كـتـاب ألموقع

التدين.. مَن خسر ومَن كسب؟// عادل نعمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل نعمان

 

عرض صفحة الكاتب 

التدين.. مَن خسر ومَن كسب؟

عادل نعمان

كاتب واعلامي مصري

 

هل استفدنا من المغالاة في التدين على المستوى العام أو الخاص؟ هل أضاف إلى الناتج القومى جنيهًا واحدًا؟ هل أسهم في تخفيض معدل البطالة؟ أو ساعد في زيادة الإنتاج؟ أو ترشيد الاستهلاك؟ أو زيادة وعى وثقافة المواطنين؟ أو تخفيض قيمة الدولار؟ أو اهتمام الناس بمظهرهم أو نظافتهم البدنية؟ أو رفع مستوى الأدب والأخلاق والقيم والمثل عند الناس؟ أو حارب ظاهرة الرشوة أو التسول أو التحرش أو الإهمال في العمل؟ أو أعلى قيمة العمل والعلم؟ أو الحرص على تحصيل المهارات والخبرات العملية؟ أو احترام قدر الإنسان والإنسانية؟ أو إكرام بنى آدم وتفضيله؟ وهل اقتربنا به إلى الله؟ أو رُفعنا عنده درجة؟ هل أطعم الناس من جوع أو أمّنهم من خوف أو عالجهم من مرض؟

 

أعلن، دون مجاملة أو مواربة أو لف أو دوران، لا وألف لا، هو تدين شكلى أجوف صورى، بل أؤكد أن عكس ما ذُكر هو الصحيح، خسرنا كل هذا وكسبنا مظهرًا دينيًا وشكلًا مكشوفًا وكذبة كبرى نتقنها ونحترفها، فلا أقنعت اللحية بصدق وأمانة صاحبها، ولا كان النقاب أو الحجاب دليلًا على الشرف والعفة، أو صونًا من الرذائل والآثام، ولم يكن ارتياد المساجد ملاذًا أو نجاة لنا من النصابين والمحتالين، وربما كان كل هذا ستارًا يخفى بين طياته عند الكثيرين نصيبًا وافرًا من التدليس والتزييف، ولم يسْتَحِ منهم أحد، حين أساء لتدينه، ولم يعطه قدره ومكانته ورفعته، وجعله أداة من أدوات النصب، ولم يهتز ضميره لحظة، حين جعل دين الله له مغنمًا ومربحًا وتجارة، يدلس ويكذب ويكيد، ونسى أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.

 

نعم خسرنا، وربح المُروِّجون والبائعون والمُسوِّقون، دعوا الناس إلى الزهد والتقشف وأسرفوا وأُتخموا من الأكل والشراب على كل الموائد، ونصحوا الشباب بأن يستعفف عن المحارم والحرام وتسابقوا على الزواج من الفاتنات والفنانات والصغيرات وتبديلهن عند الأربع، فتحوا للناس أبواب الصبر ودفعوهم دفعًا إليها وفروا إلى مباهج الدنيا ينهلون ما طاب لهم من متع الحياة ونعيمها ما شاءوا وأرادوا، وحرّضوا الشباب على الجهاد والحرب ضد أعداء الإسلام من الكفار والمشركين، وشحنوهم إلى أرض المعارك وربطوهم بالأحزمة الناسفة، ووعدوهم بالحور العين، وأرسلوا أولادهم للتعليم في بلاد الكفرة والمشركين أعداء الله يتعلمون ويدرسون ويستمتعون ويتكاثرون ويتناسلون وينعمون، حمدوا الله على نعمة الفقر للفقراء، وألحقوهم بالنبيين والصديقين والشهداء، وفروا وهربوا إلى الأغنياء ونعيم الدنيا وزخرفها.

 

هؤلاء هم الرابحون الفائزون، دعاة تاجروا بالدين، رجال أعمال من نوع جديد، يديرون الدعوة كما يدير أصحاب المحال تجارتهم، العرض الجيد والسعر المناسب، والبضاعة المتنوعة، والتقسيط المريح، هذا للفقراء وذاك في الدرجة الأولى للأغنياء، ولا مانع من البيع بالتقسيط، حتى الحج، وأصبحت الاستطاعة والقدرة ممتدة وواسعة على سنوات أعمارهم وأعمار الأولاد والأحفاد، المهم أن يصل صاحبنا للحج وإن لم يقدر عليه، وتصل أمواله وأموال أولاده وأحفاده إلى أغنياء الحج حتى لو لم يستطيعوا جميعًا إلى ذلك سبيلًا، وما كان قد قرره الله علينا لأكلنا وشرابنا وتعليمنا وعلاجنا حبسناه للعمرة والحج، وخرجت المليارات من دولة فقيرة معدمة تشقى وتكابد ويعانى أهلها إلى دولة غنية يأتيها أُكُلها رغدًا في كل حين، ولحق بهم هؤلاء الدعاة يحجون ويعتمرون ويصيبون من نصيبهم ما يجودون به عليهم، هؤلاء هم الرابحون والفائزون بنعيم الدنيا، دعاة ومُروِّجون ومنتجون.

 

أما نحن فقد خسرنا الدنيا والآخرة، بل قل: خسرنا الأول والآخر، وبعد أن كان نصيبنا من الآخرة قدر نصيبنا من الدنيا، أصبح قدرنا الآخرة ليل نهار، نموت لها في الصباح ونُدفن في كل مساء، أوقفوا الموت على الأبواب، وأوهمونا بأن الاستعداد للرحيل انقطاع، وأن الدنيا من الدنايا تستوجب الانعزال، وأن العبادة لله انفصال، كذبوا وضلَّلوا، فما جاء الله بنا إلى الحياة إلا لنحيا ونعيش ونبنى ونسعد ونفرح، ولن يرفعك إلا العمل الصالح، الذي يمكث في الأرض، يفيد البشرية والناس أجمعين، أما عن الدنيا فهى بين يديك، انعم بها كأنك تعيش أبدًا، وخذ نصيبك منها قدر طاقتك، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا، حتى هذا «الحديث» كذّبوه، وقالوا: ليس بحديث عن الرسول، «ص»، وإنه موضوع عنه، ليستبعدوا عنّا متع الحياة الدنيا، ولو كان الحديث عن الآخرة فقط دون الدنيا لقالوا: حديث صحيح، حتى نخسرهما معًا، الدين والدنيا.

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

"المصري اليوم" القاهرية