اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

"ليتني طفلة مشاغبة!!"// سماح خليفة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتبة

"ليتني طفلة مشاغبة!!"

سماح خليفة

فلسطين

 

 تلك الصورة الوردية التي كان علي الاحتفاظ بها لأرضي المحيط من حولي كنت أمقتها. صورة الطفلة الجميلة النظيفة الهادئة المتفوقة المواظبة على حل الواجبات، كم كنت أرغب بتمزيق تلك الصورة، أن أكسر هذا القالب الزجاجي وأقفز منه متحررة من كل قيد، لماذا لا يحق لي أن أحصل على علامة متدنية أو حتى أرسب وانا أبتسم دون أن أصدم الجميع وأخيب آمالهم؟! لماذا لا يحق لي أن أملأ السبورة خربشات دون أن أثير حنق المعلمة؟! لماذا لا أستطيع أن أقفز واركض على سطح الادراج بفرح؟! لماذا لا أستطيع أن آتي إلى المدرسة دون حل الواجبات وتبقى المعلمة مبتسمة في وجهي؟! لماذا لا أستطيع الحصول على علامة متدنية دون أن أثير حفيظة والدي؟! كنت دائما أتقلد دور عريفة الصف صاحبة أبشع مهمة؛ تسجيل أسماء الطالبات المشاغبات!! كان في نظري هذه المهمة تعني تسجيل أسماء الطالبات الحرائر، وإن لم أتقلد تلك المهمة فعلي أن اتسمر في مقعدي دون أن أنبس ببنت شفة!!! حتى إذا أتت المعلمة مبتسة بمزاج رائق إلى الصف وهي تمسك فنجان القهوة في يمينها ترتشفه بشراهة؛ تنظر إلي بإعجاب: شوفو سماح ما أأدبها وأهداها، يا ليت كل البنات متلها!! تعالي يا سماح افعلي كذا وكذا....

 هذا القالب الزجاجي نما وترعرع معي حتى انتقل إلى الثانوية، أذكر ذات حصة، أثناء شرح المعلمة لدرس في الأحياء، توقف الجميع عند جملة وضحك بأعلى صوته، أما أنا استطعت أن أمنع نفسي عن الضحك حتى نظرت إلى الصف كيف يضحك بفرح والمعلمة غاضبة لفرح الطالبات؛ لم أستطع مقاومة هذا المشهد فانفجرت من الضحك، نظرت إلي المعلمة باستغراب: حتى انت يا سماح بتضحكي؟!! سؤالها أدهشني وجعلني أتابع الضحك من جديد، فلماذا لا أضحك؟! ألست من لحم ودم أم أنني روبوت!!

 وفي حادثة أخرى أذكرها في نهايات الصف العاشر، حصلت على علامة متدنية في التاريخ؛ باعتباري أنها بضعة أيام ثم أختار التخصص الذي أريد، وكان التخصص الذي أريده هو العلمي، فلماذا أكلف نفسي بدراسة التاريخ؟!

 أذكر جيدا ملامح معلمة التاريخ عندما صدمت بعلامتي في امتحانها وفارق العلامة بالفيزياء، نظرت إلي وقالت: انت مريضة يا سماح صح؟ على شان هيك علامتك سيئة. ما رح أحسب الامتحان رح أعيده" عندها لجمت ولم أستطع الكلام: خاطبت نفسي في سري: مين حكالها اني مريضة. وشو بدو يدرسني الامتحان من جديد!!

 أذكر جيدا كيف أني كنت سليمة معافاة ولكن عندما عدت إلى البيت أحمل عبء ما طلبته مني، شعرت بالاكتئاب والمرض وتغيبت يومين عن المدرسة حتى حفظت كل كلمة عن ظهر قلب. ثم عدت إلى المعلمة؛ أخبرتها أني تغيبت بسبب المرض؛ ابتسمت في وجهي، واصطحبتني الى غرفة الادارة، قدمت الامتحان، حصلت على علامة كاملة، فرحت المعلمة وكتبت على الورقة: "touch wood" يعني امسكي الخشب من الحسد. ثم أعطتني لوح من الشكوكولاته اللذيذ!!! اخذت تتفاخر أمام المعلمات بعلامتي!!

وأما أنا فرفعت يدي إلى السماء راجية الله: متى أتحرر من هذا السجن وهذا الغباء؟!

 ولم أكن أعلم انه مرض استشرى في عقلي، أو أنه مرض وراثي؛ فبناتي الآن يتفوقن فقط لإرضائي ومجتمع المدرسة!! وأذكر يوما عندما سألت ابنتي وهي تبكي من أجل علامة خسرتها طبعا كما كانت تفعل أمها: ليش هيك قاتلة حالك على العلامة حرام عليك؟ أجابت: بخاف على سمعتي بين المعلمات، وبخاف على زعلك... تسمرت في مكاني مذهولة!!!!!

 وأما أنا كمعلمة؛ أدخل الصف، أجد الطالبات يخربشن على السبورة، يتقافزن على الادراج؛ أبتسم في سري لتلك السعادة المتلألئة في عيونهن، ثم امنحهن بضع دقائق للاستعداد وتسير الحصة على أحسن ما يرام

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.