كـتـاب ألموقع

لحظة "الكوانتوم" العربية// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

لحظة "الكوانتوم" العربية

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

"سوريا من مطالب الإصلاح إلى مخاطر تفكيك الكيان" عنوان بحث عماد فوزي شعيبي، أستاذ "الإبستيمولوجيا" في جامعة دمشق. قدّم البحث "قراءة لانمطية باستخدام منهج مبتكر في ضوء العماه والكوانتية السياسية" أنكرها معظم المشاركين في ندوة "مستقبل التغيير في الوطن العربي" التي عُقدت ببيروت. وحسن حظ الأكاديمي السوري سوءُ حظه. فسوريا كما تهواها؛ جبهة الصمود، والممانعة، أو دولة القمع والمجازر، وكلا عاشِقَي سوريا المتخاصمَين في "ندوة بيروت" أجمعا على رفض الأطروحة، التي تتعامل مع سوريا المتشظية كحالة مختبرية لعمل قوانين فيزياء الفوضى، أو "العماه"، وهو المصطلح الذي تبنّاه الباحث، بدلاً من "الفوضى" الشائع الاستخدام في ترجمة المصطلح الإنجليزي Chaos ، وتختلف تسمياته في الفيزياء اختلاف ترجماتها العربية؛ "الشواش"، و"الأنظمة المعقدة" و"غير المتوقعة" و"العشوائية".

النظام السياسي السوري رآى مآل الصراع وفق ثنائية "بينه والقاعدة". وفي كمين الفوضى العمياء أصبح الصراع بين شظايا لامتناهية من الثوار وشذاذ الآفاق ومجموعات ما قبل الدولة "العشائر والقبائل وقادة الحارات، ومجموعات إسلامية تمولها وتدير أغلبها قوى إقليمية ودولية، أخطرها "داعش"، وهي حسب الباحث ظاهرة الطفرات المتنحية غير المحسوبة بالقياس التقليدي". "هذه المفارقة تجعل الحياة بالفوضى، والتنظيربالقوانين".

ويحلل منهج الباحث "الكوانتومي" الوقائع السائلة و"العماهية"، ويتوقع مسارها الذي يتغير في لحظات أحياناً؛ كدخول روسيا العسكري إلى سوريا، والذي أنتج وقائع جديدة تجعل القواعد الناظمة لأي بحث مائعة ولا معنى للاستناد إليها. فالرؤية "الماكروية"، أي الكبيرة التي ورثها النظام السوري كباقي الأنظمة ترى أن ما يحسم أي نزاع ميزان القوى الإقليمية والدولية. "يعني هذا أن الوقائع تسيرفي اتجاه وبحثها يسير في اتجاه لا يطابقها". وتصبح قراءة النظام "الماكروية" مطباً يُدخله في دوامة "ميكروية" صغرى، كما في عالم داخل الذرة "العَماهي"،

واستعان الباحث بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، حيث "أيُّ تغير يحدث تلقائياً في نظام فيزيائي لابد أن يصحبه ازدياد في مقدار "إنتروبيته" أي في مقدار الفوضى العارمة التي تحدث فيه". وتتأرجح موازين القوى الإقليمية والدولية، والقوى المتشظية الداخلية وامتدادتها الخارجية، ودوافعها الميكروية، كالحقد، والانتقام، والدافعية الاستشهادية، واللاوعي الجمعي العريق لدى فئات ترى الخلافة خلاصاً يستدعي القتال حتى الموت.

والأكاديمي السوري سئ الحظ مرتين، أولاً لأن سوريا المروّعة أضحت موضوعاً للندب وتبادل الاتهامات والتخوين، وكل تفسيرلأحداثها خارج نظريات المؤامرات، مشكوك فيه، بل مشكوك بقائله. وثانياً لأن "ندوة بيروت" التي حققت السبق بإدخال فيزياء "الكوانتوم" في السياسة، لم تعثر على معقب علمي بمستوى المعقبين على أبحاثها حول "ما بعد المرحلة الانتقالية" في مصر، وتونس ، و"مشروع التفكيك ومساراته" في السودان، وليبيا،  واليمن، والعراق، و"مستقبل الإصلاح" في قطر والإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والكويت، وموريتانيا، وعُمان، والأردن، ولبنان، والجزائر، والمغرب، والبحرين. وبقي السؤال الفلسفي قائماً في الكلمة الختامية "نحو خطة طريق للخروج من المأزق العربي الحالي"، التي قدمها خير الدين حسيب، رئيس، ومؤسس "مركز دراسات الوحدة العربية" الذي نظم الندوة. وعُرف المركز بتاريخه في تنظيم ندوات دولية حول "استراتيجية العلوم والتكنولوجيا العربية"، و"هجرة العقول العربية"، وإصدار سلاسل كتب علمية، بينها "موسوعة تاريخ العلوم والتكنولوجيا العربية".

دور علوم الفيزياء في تفسير الأحداث السياسية، والتطورات الجيوسياسية. فعلوم الفيزياء الحديثة، التي هي الفلسفة كلها، أغنت بشكل مباشر علوم السياسة والاجتماع، وحققت فتوحات خارقة في فهم أسس كل شيء في الكون؛ مِن ميلاد النجوم والمجرات إلى نشوء الكون، وامتلكت القدرة التنبؤية لفيزياء "الكوانتوم"، التي شرعت في اكتشاف أكوان جديدة، وغزو ميادين تُعتبر داخل نطاق علوم اللاهوت والفلسفة.