كـتـاب ألموقع

انتحار شجرة الليمون!// حسين السنيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين السنيد

 

عرض صفحة الكاتب

انتحار شجرة الليمون!

حسين السنيد

 

قالت لي بصوت متهدج يكاد لايسمع وكأنه يصل لاذني من الازمنة البعيدة وعيون  بدأت تفقد بريق الحياة كمرآة قديمة متفطرة: يا ابنتي.. آخر وصيتي ان تزرعي على قبري الورود،بكل الوانها واشكالها, لااريد لقبري ان يكون موحشا فانام شبحا مخيفا فيه ,اريده ان يصبح روضة جميلة زاهية الالوان فاكون فيه طفلة شقراء جميلة.

هذه كانت آخر كلمات امي قبل ان تنطفئ جذوتها.بعد ايام من موتها جلبت عددا لاباس به من الورود وزرعتها في مدفنها.

عدت بعد ايام فوجدت الزهور ذابلة فزرعت غيرها, وماتت ايضا فزرعت من جديد.. ماتت.. زرعت.. ذبلت.. زرعت.. يبست فاعدت زراعة.. اقتلعت وزرعت.. احترقت. فعدت الزراعة مرات ومرات دون توقف.

قالوا لي انك لاتجيدين الزراعة بطريقتها الصحيحة, فجئت بفلاح وكلفته بزراعة قبر امي, وجاء الفلاح بالمقويات الزراعية والاسمدة والمبيدات والبذور الممتازة التي تعيش في اقسى طقس ممكن وراح يحرث الارض ويعالج التربة ويسقيها بطرق مختلفة, الا ان لا بذرة نمت ولا زهرة تفتحت وكانت الارض ترفض كل مبادراتنا ومساعينا.

ولكني لم ايئس ابدا.. كيف لا انفذ امنية امي الاخيرة. وجربت كل مايمكن فعله في سبيل تحقيق هذه الامنية حتى اني جئت بتربة معالجة كيمياويا واستبدلت كل تراب المحيط بقبر امي بالتراب الجديد.. ولاجدوي! ولا حل. وكان اخر حلولي ان انبت الورود الاصطناعية في الارض, الا انها احترقت لسبب مجهول واقتلعتها الرياح ليبقى قبر امي عاريا.

 

 

هكذا روت لي امي قصة صراعها المر مع الزهور الرافضة للبقاء على قبر جدتي. كانت تبكي دون دمع.. تبكي بعيون جافة وقالت لي: لا اريد ان يبقى قبري ارضا متفطرة عطشى.. ازرعيها يا ابنتي واختاري لي مكانا يصلح للزراعة وان كانت منتصف غابة بعيدة او حديقة لبيت في قرية على سفح جبل اخضر, لا اريد الا ان يكون قبري اخضر مدهم. وان تمد جذور الزهور رؤوسها في قبري صديقات جديدات ونديمات لايملن الحديث معي في رحلتي الاخيرة.

واخترنا لامي مدفنا في بستان لقريب لنا.. بستان فيه من الورود والاشجار والنبات وكانه اقتطع من الجنة وطرد الى الارض كجدنا آدم. دفنا امي تحت شجرة ليمون مثمرة خضراء صفراء ذهبية.

قلت لها : كوني سعيدة الان يا امي.. مع نديمتك الشجرة التي ستجعل لياليك تفوح بعطر الليمون.

عدت بعد ايام.. لم ار البستان! هل ضللت الطريق؟ لم اجد امامي الا كومة من الاخشاب اليابسة والاوراق الصفراء التي لا اثر للروح الاخضر فيها والاغصان المنكسرة عطشا!

لن احاول مثل امي ان اعيد زراعة المدفن لثلاثين عاما.. عرفت تماما ان الزهور ترفض ان تنموا على القبور واذا وصلت جذورها الى قبرما تستنشق رائحة الموت عبرها فتموت.. فهي صنعت للحياة فقط!

وتناهى لي صراخ مكتوم كانت لشجرة الليمون التي اسقطت ثمارها واوراقها واغصانها..  لن استبدل البلابل بروح ساكن في قبر!