كـتـاب ألموقع

من هم المدنيون حقا؟// محمد عبد الرحمن

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

من هم المدنيون حقا؟

محمد عبد الرحمن

 

ونحن نقترب من انتخابات مجلس النواب المقرر اجراؤها في 12 ايار 2018، نلحظ ميلا متزايدا لدى احزاب وكتل وافراد الى رفع شعار المدنية او الدولة المدنية. ويبدو ان وراء ذلك دوافع متعددة وغايات متنوعة، حتى ليصح طرح السؤال: هل هو تكتيك انتخابي محض، ام ان هناك نية صادقة لتبني الدولة المدنية بمقوماتها الاساسية ؟ وهل هو تجاوب مع ما تريده جماهير متزايدة، وجدت فيه خلاصها من الازمات التي تثقل كاهل البلد ؟

باديء ذي بدء نقول ان هذا الميل الى المدنية والدولة المدنية يفرح المدنيين الحقيقيين الصادقين، الذين رفعوا هذه الشعارات وجعلوا منها اهدافا لهم منذ تأسيس احزابهم وحركاتهم، وصدحت بها حناجر المتظاهرين والمحتجين في بغداد والمحافظات، فكان شعارهم الاثير: خبز، حرية، دولة مدنية، وما يحمله هذا الشعار من معان ودلالات وترابط بين كلماته الثلاث البسيطة والكبيرة في معانيها. ويزيد اغتباط المدنيين ان البعض الصادق حقا في مواقفه، وجد فيها حلا في بلد متعدد ومتنوع، بعد خمسة عشر عاما من سيادة منهج المحاصصة والطائفية السياسية، او الدولة "الهجينة" التي "لا تهش ولا تنش"، حيث طرح على بساط البحث موضوع اعادة بناء الدولة، كبداية لمشروع متكامل للتغيير والاصلاح الشاملين .

نعم .. مفرح هذه التحول، ولكن علينا ان نميز بين الغث والسمين، خصوصا وان بعض من يرفعون هذه الشعارات قد جُرّبوا في الحكم وهم مساهمون فاعلون في ادارة البلد، بل ولهم حصصهم، كبرت ام صغرت، من مسؤولية ما لحق ببلادنا من ازمات وكوارث ومآس، في مقدمتها اضعاف قدرات الدولة الى الحد الذي سهل لداعش الارهابي ان يحتل مساحات شاسعة من وطننا. وما زلنا ندفع ثمن ذلك في الخسائر البشرية الكبيرة والمعوقين والارامل والنازحين، وفي ضياع فرص التعليم على كثيرين، وفي الدمار التي لحق بالبنى التحتية للمناطق التي وقعت في قبضة داعش، وفي ما ارتكبوه من حماقات وجرائم، وما سببوه من الاضرار الجسيمة التي سيستمر تاثيرها لسنوات طويلة .

البعض الذي تحول بين ليلة وضحاها الى "داعية مدني"، كان قد جُرب،  فهل هي توبة نصوحة ؟ وهل هي استجابة لدروس مستخلصة من الـ 15 سنة الماضية ؟ يبقى المعيار والحكم  في صدق المواقف والسلوك، وفي اقران القول بالفعل .

ودعونا نذكّر بما يكاد يُتفق عليه  بشأن مقومات الدولة المدنية، ونترك للقاريء الكريم ان يدقق في صدقية من يرفع "المدنية" بيرقا له في هذه الايام، وفي موقفه من اسسها. فهناك ما يشبه الاجماع على ان في الدولة المدنية عدة مباديء ينبغي توافرها، فاذا نقص احدها لا تتحقق شروط هذه الدولة.  ومن هذه المباديء :

- انها دولة تقوم على نظام مدني من التسامح والسلام وقبول الاخر والمساواة في الحقوق  والواجبات. وهي تتعامل مع المواطنين باعتبارهم مواطنين ولا تمييز بينهم لاي اعتبار كان .

- وهي في الوقت نفسه تقوم على مبدأ المواطنة في بنائها ، وتضمن حقوق الجميع. وهذه الحقوق مصانة بقوة القانون الذي ترعاه الدولة وتطبقه على الجميع، وليس الافراد او مجاميع معينة ايا كان اسمها. ويشمل ذلك اسناد الوظيفة العامة وفقا لمعايير موحدة ، في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية .

- تقر الدولة المدنية وتؤمّن التعدد الفكري والسياسي والعقائدي، وتضمن خيارات الناس وحرياتهم  .

- وهي دولة مؤسسات وقانون، يخضع الكل فيها لدستور واحد .

- وفيها يتم على نحو واضح الفصل بين صلاحيات السلطات الثلاث وعدم تداخلها، وفصل المؤسسات الدينيية والعشائرية عن المؤسسات السياسية، وتخضع المؤسسة العسكرية فيها للسلطة المدنية المنتخبة، ولا قوة خارج منظومة الدولة، التي هي من يحتكر السلاح .

- وهي تقوم على منظومة ديمقراطية متكاملة، وعلى نهج وآلية وممارسات، بعيدا عن الانتقائية، تؤمن التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات تتسم بقدر كبير من الشفافية والصدقية، ولا دولة مدنية حقة من دون ديمقراطية .

- ولا معنى للدولة المدنية من دون قدر معقول من العدالة الاجتماعية، بما يضمن الحياة الحرة الكريمة لجميع المواطنين

فاين البعض من هذا وغيره ؟