كـتـاب ألموقع

صهيل الحروف// آدم دانيال هومه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

صهيل الحروف

آدم دانيال هومه

 

يعاتبني الأقحوانُ الجريحُ لأني مللتُ ظروفَ الحياةِ على شاطئ النهرِ بينَ نباحِ كلابِ البراري وبينَ عواءِ ذئابِ البوادي، وغادرتُ مهدَ الطفولةِ قسراً لأني أريدُ لأطفاليَ عشاً يقيهم شرور الضواري

وغزو الجراد

سمومَ أحاديثِ مُسلمَ والبخاري.

 

إذا كانإله الكون فاشلا لا يتقن فن الخلق

وديكتاتوراً لا يستشير أحدا

فمنذ البدء

وهو يندم ويستشاط غيظاً بعد كل قرار يتخذه

لتتحمل البشرية جرائر أخطائه

وملائكته لا تحفظ الصلوات عن ظهر قلب

ويتمرد بعضها على خالقه

وأنبياؤه ينزّلون الأحكام والشرائع على مزاجهم

لتتخبط الإنسانية بين الآيات المحكمات

والآيات المتشابهات

فما على الإنسان إلا أن ينتخب إلهه ديمقراطيا

ويرغمه على أن يستمد جميع صلاحياته من قبل الشعب

شريطة أن يستقيل لدى بلوغه الثامنة عشرة من عمره.

 

الله الذي رأيت وجهه لأول مرّة

وهو واقف على شاطئ الفجر يبتسم لي

وأنا أعبر برزخ الغيب إلى الوجود

لم ألتقِ به في هذا العالم قط

لا... بل التقيت بأولياء أموره

والناطقين باسمه

وهم يصومون علانية

ويفطرون في الخفاء

ويصلون على قارعة الطرقات

وفي الحدائق العامة والمنتزهات

ويخطبون من فوق المنابر عن معاناة الفقراء

مبشّرين إياهم بجنّات تجري من تحتها الأنهار

في السموات العلى

ولكنهم حين يتلقون الدعوات إلى موائد الأثرياء

لا يتحدثون إلا عن المال والبنين

زينة الحياة الدنيا.

 

بمدافع الحروف أدكّ مداميك السماء

وأفتح في الأرض باباً على السؤال الكبير

لتنبت للأجيال أجنحة مطرّزة بشِباك سحرية

يصطادون الآلهة الخارجة عن نواميس الطبيعة

ويكتبون للإنسانية ملحمة تكوين جديدة. 

 

وطني...

أصوغ من صلصالك ثماثيل الشعر والحب والجنون

وأحط رحالي على رصيف أحزانك

أشرب نخب ذلك الهابط من الأرض إلى السماء

الذي سماه والده بكل فخر(سركون... بولص)

أول إنسان من المحيط إلى الخليج

استطاع أن يجسّد آلامك في كلمات مجنّحة

تشرئب بأعناقها من نوافذ السجون المظلمة.

 

يا وطني!...

في هذا الشرق المتخم بالأنبياءالذين يفترون على الله

ويصبغون شواربهم بدماء الملائكة

اسمك يوقظ القلب من رقدته من بين ركام الأمنيات

ويبعث الفكر من غفوته بين أطلال الذكريات.

 

أضفر جدائل البرق على إيقاع الرعد

لأضعه إكليلا على هامة الشعراء

الذين يقودون المظاهرات ضد هيمنة الأوهام السماوية

ويحطمون أصنام الأنبياء الكذبة والدجالين

الذين يشيدون بيوتاً للدعارة 

باسم الله.

 

أيها الأنتن من عشيق الخنفساء

أجل! النهر جفت مياهه

ولكنه لم يزل في مكانه لم... ولن يهاجر.

 

لم تزل أيام الطفولة بين ربوع قريتي السليبة

تتلألأ على جدران ذاكرتي

قريتي المطرّزة بقوس قزح ... وتغاريد الطيور

كانت أشبه بفراشة تتبرّج بمساحيق ندى الفجر

قبل أن يداهمها الهابطون من الجحيم

جلست أراقبها قبيل غروب الشمس

من خلف التلال... وأبكي

كانت محجّبة تُزف إلى عريس أشبه بقرد ملتحٍ

يشرب نخبها كأسا من بول البعير

ويتمزّز بالأبعار

وهي تبحث بعينيها الدامعتين من تحت النقاب

عن حبيبها الذي عصفت به رياح الصحراء.

 

عشتار!...

متى سيبزغ الفجر من بين نهديك؟

إننا بمسيس الحاجة إليك في هذا الظلام الدامس

لتعيدي للشمس رونقها

وللأرض عذريتها وجمالها وأناقتها

أين جلجامش الذي كان يقضي طفولته بمداعبة الأسود

وامتطاء صهوات النسور؟

أيقظي دوموزي الغافي بين ذراعي أريشكيكال

ليحلق لحية الفرات

ويمشّط شعر دجلة

ويعيد للخابور وسامته

ونضارته

وعنفوانه

وجلاله

وللملائكة ثياب عريها

وأجنحتها المكسورة.

 

مشردون على جليد الليل في جحيم الشرق

يتأجج في نظراتهم نار ودخان مدافئ الحطب القديمة

التي آنسوها في قراهم البسيطة الرافلة بالأمن والهناء.

 

رغم تحطيم كل تماثيل الآلهة

ونبش قبور الأموات الذين لا زالوا على قيد الحياة

سيطل آشور المعز والمذل من عليائه

ليمسّد جراح المعذبين والمشردين في الأرض

وسيصطاد الأشرار بشِباكه السحرية

وستلوح عشتار في الآفاق بأبهى تجلياتها

وهي تمخر عباب الأزمنة والعصور

في زورقها السماوي

تراقب أبناءها البررة وهم يؤخذون بحدّ السيف

فتومئ إلى دوموزي

أن يمزّق حجب الحوريات العاهرات الواقفات صفوفاً

بدون حياء

لاستقبال المجاهدين في سبيل الله.

 

غداً سينحدر آشور المهيمن القدّوس

ساطعاً من قرص الشمس

ليتجسّد ثانية في نينوى

ويحط رحاله في بابل

وفي غمرة نشوته الروحية

يفتح باب منجمه الإلهي أمام فقراء العالم قاطبة

ليدخل البشر أجمعين في رحاب رعايته

فيلهج لسانهم بإسمائه الخمسين

ويذكرون نعمته عليهم أبدا

حين يستأصل شأفة الأعداء

ويقطع دابرهم

ويعيد للأشياء اسمائها الأصلية

ويأمر غيمة جذلى

أن تسكب دموعها الطاهرة على الرمال المتحركة

آنذاك...

ستطير العصافير من كل الأقاليم

لتحط في ربوعنا الطافحة بأشعة الشمس

وأنسام الفجر المشعشعة بالحب والسلام

ولتحلق عاليا

وترفرف فوق زقورة أور باطمئنان وأمان.

 

قصائدي تلهج باسمك

تتفتح شقائق النعمان على شفتيك

وفوق أنقاض البيوت المدمّرة

وبين الحدائق والجنائن المستباحة

ومن سكون ذلك الصرح المقدس

ومع صمت رياح تحوم حول القرى الخاوية

يتراود لسمعي صوت خفي خافت بالكاد أسمعه

أو أنني أتخيل سماعه... قائلا:

(كانوا هنا... وقد رحّلوا).