كـتـاب ألموقع

شرعية الدولة والمهمة المستحيلة// د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

 

 

الموقع الفرعي للكاتب

شرعية الدولة والمهمة المستحيلة

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

 

بقى الشيعة الاثنى عشرية تاريخيا وفقهيا ولقرون طويلة ما عدا فترة الحكم الصفوي ينظرون باحتقار الى الدولة والسعي الى السلطة واعتبروا تحقيق وجودهم يتجسد في انتظار المهدي المنتظر. واختلقوا العديد من الروايات كما اختلق من قبلهم الفكر الاموي ولاحقاً فكر السنة والجماعة العديد من الاحاديث التي تبرر سلوكهم السياسي. أعتبروا في روايتهم المنسوبة الى ائمتهم، إن اي راية ترفع قبل ظهور المهدي هي راية ظلالاً وكفروا اي مسعى باتجاه النضال من اجل السلطة في عصر الغيبة. تبلور  الفكر السياسي الشيعي، بالذات حول الدولة، في فترة متاخرة ولاحقة، قياساً للفكر السياسي الاموي او السني لاحقا (اهل السنة والجماعة هم شيعة بالاصل- أنظر مقالتي المنشورة - عراق بدون سنة- ). كان فكراً موازياً له او ردة فعلاً له.  كان فكر الامويين ولاحقا العباسيين يقوم على تاويلهم للقران باطاعة الله والرسول وولي الامر ولو جاء بالسيف والغدر وعلى بحور من دماء المسلمين (أنظر مقالتي– قادة الاسلام الشيعي وإمارة المتغلب-)، بينما بقيت الدولة عند الاثنى عشرية  غير شرعية والقائمين عليها غاصبين لحق ولاة أمرهم، هي دولة نواصب، رغم ان مصطلح النواصب اخرج من سياقة التاريخي وجرى تسيسه عبر التاريخ،  في حمى الصراع الطاحن، اضافة للخلافات في تحديد من هم النواصب والموقف منهم. أختلقوا روايات منسوبة لبعض إئمتهم (في جوهرها إساءة لهم) تسمح بسرقة اموال الناصبي وسبيه مقابل دفع الخمس للامام، اضفة لشرعية قتله خلسةً. هم في المحصلة الاخيرة لم يستطيعوا ان يحققوا ذواتهم لقرون طويلة، بل على العكس قدمت فكرة المنتظر اكبرخدمة للسلطات الحاكمة أو من جانب أخر، احرجتهم تاريخيا حينما قدمت خدماتها واضفت شرعيتها على حكام الدولة الصفوية، الذين لم يكونوا يختلفون عن غيرهم من الحكام الامويين والعباسيين والعثمانيين. حتى التطوير الذي جاء متاخراٌ، باختلاق ولاية الفقيه باعتباره مخرجاً لمأزق نظرية الامامة وتحديثاً لها، لم يقود الا الى ظهور نظام ديكتاتوري دموي أغرق شعبه ووطنه الجميل والغني بالماسي والمحن. كانت شرعية الدولة والحكم هي احد المأزق الحقيقية للفكر السياسي الاثنى عشري. تاريخيا كان الشيعة عموما هم حزب المعارضة الاساسي لحكم الاستقراطية العربية، لكنه تحول وبالذات، فكر الاثنى عشرية، وبسب باطنيته وهي جزء من باطنية الفكر الشيعي ولاسباب اخرى، منها العنف الدموي الذي عاناه حزب الشيعة، إضافة لتبنه لاحقا من قبل الدولة الصفوية باعتباره مذهبها الرسمي وتحوله الى سند اساسي لحكم الاستبداد والظلامية. هو بذلك لم يختلف على الاقل في مستواه السياسي عن الفكر السياسي السني.

 

يبقى السؤال حول شرعية الدولة والحكم  فقهياً وسياسياً قائماً أمام أحزاب الاسلام السياسي الشيعي والمرجعيات العقائدية.

 

حاليا تبدوا احزاب الاسلام السياسي الشيعي في العراق، تائهة مثل موسى وقومه في البحث عن شرعية الدولة التي تسعى الى اقامتها او قيادتها. من الركض وراء الفقيه الولي في ايران، الى سلطة ابوية تحت اشراف المرجعية ورجال الدين. أو البحث عن ولايةِ فقيه بلباسِ عراقيِ، او ممهدون لامامِ غائبِ، لا يعرف زمن عودته، أخرون يتصلون بالمهدي المنتظر وغيرهم من هلم جرا، مشطورون بين عالم حقيقي متحرك ومفعم بتناقضاته الصارخة وبين باطنية تمتد الى اعماق الفكر السياسي الشيعي عموما والاثنى عشري خصوصاً، غطت مساحة تقارب 12 قرناً من تاريخه. صراع يتأرجع بين من يمسك الاحزاب وقياداتها التي تريد ابقاء المراجع تحت خميتها وبما يعكس رؤيتها السياسية (منهج حزب الدعوة) أو العكس، اضافة لمن يرى في منهج التخادم والبراغماتيه ، باعتباره افضل الطرق واقصرها والتي حققت بفضله نتائج كبيرة. هذا التخادم وجد طريقه الواضح  حين دعمت مرجعية النجف احزاب الاسلام السياسي الشيعي بما حقق لها الفوز الكبير في انتخابات 2005، لاحقاَ اخذ التخادم مسارات أخرى. كان من الممكن ان يحقق هذا الفوز شرعية الحكم فما لو ارتبط بانجاز مشروع وطني عراقي ينتشل الشعب من سبات الظلام والاذل الذي اوصله الية نظام صدام وبعثه الساقط. لكن الغرق في مستنقع الفساد واللاوطنية والمحاصصة وغيرها، أعاد الى الاذهان شرعية الدولة والحكم، باعتبارها المهمة المستحيلة تحقيقها فقهياً وسياسياً.

 

تبدو الصورة مركبة بشكل كاريكاتيري، حين تجتمع هذه الاحزاب وهي مستندة الى قاعدة عقائدية في تأسيسها ونشاطها داخل قبة البرلمان العراقي الذي تتصدر واجهته الاية القرانية (وامرهم شورى). هو مبدأ يتناقض مع عقائدهم باقامة دولة الامامة العادلة أو دولة الولاية النائبة عن الامام الغائب. لم يكن معيباً ان تلجئ هذه الاحزاب الى اليات الحداثة والديمقراطية لبناء الدولة الحديثة الخادمة والمديرة للمجتمع، لكن مهزلة الوضع حين يكون جسمها وعقلها في الماضي والعقيدة وظلها المشوه في الحاضر. ربما  يكون هذا احد المنطلقات لاسقاطها نتائج الانتخابات الاخيرة، رغم المؤشرات المتنوعة والعديدة على كونها لم تخرج عن نهح الانتخابات السابقة في عدم نزاهتها. لذلك ياتي اصرارها على نظام المحاصصة بحيث يضمن لها أغلبية طائفية واقرارها قانون يعاكس كل ماهو متعارف علية وتقره نظم الديمقراطية الحديثة في تشكيل الكتلة الاكبر، أضافة لاصرارها على ان تكون رئاسة الوزراء شيعية، وبالذات مرتبطة بالاحزاب والقوى المتنفذة والمرتبطة بشكل أو اخر بالهيمنة الايرانية وولايتها.  لا تقلق هذه الاوساط الان وبشكل كبير كما اعتقد رغم الضجة الاعلامية، على إعادة التحالف الشيعي بشكل أو اخر أو تشكيل الكتلة  الاكبر، وربما ستكشف الايام القادمة عن اساليب اكثر خبثاً مما عرفناه سابقاُ لتشكيلها، لكن تبقى حسرتها طويلة على شرعيتها المهزومة فقهياً وسياسياً.

 

هناك قلق اخر وربما يكون أحد المظاهر الجديدة، الذي لم تظهره الاحداث بعد وبشكل واضح، هو البحث عن لا شرعية المعارضة، خاصة فما لو اتجهت اليها سائرون وقوى اخرى، وفي ظل أوضاع مأزومة بشكل لا تحمد عقباه. هي تدرك فشلها وهشاشة مشروعها الوطني الذي كانت تتنقب به وضعف ارادتها الوطنية وعمق الفساد والعنف الذي اصبح جزءاً عضويا من تركيبها، لذلك تخشى هذه القوى اية معارضة وطنية صادقة مهما كان حجمها، هذا الحجم والفعل الذي يمكن ان يتغير بسبب عمق الازمة وامكانية تفجرها بشكل أو أخر وخارج حسابات المنتفذين.

 

يبدو أن الاستخارة غير قادرة على تأمين النجاح لمشروع المرجعية الدينية الشيعية باعتيارها الفئة العقلانية من الاليغارشية المالية (البيوت المالية) العراقية (أنظر مقالتي- أفكار حول بنية السلطة في العراق- )، باقامة نظام تُمثل فيه كل الاطراف وليكن ابوياً كما يحلو للبعض ان يطلق عليه هذا الاسم،  في استعادة شرعية الحكم فقهيا وسياسياً وعملياً، حتى ولو كانت بشكلها البائس وفي حفظ التوازنات والاستمرار بسياسية التثويل ومسخ العقل واستمرار نكبة العراقيين.

 

قوى الاسلام السياسي الشيعي المدججة بالمال والسلاح والغارقة في الفساد وإحتقار مطاليب الشعب في حياة كريمة ووطن أمن والمدعومة ايرنياً، تبقى بحاجة لغطاء عقائدي/ سياسي لتبرير منهجها الحالي، وستبقى عاجزة عن تحقيق المهمة المستحيلة في ضوء عقائدها في تجسيد شرعية الدولة التي تسعى اليها، ولسبب يبدوا بسيط جدا ولكنه يشكل جوهر المشكلة وهو إنها مهمة تقع خارج التاريخ.