كـتـاب ألموقع

كمّامات الصحة العالمية// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد عارف

 

عرض صفحة الكاتب 

كمّامات الصحة العالمية

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

«في اليأس أشد أنواع البهجة، خصوصاً عندما نكون مدركين تماماً لوضعنا الميؤوس منه». عبارة مأثورة للأديب الروسي دويستويفسكي قبل مائة عام، تصوِّر ابتهاج البشر المهتاجين في مواجهة جائحة كورونا بنكات، مثل «يُعلن بيان رابطة الأطباء النفسيين التالي: أعزاءنا المواطنين، خلال وجودكم في الحَجر لا تقلقوا من كلامكم مع جدرانكم، ونباتاتكم، وأوعيتكم. نرجوكم أن تتصلوا بنا فقط في حالة ردِّها عليكم». وهذه واحدة من آلاف نكات جائحة كورونا عبر التواصل الاجتماعي. وعشت عملياً إحداها عندما قصدتُ مستشفى «كنغستن» في بلدتي جنوب لندن لفحوص روتينية، ووجدتني الوحيد الذي يرتدي كمامة طبية. وشعرت بأني في موضع شبهة عندما سألني الطبيب ما إذا كنتُ مريضاً، فأجبته: «أنا صيني». وضحكنا كلانا، على نفسينا، وعلى حكومات لا تملك قدرة الصين، حيث زاد إجمالي إنتاج الكمامات في «شركة البترول الوطنية» على خمسة ملايين، وقد أنشات 169 خط إنتاج للكمامات، يتوقع أن تنتج مليوناً ونصف المليون يومياً.

 

وموقف منظمة الصحة العالمية من الكمامات ملتبس، كموقفها الأولي من اعتبار الوباء جائحة، يظهر ذلك في تصريح مسؤوليها للصحافة بأن «الكمامات لا تحمي بالضرورة الأصحاء من الإصابة»، وتدعو إلى اقتصار ارتدائها على المرضى والعاملين في الصحة، ممن يتعاملون يومياً مع المصابين، وعلى الآخرين الالتزام بغسل اليدين بانتظام، والحفاظ على مسافة لا تقل عن مترين مع الآخرين للحماية. لكن تجاوز عدد المصابين والوفيات في أميركا عددهم في الصين أكد ضرورة ارتداء الكمامات، خصوصاً بالنسبة لمن يقتضي عملهم استخدام المواصلات العامة. والمشكلة الآن عدم توفر الكمية الكافية من كمامات N95 الطبية.

 

ويصعب تصديق تقرير في «نيويورك تايمز» عن فشل الولايات المتحدة في إنتاج العدد الكافي من أجهزة التنفس، التي تعني الحياة أو الموت للمصابين بفيروس كورونا، وجاء فيه أن موظفي الصحة العامة قدموا خطة لمواجهة مشكلة نقص أجهزة التنفس، والتي كان الموجود منها آنذاك ثقيلاً وغالياً وعدده محدود. وتضمنت الخطة إنتاج عدد كبير من أجهزة التنفس النقالة غير المكلفة، للاستخدام في وباء الإنفلونزا أو أي وباء مماثل. وتم رصد المال اللازم، وتوقيع العقد، ومضى العمل في المشروع. وفجأة خرجت الأمور عن مسارها، حين اشترت شركةَ أجهزة التنفس الصغيرة إحدى كبريات الشركات، ولم يُنتج جهاز تنفس واحد. وفي عام 2014 شرعت الحكومة الفيدرالية في العمل مع شركة أخرى، وفي العام الماضي تمّت الموافقة على أجهزتها التنفسية، ولم يُسلم منها جهاز لحد الآن، فيما تعصف الجائحة بنظام الرعاية الصحية. ويخلُص التقرير إلى «مخاطر إيداع المشاريع الحساسة لشركات القطاع الخاص، التي لا يتوافق تركيزها على مضاعفة الأرباح مع هدف الحكومة في التهيؤ لأزمة قادمة».

 

والمشكلة نفسها في بريطانيا، حيث يقترب عدد المصابين حثيثاً من 20 ألفاً، وتجاوز عدد الوفيات الألف. وحذّر رئيس تحرير المجلة الطبية «لانسيت» من إمكانية وفاة ربع مليون بالفيروس. ويكشف فيروس كورونا «حماقة تعرية الدولة والمجتمع حتى العظام»، وهو عنوان مقالة للباحث البريطاني «نيال لاوسن» في «الغارديان» ذكر فيها أن «هيئة الصحة العامة» كانت طوال سنوات على شفا الانهيار، و«سيدفعها الفيروس نحو الهاوية». وتساءل: كيف تواجه بريطانيا هذه الكارثة بعد سنوات الإهمال والتدهور الذي يعاني عواقبه العاملون في هذه الخدمات، وأكدّ أن الناس سيموتون، على الأغلب، بسبب اعتماد الخدمات الاجتماعية على عاملين تدفع لهم مرتبات متدنية، والافتقار للموارد سنين طويلة». وبعد بضعة أيام من نشر المقالة سقط أول شهيدين يعملان في الخطوط الأمامية لمكافحة الفيروس، وهما طبيبان استشاريان عربيان من أصل سوداني، الدكتور أمجد الحوراني (استشاري هيئة الصحة في إنجلترا)، وقبله بأسبوع الاستشاري الجراح عادل الطيار.

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 1 أبريل 2020