لطيف ﭙـولا
ـ القوش / العراق
وأخيرا رحل عنا الشيخ الذي قهر الجلمود
مثل كل الابطال المناضلين الذين يكرسون حياتهم من اجل شعبهم ومجتمعهم ووطنهم , وكالاشجار المثمرة التي تعطي دون مقابل ,وحينما تتوقف عن العطاء تترك الحياة بسلام وبهدوء ودون ضجيج .. هكذا رحل الشيخ الذي قهر الجلمود المرحوم حنا هرمز حميكا البارحة مساء يوم الاحد 8 -9 – 2013 دون ضجيج ودون الم .كنت قبل اسبوع اثناء زيارتي له قد رايته متعبا التزم الدار بعد ان هدته الشيخوخة اذ ناهز التسعين من عمرة وكان قبل سنوات يتصارع بيده الفولاذية صخور الجبل في حفر عدة مغارات في منطقة قريبة من قمة جبل القوش وقد انجز اربع مغارات باربع سنوات وبعمل متواصل وهو في الثمانينيات من عمره وبعد ان انجزها زرع حولها الاشجار وحفر لها سواقي تمتد الى ينبوع ( كوبا دمايا ) ومن ثم فكر بالعاجزين عن التسلق للوصول اليها فحمل الصخور على صدره وعمل مدرجات صخرية من اسفل الوهدة حتى حافة المغارات التي حفرها . ولكن الجاحدين والمخربين والجهلة لم يقدروا عمل هذا الشيخ الجليل عبثوا بتلك المغارات وملأوها بقاذوراتهم الحيوانية وهدموا الاسيجة التي جعلها في بوابات المغارات ومن الحجارة التي حملها من داخل المغارات وقلعوا الاشجار التي زرعها. فذهبت جهوده في ادراج الرياح ,واصحاب الكراسي والدرجات الحزبية وحاملوا الاسلحة الفتاكة لايستطيعون حماية البيئة التي يعيشون فيها.. فهل مثل هؤلاء يحمون الوطن ويجسدون الشعارات التي رفعوها ويتمشدقون بها كل يوم ؟!وكل العتب على من رفعهم وسلطهم على رقاب الشعب ليشجعوا الرشوة والتخريب ويزرعون الياس والقنوط في قلوب الذين يفكرون بخدمة الوطن والشعب .. رحل الشيخ حنا وكان يسالني لماذا لم يعاقبهم احد ؟ ,يقصد اولئك الذين يخربون, فكنت اقول له لقد اديت عملك وهذا طبع كل شريف ولكن هذا العصر يحارب امثالك لانك غريب عليه ... وكلنا سنرحل عاجلا ام آجلا ونتركها للمنافقين والانتهازيين الذين يكافئون كل يوم على نفاقهم ودجلهم ومساوماتهم .. واول امس كنت عنده في المساء رأيته ممتدا على السرير دون حركة ودون كلام . ناديته ولم يسمعني والبارحة مساءا تلقيت الخبر ..رحل الشيخ الذي احببته واحبني دون وداع وستبقى زياراته ومآثره وهدوءه ونشاطه وطيبته تذكرني به ..
المجد والخلود للذين يكرسون حياتهم من اجل شعبهم. والخزي والعار للمخربين.. واليكم المقالة التي كنت قد كتبتها ونشرتا للمرحوم حنا هرمز حميكا اثناء زيارتي له وهو منهمك في عمله في حفر الكهوف الاربعة :
الشيخ الذي قهر الجلمود
حنا هرمز حميكا ( القوش )
البطولة لا تاتي بالقتل ولا يكسبها المرء بالفتنة والتخريب , ولا ينالها بالحيلة والخداع , ولا يحصل عـليها بالسلب والنهب .البطولة تاتي بقهر الانانية وبنكران الذات والتضحية بالجهد والمال والنفس اذا اقتضت مصلحة الوطن والشعـب . لقد خلد التاريخ اسماء اصبحت كالشمس تنير ظلامات الدهور , اجل انها اعـمال الرجال الافذاذ التي تركت بصمات خالدة على مر العصور . وعـليه تبقى الشعـوب تغـني لاسماء ابطالها الذين كرسوا حياتهم في سبيل سعـادة وحرية ورفاهية الاخرين ....... انها البطولة .
وبطلنا اليوم هو انسان عـادي , والبطولة لا تعـرف المراتب الا بقدر فعـلها , انه (( حـَنـّأ كعـّـأ )) ذلكم الشيخ الذي قهر ثمانين عـاما وهو لا ياسف على شيء مضى الا لعـجزه - بسبب الشيخوخة - على المواصلة في تضحياته وهو في هذا العـمر ليجعـل من جيلنا الصلب والوعـر مكان راحة واستجمام لكل الناس . في وقت يتهيب ويتكاسل فيه كثير والمغـرورين والمتكبرين والمتعـجرفين من تسلقه , رغـم تمنياتهم بمشاهدة قممه , ولكن التمني راسمال المفلسين !!! . انه الشيخ (( حنا كعـا )) الذي وطات امام ثمانية عـقود من عـمره قمم الجبال , حمل عـدته البسيطة من معـول وازميل وايمان لا حدود له في قلبه الا وهو العـمل وحب الخير , وتسلق الجبل عـشرات بل مئات من المرات ليقف امام الجلاميد والصخور الصلبة كعـصفور امام الفيل في وقت يتململ ويتدلل من هو في عـمره في الفراش الوتير يـُطعـم ويـُخدم ويـُمسَد . الا ان ارادة الرجال الابطال وان كانوا في عـمر الشيخ ( حنا كعـا ) لا حدود لها . تلك الارادة التي مكنته من الصمود ودحر تلك الجلاميد التي تربك الضعـأف من مجرد النظر اليها , استطاع الشيخ حنا بقيضته الفولاذية حفر معـارات وكهوف وبداخلها نحت اسة لتكون محل راحة لاناس قد تحملهم اقدامهم الى قمة هذا الجبل المهجور .... ولم بقف عـند هذا بل سهل عـملية الوصول اليها برصفه الصخور من اسفل الوادي الى الكهف على شكل سلالم تتكون من مئات الصخور , قلعـها وحملها ورصفها هذا الشيخ دون مقابل حتى ولا كلمة الثناء , ولم يتلقى سوى التعـليق الفض من جهلة ينظرون الى عـمله الانساني والوطني بسخرية الجبناء .
وراح الشيخ حنا بعـد اربعـة اعـوام متواصلة شهورا وسنين , صيفا وشتاءا ينجز عـمله بحفر اربعـة كهوف , وقام بتشجير المكان وتمرير سواقي الماء , وكم كانت سعـادته كبيرة وهو يتجول بين كهوفه واشجاره بسقت اغـصانها وورود اينعـت براعـمها .... الا ان سعـادة الشيخ لم تدم حينما سمع صوت الشر يهمس باذنه (( خيرا تعـمل , شرا تلقى )) فقد اصيب قلبه الكبير بسهام الغـدر والخيلنة ولملم الناس الذين عـمل من اجلهم . راى بام عـينيه اشجاره مقلوعـة من جذورها , وكهوفه عـملت بها يد التخريب وملأتها بالقاذورات وبفضلات البشر والحيوانات , انها يد النذل ويد الجبن فيا لها من يد !!!!!!!!!
اجل شيخ واحد يعـمل لصالح شعـبه والكل واقف بين متفرج وساخر ومخرب , واغـلبهم يعـرف الجاني والهدام الذي هدم بساعـة ما بناه هذا الشيخ وبعـد جهد اربع سنوات وهو في هذا العـمر , الكل سكت عـن الحق ( والساكت عـن الحق شيطان اخرس ) وكان القضية لا تخصهم لا من قريب ولا من بعـيد في حين ان ما عـمله هذا الشيخ كان لمنفعـة الجميع . الا ان الانانيين لا يرضون على امر يفيد المجتمع الا ما يدر لهم من منفعـأة فحسب واليذهب الباقون الى الجحيم . وبالنتيجة فان من هدم ما بناه الشيخ حنا كان يريد ان يضر بالمجتمع وهو بالفعـل حيث ما حل يخرب ويهدم وهو يتصور بعـقله المريض انه يخدم مصلحته في حين انه يضر نفسه لانه جزء من المجتمع شاء ام ابى .
لك الله يا عـمي حنا ! مثلما حفرت بيديك الفولاذية في تلك الصخور الصماء كذلك حفرت اسمك على شغـاف من يقدر لك عـملك الوطني الخال من المصلحة الشخصية والانانية المقيتة شانك في ذلك شان النحلة التي تعـطي شهد جهدها للناس , والشجرة التي تنفض اثمارها للجميع , والزهرة التي تفوح عـطرها للكائنات كلها دون مقابل ... انه الحب يا عـمي حنا ..... ليتني اهوى بمعـولك على الرؤوس الخاوية والنفوس المارقة المريضة والقلوب الطائشة والبراثن المسمومة التي لا تعـرف الا الخيانة والهدم . ولا ينال منك الاحباط ايها العـم الجليل , ان الجراثيم القاتلة وان كثرت . . . تموت امام اشعـة الشمس الساطعـة . وقد قلت في حق امثالك في احدى قصائدي
فمثلك كالنحل يحيا اشتراكي
ومنهم كالقروش بين الاسماك
فكم من اخ خـانـك بوعـيـه ؟
فالمــرء بطـبـعـــه لا بالادراك