كـتـاب ألموقع

الصينُ.. الأرضُ الطيبةُ// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد عارف

 

عرض صفحة الكاتب 

الصينُ.. الأرضُ الطيبةُ

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

«المرءُ يستشرفُ المستقبل بماضيه»، تقول الروائية الأميركية «بيرل باك» التي ترعرعت في الصين، وكتبت عنها روايتها الجميلة «الأرض الطيبة»، ونرى فيها كيف تستشرف الصين مستقبلها بماضيها، الذي علّم العالم، آلاف السنين قبل الميلاد، تربية القز ونسيج الحرير، وزارعة الرز، وصناعة الورق، والسفن، والبارود، وصب الحديد، وأول آلات رصد وقياس الزلازل، والخزف (ويُسّمى «صيني» في لغات عالمية عدة، بينها العربية)، وعلوم الرياضيات والهندسة والفلك، والطب الصيني التقليدي الذي ساهم في الحملة ضد الوباء الجديد، حيث شفا في الأسبوع الماضي 18 مصاباً غادروا المستشفى في مدينة «يوهان» التي اندلع فيها الوباء. وأروع ما أبدعته الصين الحكمة؛ عقيدتها الأساسية عبر العصور، ويقول عنها «كونفوشيوس» أشهر الحكماء الصينيين: «نيل الحكمة أولاً بالتأمل، وهي أرقاها، وثانياً بالتقليد، وهي أسهلها، وثالثاً بالتجربة، وهي أكثرها مرارة».

 

ومن حسن حظ العالم حدوث وباء الإنفلونزا الجديدة في أكثر بلدان العالم حكمة وانضباطاً، وقدرة على مواجهة الكوارث، أي الصين التي تقول حكمتها: «أعظم أمجادنا ليس في أن لا نقع قطُّ بل أن ننهض كلّما وقعنا». وعلى خلاف المألوف، لم تهرع الصين لطلب المعونة من «منظمة الصحة العالمية» التي انتظرت نحو أسبوعين بعد زيارة رئيسها بكين، والتقائه بالزعيم الصيني «شي»، الإذن لخبرائها بالدخول. وفيما يلي مقتطفات من آخر تقارير الصحف العالمية:

«عودة النشاط لمدن الصين الرئيسية»، و«زيارة الرئيس الصيني مستشفيات بكين وهو مكمم بالقناع الطبي، ويرفع كم معطفه لقياس الحرارة، الأسلوب المتبعة الآن في جميع الأماكن العامة»، و«66 إصابة بفيروس كورونا في ناقلة ركاب بحرية فارهة محتجزة في المياه اليابانية»، و«شخص واحد نقل الفيروس من سنغافورة إلى بريطانيا عبر فرنسا»، و«وقوع إصابات بالفيروس لا علاقة لها بالصين»، وقد اعتبرتها «منظمة الصحة العالمية» أخطر التطورات في أزمة «الفيروس» الجديد، الذي يستمد اسمه من «كورونا»، وتعني «التاج» باللاتينية، وذلك لشكله المتوّج. وهو أحد أنواع الفيروسات العابرة لحاجز الأنواع بين الحيوانات والبشر، ومن بينها فيروس ينتقل من الجمال. ولم يتفق الرأي العلمي بعد على ناقل الفيروس الجديد، حيث قيل في البداية إنه من الخفافيش، ثم الأفاعي، ويُعتقدُ الآن أنه من الحيوان «آكل النمل» الذي يستخدم في الطب التقليدي الصيني.

 

والتهويل بشان الفيروس الجديد يجهل حقيقة أن 2في المئة  فقط من المصابين به يموتون بسببه، ومعظمهم متقدمين في السن، أو صحتهم واهنة. وتقتل الإنفلونزا العادية 60 ضعفاً لما يقتله من الضحايا، وقد توفي بالإنفلونزا العادية في الولايات المتحدة منذ أكتوبر الماضي نحو عشرة آلاف شخص.

 

وما أن تلتفت إلى الصين حتى تتفاجأ برقم قياسي خارق جديد تحطمه، ليس فقط في العلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي، بل في الاقتصاد أيضاً، وآخرها في الشركات المليارية Unicorns، وهي الشركات الناشئة برأسمال قدره مليار دولار، وقد بلغ عددها في الصين 206 مقابل 203 في الولايات المتحدة.

 

وتُساعدنا حكمة «كونفوشيوس» أيضاً في فهم أنفسنا والصين: «أينما تذهب اذهب بقلبك كله». وعندما نذهب بقلبنا كله إلى الصين، نرى كيف أنشأت خلال بضعة أيام فقط مستشفى يضم 1000 سرير، لعلاج ضحايا الفيروس، وأعقبه في بضعة أيام إنشاء مستشفى متخصص كامل التجهيز بشبكات المياه والكهرباء، والإنترنت.. للنزلاء، وللعاملين بالمستشفى، الذي زُرعت في باحاته الأشجار.

 

وفي «الأرض الطيبة»، وهي أول رواية كتبتها روائية أميركية نالت عنها «نوبل» عام 1932، نعرف مصادر ثراء الصين التي لم تستعمر ولم تنهب ثروات أي بلد عبر تاريخها الطويل. «إذا كانت عندي حفنة من الفضة، فذلك لأني أعمل، وزوجتي تعمل، ونحن لا نفعل ما يفعله البعض، ننكّب على موائد القمار، أو إطلاق الشائعات على عتبات لا تُغسل قط، تاركين الأعشاب تنمو في الحقول، وأطفالنا نصف جوعى».

 

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا

12 فبراير 20