اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

رسالة مفتوحة من نينوس آحو إلى أبرم شبيرا -//- بقلم: آدم دانيال هومه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

بقلم: آدم دانيال هومه

سدني- استراليا

رسالة مفتوحة من نينوس آحو إلى أبرم شبيرا

مساء البارحة، وفي الهزيع الأخير من الليل، وأنا بين اليقظة والحلم رأيت نينوس آحو مقبلا على جواده السماوي المطهّم. وهو يرتدي حلّة الملائكة، وفي يده صولجان الملوكية، وعلى جبينه وشم الإله آشور المتلألئ. ناولني الرسالة التالية وأوصاني أن أضع عليها اللمسات الأخيرة وأسلمها للمرسل إليه. ثم مضى من حيث أتى كلمح البصر.

الأخ أبرم شبيرا الموقر

تحية آشورية صادقة.

بداية لابد أن ألفت انتباهك إلى أن الكتابة رسالة مقدسة، ومسؤولية أخلاقية، وخاصة إذا كانت تمس حوادث ووقائع تاريخية أسدل الزمن عليها سدوله، ولم تدوّن من قبل أولئك الذين عايشوا تلك الوقائع والأحداث بحذافيرها، أو كانوا شهودا عيانا عليها.

يبدو لي، من خلال تناولك للأحداث والتنظيمات السياسة الآشورية، بأنك لاتني تدلي بدلوك في كل بئر سحيقة ليس لها قرار. ولكن، للأسف الشديد، تستقي معلوماتك من مصادر مشكوك بأمرها أو مضللة تجعلك تحرث في الرمال المتحركة، ويشتط بك الخيال في متاهات الأوهام في كل موضوع تتناوله، وتوحي للقارئ البسيط بأن لك مساهمات فعالة في تأسيس جميع التنظيمات السياسية الآشورية في جميع أصقاع الأرض بما لك من ارتباطات صداقات وطيدة مع أغلب الكوادر القيادية لتلك التنظيمات على الرغم من أنك أعلنت، مرارا وتكرارا، بأنك لم تنتمِ إلى أي تنظيم سياسي، وغفلت أو تغافلت عن ذكر الأسباب والمسببات التي حالت دون ذلك رغم ما تبديه، في كتاباتك، من مشاعر قومية ووطنية عارمة وجياشة لحد الإفراط.

يقول ريتشارد فينمان: (المهم هو أن تعطي كل المعلومات لتساعد الآخرين ليحكموا على القيمة التي قدمتها لهم وليس أن تقدم المعلومات التي تجعلهم يحكمون في اتجاه محدد).

ففي جميع مقالاتك حول المنظمة الآشورية الديمقراطية، على سبيل المثال، تؤكد بيقين، وبشكل جازم بأنها قامت على أكتاف أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية كأنك كنت واحدا منهم وأنت الخبير النحرير الذي يكشف عوالم الغيب. وتضيف في مقالتك تحت عنوان: (الذكرى ألـ (56) لتأسيسها: القومية والطائفية في فكر المنظمة الأثورية الديموقراطية (مطكستا) قائلا:

(فمطكستا ليست من بنات أفكار مؤسسيها ولا نتاج قرار أتخذ من قبلهم، بل تأسست فكريا قبل أن تتأسس تنظيمياً في الخامسة عشر من تموز عام 1957، فهي المحصلة الفكرية التاريخية لعقود طويلة من نضال الآشوريين وأفكار رواد الفكر القومي الآشوري وعبر سلسلة طويلة من النشاطات القومية تمتد من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مبتدئة بأسماء عظماء أمثال يوسف بيت هربوت (هو آشور يوسف دخربوت وليس بيت هربوت) وبرصوم بيرلي ونعوم فائق وفريد نزها وسنحاريب بالي وتنتهي عند حنا عبدلكي وشكري جرموكلي وغيرهم الذين أسسوا رسمياً هذه المنظمة).

أقول لك بكل صدق وصراحة: هذه مجرد فذلكة إنشائية لاترتقي إلى مستوى التحليل السياسي الرصين، ومجرد هراء لاأساس له من الصحة على أرض الواقع. فأفيدك علما، ولعلك تُصاب إزاءها بإهباط فكري، بأن جميع مؤسسي المنظمة الآشورية الديمقراطية كانوا جميعا من أتباع الكنيسة الشرقية الآشورية باستثناء واحد منهم هو (سعيد رزق الله المعروف حاليا باسم سعيد قرياقس) كان من أتباع الكنيسة الكلدانية، وقد تتلمذ على يد الأب الآشوري المناضل (بولص بيداري) الذي كان، يومذاك، راعيا للكنيسة الكلدانية في القامشلي. وأؤكد لك بأن جميع اولئك المؤسسين الأوائل لم يعرفوا أو يتعرفوا على شكري جرموكلي أو حنا عبدلكي يومذاك، ولم يسمعوا باسم نعوم فائق أو غيره من أصحاب الأسماء المذكورة آنفا على الإطلاق مع تقديري واحترامي واعتزازي بجميعهم وتقديسي لعطاءاتهم القومية. ولكن الاسماء التي كانت تتردد على مسامعهم، حينذاك، كانت (الشهيد مار بنيامين، آغا بطرس، مار إيشاي شمعون، مالك ياقو، مالك لوكو، ومالك خوشابا ناهيك عن تغلات فلاسر، سركون، سنحاريب، أسرحدون، آشور بانيبال، ونبوخذنصّر). هؤلاء كانوا روادهم القوميين وقدوتهم في العمل القومي، إضافة إلى آبائهم الأبطال الميامين الذين دحروا الجيش العراقي على مشارف ديره بون ومرّغوا جباه وزراء الملك فيصل الأول وقادة جيشه في الوحل، وبعثوا الرعب في قلوبهم وأوصالهم. وكذلك كانت حافزهم القومي أمهاتهم اللبوءات اللواتي خرجن من جرن معمودية الدم إثر مذبحة سيميل الرهيبة وهن مفعمات بالمشاعر القومية الفطرية التي أرضعوها لأبنائهن ممزوجة بحليب الأمومة. وإليك اسماء مؤسسي المنظمة الحقيقيين، ولازال جميعهم أحياء يرزقون باستثناء المرحوم (جورج يونان) المسؤول والعقل المفكر الذي توفي إثر حادث مرور في لبنان عام 1967م. ويُشاع بأنه كان حادثا مدبّرا.

جورج يونان. (كان موظفا في البنك العقاري)

شليمون بريخا. (كان في الصف التاسع. حاليا في شيكاغو- الولايات المتحدة الأمريكية).

سعيد رزق الله. (كان في الصف الثامن. حاليا في شيكاغو- الولايات المتحدة الأمريكية).

لوكو شموئيل. (كان في الصف الثامن. حاليا في شيكاغو- الولايات المتحدة الأمريكية).

دافيد زوزو. (كان في الصف الثامن. حاليا في الحسكة- سوريا).

زكريا يونان. (كان في الصف الثامن. حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية).

وليم قمبر. (كان في الصف السابع. حاليا في مدينة القامشلي- سوريا).

آدم دانيال هومه. (كان في الصف السادس. حاليا في سدني- استراليا).

وتتساءل وتجيب في الوقت ذاته:

لماذا تسمت مطكستا بالتسمية الآثورية وليس بالآشورية أو السريانية أو الكلدانية أو الأرامية أو بالتسميات الحضارية المتعددة لأمتنا؟؟ سؤال وجيه ومنطقي للذين ليس لهم إلمام بتاريخ تأسيس مطكستا وفهمهم للتسميات المتعدد لأمتنا ولكن في نفس الوقت الجواب بسيط لمن يلم بتاريخ هذه المنظمة والخلفية الفكرية والتاريخية لها. أن مؤسسي مطكستا ومعظم أعضاءها هم أبناء وأحفاد آشور بيت هربوت ونعوم فائق وفريد نزها وغيرهم من رواد الفكر القومي في مجتمعنا. كان هؤلاء جميعاً يستعملون التسمية الأثورية في عملهم القومي منطلقين من كونها تسمية تاريخية حضارية لأمتنا وقد ورثوا الأبناء والأحفاء هذه التسمية من أجدادهم وأستعملوها كهوية قومية لهم. ولكن أستعمالها لم يكن في نطاق ضيق ومشدد وبأصرار على التمسك المطلق بها دون غيرها من التسميات الأخرى لأمتنا. فمنذ الرواد الأوائل وخاصة نعوم فائق وفريد نزها نرى بأنهم كانوا وعلى الدوام يستخدمون تسميات مركبة لأمتنا كقولهم "الأمة الكلدانية السريانية الآشورية" وأحياناً الأمة السريانية الأرامية الآشورية

أقول لك بكل صدق: هذا مجرد تحليل حبصوني (نسبة إلى حبصونو) لايمت إلى الحقيقة بصلة. فالمنظمة تأسست بالحقيقة في الرابع عشر من تشرين الأول عام 1958. ولكن في الاجتماع الأول اقترح المرحوم جورج يونان بأن يكون الخامس عشر من تموز عام  1957م هو يوم التأسيس، لالشيء وإنما لإعطائها قدما زمنيا لاغير. كما اقترح، أيضا، بأن يكون اسم التنظيم الجديد (الفجر المنبثق) ولكن بعد نقاشات بين المؤسسين استقر الرأي على اسم (المنظمة الآشورية) وأضيفت عليها في السنوات التالية كلمة (الديمقراطية). ولكن بعد انتساب الإخوة جورج سولومون، المرحوم صليبا ايليو، وشوكت أفرام، وحنا موسى، والثلاثة الأخيرين من أتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. ارتأوا بأنهم عن طريق (التسمية الآثورية) يستطيعون أن يتوغلوا بين أبناء الكنيسة السريانية لأنها أكثر قبولا من (التسمية الآشورية) لأن الآشورية مقرونة لدى الغالبية منهم بالنسطورية. لذلك وافق الجميع على هذا الطرح علما بانهم كانوا يدركون جيدا بأنه لدى استعمالنا لغتنا الأم فلا فرق، إطلاقا، بين التسميتين. أما كلمتي السريانية والكلدانية فلم ترد إطلاقا في قاموس المنظمة إلا في السنوات الأخيرة، لأنهما كانتا في مفهوم جميع قيادات وقواعد المنظمة ومؤازريها مجرد تسميتين مذهبيتين، ولم تردا في جميع أدبيات وفعاليات المنظمة إلا ضمن قوسين كأي تسمية مذهبية أو عشائرية. ولكن في السبعينات تفاقم الخلاف حول تسمية (المنظمة الآثورية) و (اللغة السريانية). وفي المؤتمر الثالث للمنظمة المنعقد عام 1976 قرر المؤتمرون بالإجماع اعتماد التسمية الآشورية للشعب وللمنظمة وللغة، ولكن لم يطبق القرار، لأسباب لسنا بصددها في هذا المجال، ما أدى ذلك إلى الشرخ العظيم في هيكلية المنظمة الذي تمخض عنه ولادة الحزب الآشوري الديمقراطي.

وتضيف: وهكذا حيث كانوا يعرفون بأن هذا التعدد في التسميات التاريخية والحضارية هو إغناء لحضارة وتاريخ وواقع أمتنا. وجرياً على أفكار هؤلاء الرواد لم يكن لمطكستا تعصباً مشدداً للتسمية الأثورية بل كانوا يجدون في كل التسميات إضافات حضارية وفكرية لنشاطاتهم القومية ولا يتعصبون لهذه التسمية أو تلك. وما مشاركتهم الفعالة في مؤتمر بغداد عام 2003 وتبنيه التسمية المركبة لأمتنا إلا دليل على ذلك.

هذا هو تحليلك وتفكيرك الشخصي ليس إلا. فهناك عدد من المفكرين الأوائل استعملوا في جميع كتاباتهم وطروحاتهم التسمية الآشورية فقط لأنهمم كانوا يستوعبون التاريخ والواقعجيدا، وهم شهيد الصحافة الآشورية البروفيسور آشور يوسف دخربوت، الدكتور فريدون آتورايا، الأديب الألمعي بنيامين أرسانيس، والبطريرك مار إيشاي شمعون. أما الآخرون فلم يستقروا على قرار، وأظهروا جميع هذه التسميات على السطح وفي مقدمتهم نعوم فائق وأدّي شير لذلك اختلط الحابل بالنابل وتشظت انتماءات الأجيال ما بعدهما. أما مشاركة المنظمة في مؤتمر بغداد عام 2003 فهي القشة التي قصمت ظهر البعير، وظهر الانحراف جليا على جميع المستويات أمام منتسبي ومؤازري المنظمة بشكل خاص وأمام المجتمع الآشوري بشكل عام. والدليل أنه بعد مؤتمر بغداد المشؤوم بدأت تنبثق من الغيب الأحزاب الطائفية كالحزب الكلداني الديمقراطي الذي ولد بعملية قيصرية من مؤخرة الحزب الكردستاني الديمقراطي، والاتحاد العالمي للكتاب الكلدان ذوي الخلفيات البعثية والشيوعية، المنبر الديمقراطي الكلداني،المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري،المجلس القومي الكلداني، حركة تجمع السريان المستقل، الاتحاد السرياني، والتنظيم الأرامي. والحبل على الجرار، ناهيك عن المؤسسات الطائفية والعشائرية والمناطقية. وهكذا ضاع الخيط والعصفور. وهذا ماكان يتمناه ويبتغيه أعداء هذه الأمة، وسعوا إلى تطبيقه بشتى الوسائل والسبل، وحققناه لهم مجانا، هذا ما ظهر للعيان أما في الخفاء فالله أعلم. أفيدك علما بأنه في أوائل عام 1977 كنا في زيارة إلى المطران (البطريرك فيما بعد) مار روفائيل بيداويد في لبنان، (البروفيسور الأب باسيل عاكولة حاليا محاضر في جامعة السوربون، الدكتور المحامي جوزيف أحمر رئيس الرابطة السريانية يومذاك، وكاتب هذه السطور). وبعد حديث مستفيض عن الأمور القومية تحدث المطران بيداويد قائلا: بصراحة، أنا فاقد الأمل كليا بعد اغتيال مار إيشاي شمعون لأنه كان القائد الوحيد الذي اجتمعت حوله الأمة بجميع طوائفها، ومن المحال أن تجد قائدا آخر يسد الفراغ الذي تركه، وحتى إن وجد ذلك القائد فمن المستحيل أن تؤيده وتقف وراءه كل طوائف شعبنا. ثم أضاف قائلا: فأنا، شخصيا، لم أجد أذكى وأشجع منه في حياتي كلها. تصوروا أنه حين أراد لقاء صدام حسين، وكان يومها نائبا للرئيس، ومار شمعون يعرف جيدا بأنه هو رئيس العراق الفعلي. اصطحبنا أنا، مطران الكنيسة الكلدانية، والمطران مار زكا عيواص مطران الكنيسة السريانية الأرثوذكسية (البطريرك الحالي)، ولم يصطحب معه أي مطران من الكنيسة الشرقية وذلك ليوحي ويبيّن للقيادة العراقية بأننا شعب واحد يتبع عدة مذاهب كنسية. لذك اعترفت به الحكومة العراقية كقائد للأمة الآشورية بجميع طوائفها. هذا من ناحية الذكاء. أما من ناحية الشجاعة فتصورا أن صدام حسين ناوله ورقة مكتوبة فبعد أن قرأها البطريرك، رماها في وجه صدام وقال له بالحرف الواحد: لوكنت أقبل بهذه الشروط لكنت قبلت بها عام 1933. وكنا أنا ومار زكا نختلس النظرات ونغوص في كرسيينا هلعا لأننا كنا على يقين بأن صدام، وبما عرف عنه من إجرام، من المستحيل أن يغض الطرف عن هذه الإهانة. أفهل عرفت الآن أيها الأخ الكريم ماذا ينتج عن إطلاق عدة تسميات على شعب واحد. أنا سأقول لك: باستخدامك التسمية الكلدانية تمنح عدوك الحق المطلق، وعن سابق تصميم وإصرار، بأن يقول لك: احمل أغراضك وانقلع من هنا فهذه ليست أرضك، وإنما أرضك هنالك على ساحل الخليج الفارسي. وباستخدامك التسمية السريانية تقطع جميع جذورك وأوصالك من عمق أعماق الأرض والتاريخ، وتصبح كالشجرة التي ليس لها جذور في الأرض فيسهل اقتلاعها بأيسر السبل، ويحق لأحد الملالي وما أكثرهم أن يقول لك: بما أنك سرياني أي مسيحي فانقلع من هنا واذهب إلى إخوانك المسيحيين في الغرب لأنه غير مرغوب بك بين المسلمين. أما اذا استخدمت التسمية الآشورية فقط لاغير فهذا يعني أنك تملك سند التمليك بالأرض والسماء والتاريخ والحضارة مختوما وموقعا ومشهودا عليه من العالم كله، ومن الأعداء قبل الأصدقاء. آنذاك تكون أنت صاحب البيت والآخرون ضيوف طفيليون غير مرغوب بهم. وعدوك يعرف هذا جيدا، وأنت غافل عنه، لذلك تراه يقبل بالتسميتين الكلدانية والسريانية عن طيب خاطر. لا، بل يعمل المستحيل على ترسيخهما. وفي الوقت ذاته يعمل المستحيل لمحو الآشورية من القاموس ليتسنى له سحب الأرض من تحت قدميك، ومعاملتك كلاجئ تعيش تحت رحمته متى ما أراد سيرميك في مزبلة التاريخ وينفض يديه منك.

وفي مقال تحت عنوان: (الخامس عشر من تموز... ولادة مطكستا وموت شاعرها الكبير نينوس آحو). العنوان أقل مايقال عنه أنه خالٍ من أية ذرّة احترام لشاعر ومناضل بمستوى نينوس آحو، وبالأصح تافه إلى حد السخافة. فنينوس لم يمت فهو خالد خلود اسم آشور، والأموت هم المنافقون والانتهازيون والبهلوانيون القوميون الذين لهم في كل عرس قرص، يقولون عكس مايفعلون، ويسيرون خبط عشواء، أبصارهم مفتوحة وبصائرهم عمياء لايشعرون بما يحدث من حولهم وتحت أقدامهم. ثم تضيف، بناء على أقوال من هنا ومن هناك، وبدون دراسة وتمحيص: منذ البداية أرتبط وتحديداً في عام 1960 بالمنظمة الآثورية الديموقراطية (مكستا) وهو لم يتجاوز الخامسة عشر (والصحيح الخامسة عشرة) من عمره.

فلنكن منصفين بحق نينوس، وبحق التاريخ، وبحق أجيالنا الآشورية القادمة. فقد انتسب نينوس إلى المنظمة الآشورية الديمقراطية أواخر عام 1962م. وإذا كنت في شك من ذلك فما عليك إلا الاستفسار من الأخ (موشي ميرزا المقيم حاليا في شيكاغو) فهو الذي قام بتنظيمه وعنده الخبر اليقين.

ثم تقول: فكان من أقرب الأصدقاء والناشطين للإتحاد الآشوري العالمي وللحركة الديموقراطية الآشورية إضافة إلى علاقته الرفاقيه مع مطكستا ومع جميع القوميين والمثقفين.

أقول لك بصدق: لم يكن نينوس صديقا للاتحاد الآشوري العالمي فحسب وإنما كان عضوا فعالا في لجنته التنفيذية في السبعينات، وظل عضوا في الاتحاد حتى عام 1988. وبقي صديقا ومقربا جدا من قيادة الاتحاد حتى رحيله، وخير دليل على ذلك دعوته بصفة رسمية بمناسبة إزاحة الستارعن نصب تمثال المذابح الجماعية الاشورية في سدني 2010. ثم دعوته، ثانية، وبصفة رسمية، أيضا، إلى مؤتمر الاتحاد الآشوري العالمي المنعقد في ايرانفي شهر تشرين الأول عام 2011.

أما أنه كان من أقرب الأصدقاء إلى الحركة الديمقراطية الآشورية فنعم، ولكن في بداياتها الأولى وإسوة بكل المثقفين القوميين الشرفاء. ولكن بعد مؤتمر بغداد المشؤوم الذي تمخض عن مؤامرة التسمية المركبة والهجينة فقد تغير كل شيء، وكان نينوس على رأس مناهضي نهج الحركة والمنظمة معا. وقد قال لي مرارا وتكرارا، وهو ينهال بالسباب من النوع الثقيل كعادته في ساعة غضبه: (علينا أن نعيد تقييمنا لكل الذين عملنا معهم طوال السنين الماضية لأن معظمهم قد انحرف عن المسار الصحيح).

لقد تعرفت على شهيد الأمة الآشورية نينوس آحو (عبد المسح آحو سابقا) في بدايات عام 1959 في مدينة القامشلي حيث كنا نقطن في حارة واحد هي (الحارة الغربية) وفي صف واحد (السادس الابتدائي) وفي مدرستين مختلفتين هو في ثانوية العروبة التابعة لوزارة التربية، وأنا في اعدادية النهضة التابعة لكنيسة مار يعقوب للسريان الأرثوذكس. وقد توطدت صداقتنا بعد انضمامه إلى المنظمة. وبعد حصولنا على شهادة الكفاءة معا، انتقلت للدراسة في مدينة الحسكة وبقي نينوس في القامشلي، ولكن الاتصال لم ينقطع بيننا. ففي مدينة الحسكة، وفي بداية السنة الدراسية، وفي الاجتماع الأول الذي ضم أكثر من أربعين عضوا تم انتخاب قيادة لمنطقة الحسكة من الإخوة يعقوب جلو(حاليا دكتور في مدينة القامشلي- سوريا)، يونان شليمون (حاليا في المانيا)، آدم هومه (حاليا في استراليا) والثلاثة كانوا في الصف العاشر في ثانوية نور الدين الشهيد. إضافة إلى المرحوم يوسف القس(كان في الصف الثاني – دار المعلمين، وتوفي السويد)، ونعيم زيتون (انتسب إلى حزب البعث وصار نقيبا للمعلمين في محافظة الجزيرة). وكان المنظمون خليطا من كل طوائف شعبنا بدون استثناء، وغالبيتهم من قرى الخابور، ومن القامشلي وديرك وتوابعهما وخاصة اولئك الذين كانوا يدرسون في دار المعلمين في الحسكة كونه المعهد الوحيد في كل المحافظة يومذاك.

لقد فرق الدهر بيننا حين سافر نينوس بصحبة كل من جورج سولومون، وجان كردوسلي، والمرحوم صليبا ايليو لحضور مؤتمر الاتحاد الآشوري العالمي في المانيا، ومن هناك تابعوا رحلتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية واستقروا فيها. والتقينا ثانية عام 1974 في لبنان حيث كنا، رياض نصرالله ويعقوب ماروكي وأنا في مهمة إلى لبنان وكان هو قادما من أمريكا.

في المؤتمر الثالث للمنظمة الآشورية الديمقراطية المنعقد في آب 1976 قرر المؤتمرون بالاجماع تكليفنا نينوس وأنا لتمثيل المنظمة في لبنان ولكنه، للأسف الشديد، لم يحضر لأسباب شرحها لي، فيما بعد، بالتفصيل ولامجال للخوض فيها في هذه العجالة. وبعد قدومي إلى استراليا، وعودته من سوريا إلى أمريكا، إثر إصابته بمرض عضال ، لم يمر شهر على الأكثر من دون أن أخابره أو يخابرني لنعاود شريط الذكريات وما آل إليه رفاق الدرب الطويل، وما آلت إليه تنظيماتنا السياسية. وآخر مخابرة جرت بيننا بعد استيقاظه من السبات الطويل قبل رحيله بأسبوع. وتحدثنا قرابة الساعتين. وكان كعادته مفعما بالأمل ويخطط لأكثر من خمسين عاما مقبلة. فقلت له مازحا: نينوس!... أتظننا في العشرينات من العمر. فقال بإصرار: علينا أن لانقطع الأمل. أنسيت وعد أمي؟. قلت لك مرارا بأنها كانت، رحمها الله، تؤكد لي دائما بأن (آتور) ستقوم عام 2050م. فقلت له: وكيف لي أن أنسى. كيف لاتستطيع أن تقوم وهي نائمة؟ فالمسيح قد قام من بين الأموات؟ فجلجلت ضحكته عبر الهاتف وقال بعد مسبّة من العيار الخفيف: حتى في أحلك الظروف لاتكف عن المزاح. ولم أدرِ بأن أحلك الظروف التي كان يقصدها هو فراقنا الأبدي.

في اليوم التالي اتصلت به، وسمعت صوتا يقول: هالو. فقلت مازحا: نينوس! أظن أنك اليوم أحسن بكثير. فأجاب الصوت: (ملفونو، أونو أنليل. والدي فد دخل اليوم، ثانية، في السبات. كفاه عذابا. فلندعه يستريح). فتجمدت الكلمات على لساني، ولم أنبس ببنت شفة. ورأيت، من خلال الدموع، طيف نينوس وهو يحلق في الآفاق فوق أجنحة الثور المجنح إلى السموات العلى حيث يتربع آشور على عرش مجده فاتحا ذراعية لاحتضانه.

عزيزي الأخ أبرم!

أقولها بالمقشّر وبدون مواربة: لقد ساهمتم، إلى جانب العديد من المثقين الآشوريين سابقا، و(السركلدوشيين حاليا) بتشويه معالم هذه الأمة المنكوبة بما فيه الكفاية. فبالله عليكم دعوا المناضلين الشرفاء الأتقياء يرقدون في قبورهم بسلام. وأنصح كل مناضل دونكيشوتي، وكل متذبذب يحاول ستر عوراته الفكرية بادعاء صداقة نينوس الابتعاد عن شمس نينوس المقدسة لأن أشعتها الساطعة ستحرق كل الفراشات المتلونة، ولأن أكره ماكان يكرهه نينوس هم ذوو الأفكار الحلزونية والمواقف الزئبقية. فنينوس لم يكن، في يوم من الأيام، سوريا أو سريانيا أو سركلدوشيا على الاطلاق. وإنما شاعرا وقوميا آشوريا بامتياز، ولكل الآشوريين في أصقاع الأرض من أتباع كل المذاهب الكنسية والمناطقية بدون تمييز. وسيظل قدوة ومثالا للأجيال الآشورية القادمة على مر العصور. لم يرضخ، يوما، للظروف وللواقع متذرعا بأن يده تحت الحجر. بقي كما كان شامخا مثل قمم جبال آشور، ورحل واقفا ولم يطأطئ هامته للموت، فهو كطائر الفينيق حيث يذهب كل ألف عام إلى أعلى شجرة تصل السماء وهناك يحترق ويولد من جديد. فوداعا نينوس، أيها الملك الآشوري غير المتوّج، وإلى اللقاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

آدم دانيال هومه

سدني- استراليا

2013/07/23

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.