِفْلَها مَعَها ، وحِرْصاً مُضَاعفاً مِنْها دَثَّرَتْهُ بِمِعْطَفٍ سَميكٍ ، ففي اللَيْلَةِ الماضِيَة تَسَاقَطَ الثَلْجُ بِغزَارَة ، كُلّ الطُرُقَات مَكْسُّوَة بِطَبقَاتِ الثَلْج ومُزْلِقَة ، أَمْسَكتْ بِيَدِ طِفْلِها وخَرَجا إِلى الطَرِيق نَحْوَ مَحَطَّة انْتِظَارِ الحافِلَة .

كانَتْ تَتَمنَّى لَوْ اسْتَطَاعتْ أَنْ تَعْفي طِفْلَها مِنْ هذَا المِشْوار ، لكِنْ عِنْدَ مِنْ تَسْتَأْمِنُ طِفْلَها وهي وَحيدَة هُنا في هذَا البَلَد لا أَهْلَ لَها ولا أَصْدِقاء ، كما لا يُمْكِنها أَنْ تَتَرُكهُ وَحيداً في المَنْزِل فهو صَغِير السِنِّ ، فَكَّرَتْ أَنَّ سيَّارَةَ أُجْرَة خاصَّة تُقِلُها إِلى المَخْفَر هو الحلّ المُنَاسِب ، لكِنَّها لا تَمْلِكُ المَالَ الكافِي لِتَدْفَعَ التَكالِيف فالشَهْرُ في آخِرِ أَيَّامِهِ ولَمْ يَتَبقَّ مِنْ مالِها نُتْفَة ، ولَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يُعِيرها المال ، ما مِنْ سَبِيلٍ أَمَامَها غَيْر أَنْ تَنْتَظِرَ الحافِلَة وتَأْمَل أَنْ لا تَنْتَظِرَ طَوِيلاً .

وقفَا يَنْتَظِران ..... مَرَّتْ بِضْعُ دقَائق ثُمَّ بِضْعٌ أُخْرَى وأُخْرَى ، لكِنْ حَتَّى مَوْعِد مَجِيءِ الحافِلَة ستَمُرَّ عشْرونَ دقِيقَة ، والطِفْلُ في وقُوفِهِ يَصِيح :

ــ ماما .... أَنا أَتَجمَّد .

اغْرُورِقَتْ عَيْناها بالدمُوع وقَالَتْ في سِرِّها :

 ( هذَا ما أَرادَهُ والِدُكَ الَّذِي لَمْ يُفكِّرْ فيكَ لَحْظَة ، رَأَى فَقَطْ الانْتِقَام وإِظْهارَ القُدْرَةِ والسُلْطَة لأَذيَتي علَّهُ يَسْتَحْصِلُ مِنِّي المالَ بِتَغْرِيمي ، واخْتَرَعَ أَكاذِيبَ في دَعْواهُ ضِدِّي دُوْنَ وَخْزٍ مِنْ ضَمِير ،  إِنْ كانَ لَهُ ضَمِير حيّ  ، هذَا الغَبيّ ، لَوْ يَراكَ وأَنْتَ تَتَأَلَّمُ بَرْداً ، أَبٌ أَحْمَق ) .

احْتَضَنَتْ طِفْلَها وقَبَّلَتْهُ بِحنَانٍ وهي تَقُول :

ـ بِضْعُ دقَائق أُخْرَى وستَأْتي الحافِلَةُ  يَاصَغِيرِي الحبِيب .

أَخْرَجَتْ مِنْ حقِيبَةِ يَدِها قِطْعة حَلْوَى يُحِبُّها وأَعْطَتْها لَهُ :

ــ خُذْ هذِهِ ، ستَمْنَحكَ الدِفْء يَا حبِيبي .

شَغَلَتْ قِطْعةُ الحَلْوَى الصَغِيرَ عَنْ شَكْواه مِنْ البَرْد ، لكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَمِرْ إِلاَّ دقَائق مَعْدُودَة ، فعادَ يَبْكي ويَتَوسَّل : 

ــ ماما .... أُرِيدُ أَنْ أَعُودَ لِلمَنْزِل .

ـــ لا يُمْكِننا يَاولَدي ، يَجِبُ أَنْ نَذْهَبَ لِلمَخْفَر ، بَعْد دقَائق ستَأْتي الحافِلَة .

حَمَلَتْ طِفْلَها إِلى صَدْرِها واحْتَضَنَتْهُ ، نَعَمْ البَرْدُ قَارِس ، هي أَيْضاً بَدَأَ البَرْدُ يَتَغَلْغَل في أَطْرَافِها ، وفَوْقَ ذَلِكَ هي لا تَعْرِفُ المَكانَ تَحْدِيداً ، علَيْها أَنْ تَسأَلَ وتَسْتَدِلَ على العُنْوان الَّذِي مَعَها ......

بَعْدَ مُدَّة جاءَتْ الحافِلَة والصَبِي يَرْتَعِشُ بَرْداً وهي أَيْضاً ، سَأَلَتْ السَائق عَنِ العُنْوان ، أَخْبَرَها في أَيّ مَحَطَةٍ علَيْها النزُول لأَخْذِ الخَطِّ التَالِي القَاصِد إِلى حَيْثُ تُرِيد ، قَالَتْ في نَفْسِها : ( لا أُرِيد ، لكِنَّ مُرْغَمَة ) .

فَكَّرَتْ انْتِظَارٌ آخَر أَمَامَها وطِفْلَها ، بَدَأَ القَلقُ يُسَاوِرها علَيْهِ لا تَدْرِي كيْفَ تَحْمِيهِ مِنْ البَرْد ، وحِيْنَ نَزَلا في المَحَطَةِ الَّتِي أَشَارَ بِها إِلَيْها السَائق حَمَلَتْ طِفْلَها وضَمَّتْهُ إِلى صَدْرِها وأَلْقَتْ علَيْهِ شَالَها لِمَزِيدٍ مِنْ الدِفْءِ ، خَافَتْ علَيْهِ مِنْ البَرْد والتَجَمُّدِ والمَرَضِ والمَوْت ... ارْتَعدَتْ فَرَائصُها حِيْنَ مَرَّ بِخَاطِرِها المَوْت ، وصَارَتْ تَنْفُضُهُ عَنْ أَفْكارِها بِشِدَّة  ..... .. 

لَمْ تَعُدْ تَشْعُرُ بِأَطْرَافِها .... أُذُنَاها احْتَقَنتَا ، أَنْفَها إِحمَّرَ ، شَفتَاها بَدَأتَا تَتَيبسان  ، صَارَتْ تُحَرِّكُ أَقْدَامَها طَلبَاً لِلدِفْءِ في مَكانِ وُقُوفِها ، تَرْفَعُ الأُولَى ثُمَّ الثَانِيَة وهكذَا .... مَرَّتْ رُبُع سَاعة وكأَنَّها عام ، أَخِيراً جاءَتْ الحافِلَة فصَعدَتْ إِلَيْها مَعَ طِفْلِها وسَألَتْ ثَانِيَةً السَائق عَنِ المَحَطَةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَنْزِلَ فيها فأَشَارَ إِلَيْها بِذَلِك ، لكِنَّ المشْوار لَمْ يَنْتهِ ، فبَعْدَ أَنْ تَنْزِلَ مِنْ الحافِلَةِ علَيْها أَنْ تَمْشِي سَيْراً طَرِيقَاً جانبِياً ، والثَلْجُ يَكْسُو الطُرُقات وهي مُزْلِقَة ......... تَأْمَلُ أَنْ لا تَنْزَلِقَ مَعَ طِفْلِها وتَقَعُ أَرْضاً فتُصابُ هي أَوْ طِفْلَها أَوْ كِلاهُما مَعاً بِجُرْحٍ أَوْ كسْرٍ .....

مَشَتْ الطَرِيق بِحَذَرٍ بَالِغ ، كُلُّ خَطْوَة سَارَتْها بِحَذَرٍ ، تَارَةً تَحْمِلُ طِفْلَها على صَدْرِها ، وتَارَةً تَمْسِكُ بِيَدِهِ تُشَجِعهُ على خَطْوِ بِضْع خُطُوات ، شَعَرَتْ إِنَّ العالَمَ كُلَّهُ ضِدّها .... وتَنَاثَرَتْ الدمُوعُ مِنْ عيْنِيها ، سَألَها طِفْلُها وهو يَلْمِسُ خَدَّها بِحُنُوٍّ وحُبٍّ :

ــ ماما ، لِماذَا تَبْكين ...

مَسَحَتْ دمُوعَها وقَبَّلَتْ يَدَهُ الصَغِيرَة وضَحكَتْ لَهُ تُمازِحَهُ  :

ــ أَبْكي مِنْ البَرْد .

فصَدَّقَ الطِفْلُ أُمَّهُ وقالَ مُواسِياً :

ــ لا تَبْكي يا أُمّي ..... المَبْنَى سيكُونُ دافِئاً .

ضَمَّتْهُ إِلَيْها ودَخَلَتْ مَخْفَرَ الشُرْطَة وهي تَرْتَجِفُ وطِفْلها مِنْ البَرْد ، وهَمَسَتْ في أُذُنِهِ :

ــ لَقَدْ وَصَلْنا يَا حبِيبي .......

وأَكْمَلَتْ في سِرِّها :

 (  لكِنَّ والِدكَ لَنْ يَصِلَ أَبَداً  ........ ) .

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.