اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الدولة بين المدنيّة والحاكمية في عالمنا العربي (2من3)// د. عدنان عويّد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. عدنان عويّد

 

عرض صفحة الكاتب 

الدولة بين المدنيّة والحاكمية في عالمنا العربي (2من3)

د. عدنان عويّد

كاتب وباحث من سورية

 

ظهور الدعوة الإسلامية:

   يمكننا تقسيم تاريخ الدعوة إلى قسمين :

الأول: وهو ما سمي بالمرحلة المكيّة.

والثاني: وهو ما سمي بمرحلة المدينة.

 

         لقد كانت الدعوة في شقها المكي دعوةً سلميةً اقتصرت على التبشير بقيم الدين الإسلامي, وخاصة الدعوة إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام, والايمان بالله الواحد الأحد رب ابراهيم وموسى وعيسى وبالتالي محمد. وقد كان أسلوب التبشير في هذه المرحلة من قبل الرسول يقوم على اللين والتسامح وعدم فرض السيطرة, أو بتعبير آخر الدعوة بالحسنى, إلا أن ذلك لم يجد صدى كبيراً في قبولها, حيث لم يؤمن بالرسول إلا القليل, من أهله وصديقه أبو بكر, وبعض فقراء الناس و العبيد. وهذا ما جعل سادة قريش وأغنياؤها يعيبون على الرسول كما أعاب سادة  قوم نوح على نوح من قبل الذين آمن به من هؤلاء الفقراء والعبيد كما تذكر الآية : ( فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ). هود – (27).

 

     نعم, لقد لاقت الدعوة في مكة الكثير من الرفض والعنف من قبل سادة قريش أولاً وهم أقرباء الرسول, الأمر الذي دفع قبائل مكة أن تخطط لقتله, وهذا ما دفعه لترك مكة والهجرة إلى المدينة بحثاً عن ملاذ آمن وجده عند الأنصار من أهل المدينة الذين أيدوا دعوته.

 

     أما في شقها الثاني: وهي مرحلة المدينة التي ابتدأت مع هجرة النبي ومن اتبعه فيما بعد ممن آمن به من أهل مكة إلى المدينة, وهم من سموا بالمهاجرين, لتكون تلك المرحلة نقطة انطلاق تشكيل ما نستطيع تسميته بنواة الدولة الإسلامية, والتي استهل فيها النبي نشاطه ببناء المسجد، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وتنظيم العلاقات بين المسلمين، وتحديد شكل العلاقة مع اليهود القاطنين معهم في المدينة. من خلال ما عرف بالصحيفة التي حاول الكثير من دعاة الحاكمية المعاصرين اعتبارها مشروعاً لتشكيل دولة, في الوقت الذي كانت فيه الصحيفة مشروع تسويات مرحلية بين مكونات المدينة التي بدأ النبي يفرض فيها سلطته الدينية, وشبه السياسية, إلا أننا نجد أن هذه الصحيفة قد تجاوزها الزمن فيما بعد, مع حالات الصراع بين المسلمين واليهود والتي ادت – أي حالات الصراع – إلى إخراج اليهود من المدينة. أما أكثر نشاط النبي في المدينة, فقد انحصر في تلك الغزوات الكثيرة التي كانت تشن هنا وهناك على قوافل تجار مكة من أجل الحصول على الغنيمة وكسر شوكة كفارها, أو طبقتها الغنية المتحكمة فيها. كبدر وأحد وغيرها الكثير مما تذكره كتب السيرة.

 

     بعد فتح مكة، وتمكّن المسلمين في السنة الثامنة للهجرة من السيطرة عليها, إلا أن قوة الديانة الوثنية وتأثيرها على معتنقيها من جهة, ثم قوة حضور الزعامات القبلية وخاصة القرشية منها في نفسية وعقلية أبناء القبائل وفي مقدمتهم أبا سفيان من جهة ثانية, تجلت هذه القوة والحضور في دعوة الرسول أهل مكة أثناء فتحهها لمن يريد الحفاظ على حياته بقوله: (من دخل بيته فهو آمن, ومن دخل الكعبة فهو آمن, ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن.). وهنا بدأت الدعوة تأخذ طابع القوة والعنف والتحدي اتجاه من يرفضها أو يقف ضدها ممن سموا بالكفار.

 

 

     بعد الفتح والتمكن من السيطرة الكاملة على مكة, راح النبي يبعث رسله إلى شيوخ القبائل لدخول الإسلام بالترغيب أو الترهيب، فجاءت الوفود من شتى أنحاء الجزيرة خاضعة للرسول ولدعوته,  حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى في السنة الحادية عشرة للهجرة, بعد أن ألقى خطبة الوداع  في العاشر من الهجرة وقد نوه فيها الوحي مبشراً: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً".

 

     وقبل أن أقوم بتحليل هذه الخطبة, سأشير إلى بعض المسائل المتعلقة بقضية الدعوة لـ"الدولة" في صيغة " الحاكمية" المتعلقة ببنية الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر, وما يحول دون قيامها.

 

     دون الدخول في الكثير من التفاصيل المتعلقة في قضية (الدولة الإسلامية), يظل السؤال المشروع يطرح نفسه علينا وهو: هل ورد في النص الديني (القرآن) ما يشير بشكل مباشر إلى مفهوم "الدولة" أو الحاكمية في صيغتها السياسية كما يبشر بها الإسلام السياسي اليوم؟.

 

     بالعودة إلى النص المقدس القرآن نجد بعض الآيات التي تتطرق لمفردة الحكم ومفهومه أو دلالاته, مثل:

 

 (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159 . آل عمران).

 

     فهذه الآية وإن كانت تتضمن سلسلة من التعاليم الكلية الموجهة إلى الرسول, والتي تشتمل من حيث المحتوى على برامج كلية وأساسية، ولكنها من حيث النزول ترتبط بواقعة «أُحد», لأنه بعد رجوع المسلمين من «أُحد» أحاط الأشخاص الذين فروا من المعركة بالرسول وأظهروا له الندامة من فعلتهم وموقفهم، وطلبوا منه العفو.

 

      وكذلك الآية التي تقول: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (سُورَةُ الشُّورَى: 38/42).

 

     فهذه الآية تؤكّد على ضرورة اتخاذ الشورى كمنهج في الحياة سواء بين الأفراد أو المجتمعات، كما تُؤكد على أنّ الانفراد في الرأي يُسبب اتخاذ قرارات خاطئة، على عكس الشورى كما تبين صفات قائد الأمة التي يجب أن تتوافر فيه كي يكون قائدًا ناجحًا. ومضمون الشورى هنا كمفهوم سياسي, ظل غائماً أو ضبابياً لم تحدد الآية أي دلالة سياسية له,

 

     أما بالنسبة للآيات التي وردت فيها قضية الحكم, فهذه الآيات لها دلالات قضائية كما تُبين كتب التفسير, حيث نجد عند الإمام "أحمد بن حنبل" أحاديث عن هذه الآيات تقول: حدثنا إبراهيم بن العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، عن عبد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: (إن الله أنزل: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" [المائدة:44]... "وفَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [المائدة:45]... "وفَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [المائدة:47] قال: قال ابن عباس: أنزلها الله في الطائفتين من اليهود، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية فجاءت تحتكم عند الرسول فكان سبب نزول هذه الآيات.

 

     أما الأحاديث التي تتعلق بمن سيخلف النبي  فكلها أحاديث تشير إلى طبيعة الحاكم أو خليفة المسلمين بعد موت الرسول. وهي في الحقيقة أحاديث لها خلفية سياسية يشك في صحتها لسببين:

 

      الأول: أن الرسول لم يأمر بكتابة الحديث كما جاء في الحديث التالي:

 

     ما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ). رواه مسلم.

 

     والثاني : إن هذه الأحاديث لا تشير إلى مفهوم الدولة, بل إلى صفات الحكم, والحاكم أو الخليفة بعد رسول الله:

 

     ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي قال: «ستكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض».

 

     وفي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود أن النبي قال: «إنها تكون بعدي إثرة، وأمور تنكرونها». قالوا: «يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم».

 

     وفي صحيح مسلم سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله قائلاً: «... إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه. ثم سأله، فأعرض عنه. ثم سأله في الثانية أو في الثالثة، فحدثه الأشعث بن قيس، قال، قال رسول الله: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حمِلوا، وعليكم ما حملتم».

 

     أما في خطبة الوداع, فعند قراءتنا وتحليلنا لهذه الخطبة, نجد فيها مفارقات عجيبة, وربما إضافات أيضاً خاصة وأن التدوين بدأ مع نهاية النصف الأول من القرن الثاني للهجرة. وخاصة في قوله: (فلا ترجعن بعدي كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه.).

 

والسؤال المشروع هنا: كيف ترك فيهم القرآن وسنته, وهو لم يأمر بجمع القرآن وظل سائبا حتى جمع زمن عثمان بن عفان من جهة. ثم كيف ترك فيهم سنته وهو لم يأمر بكتابة الحديث كما بينا في موقع سابق من جهة ثانية.

 

خطبة الوداع (10 هجرية): (الحلقة الرابعة)

     ألقى الرسول هذه الخطبة في حجة الوداع يوم عرفة من جبل الرحمة, وقد نزل فيه الوحي مبشراً كما تذكر كتب السيرة, وكما جاء في النص القرآني: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"

 

     إن من يقرأ الخطبة وهي تمثل خلاصة تجربة الرسول والدعوة الإسلامية معاً, لا يجد فيها في الحقيقة ما يدعوا إلى مسألة الدولة ومن يكون الخليفة بعده وما هي آلية عمل الدولة. فلننظر في أهم القضايا أو الوصايا التي وردت فيها, والتي تشكل قواعد ومرتكزات يدعو المسلمين الآخذ بها حتى لا يظلوا بعده, حيث جاء فيها التالي:

 

       أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.

 

     1- أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم.

     2-  فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.

     3- وإن ربا الجاهلية موضوع, ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا.

     4- وإن دماء الجاهلية موضوعة... وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية .

 

((حكم فقهي يوضح أن جزاء القتل العمد هو القصاص بينما جزاء القتل الخطأ هو الدية المقدرة فقط بمائة بعير).

     5- إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم .

     6- أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر.

و(النسئ هي شعيرة من شعائر العرب في الجاهلية كان يقوم بها بنو فقيم من قبيلة كنانة العدنانية من أهل الحرم المكي ، حيث كانوا ينسأون الشهور على العرب فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ، ويؤخرون ذلك الشهر.).

     7- إن لنسائكم عليكم حقاً, ولكم عليهن حق لكم, أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم, ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن, فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً.

     8- أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لا مرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه.

     9- فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه.

     10- إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى.

 

     وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم. (3).

 

     من خلال هذه الخطبة نجد المقاصد الأساسية للدين قد وردت فيها وهي حفظ الدين, وحفظ النفس, وحفظ العقل, وحفظ النسل, وحفظ العرض. بينما نجد فيها غياباً كاملاً لأية فكرة أو وصية تتعلق بالدولة وقيامها. وإنما هي وصايا ذات طابع عقيدي وأخلاقي ترمي إلى الحفاظ على المجتمع من العودة إلى قيم الجاهلية, وبالتالي هي وصايا لها في زمانها قيمتها ومكانتها من الناحية الدينية والأخلاقية والاجتماعية, ولها دورها ومكانتها حتى في وقتنا الحاضر وخاصة ما يتعلق منها بمقاصد الدين, حيث راح اليوم بعض المجتهدين يشتغلون على فقه المقاصد مراعاة لتطور الحياة وتبدل أحوال الناس..

 

كاتب وباحث من سورية.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.