كـتـاب ألموقع

انتفاضة العرفاء الباسلة 3-تموز 1963// حميد الحريزي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حميد الحريزي

 

عرض صفحة الكاتب 

انتفاضة العرفاء الباسلة  3-تموز 1963

الاديب حميد الحريزي

 

قصة انتفاضة ((حسن سريع)) 3-تموز 1963 كما وردت في الجزء الثاني ((كفاح)) من ثلاثيتي الروائية ((محطات))... نجتزئها لكم بمناسبة ذكرى الانتفاضة المجيدة ضد الفاشية البعثية .

*************************

((ثم عاد" (("مظلوم)) الى  بغداد ، متنكرا  بزي  ابن الريف  قاصدا كوخ  صديقه  العريف (( حسن  سريع))  في  سعيده، الذي جمعته به  علاقة  صداقة ورفقة حميمة حينما كان يعمل في  المطبعة ، وكان لهم آراء وأحلام وتطلعات مشتركة ، وقد   نشأت وتطورت  بينهما علاقات عائلية على مستوى الأسرتين  آنذاك ...

اما ((كفاح  )) فعلم  انًّه  قرر  ان  يغادر العراق  عبر  البصرة  فايران ، فالأتحاد السوفياتي  ان  نجح  في  اجتياز الحدود  بمعونة احد الرفاق من  حزب (( توده ))  الايراني ...

قصد ((حسن)) الى كوخه في (( سعيدة))  بعد ان عاد من الدوام في معسكر الرشيد ، فرحب  به (( حسن ))  ترحيبا  كبيرا ،  واخذه بالاحضان  بعد  طول فترة  عدم لقاء بسبب الظروف  الغير ملائمة المتلاحقة ، اعد له وجبة غداء تليق به، افترشا حصير (( الخوص))  وتناولا  وجبتهما وهما يتبادلان الحديث  والاخبار المؤلمة ، وما  جرى وما  يجري  من  انتكاسة كبيرة للحركة الوطنية العراقية، نتيجة الانقلاب الفاشي الذي دمر كل شيء ، لمس (( ابو كفاح))  حماسا واصرارا كبيرا  من لدن (( حسن) على مواصلة طريق الكفاح رغم كل الصعوبات ...كما انه  لمس  تقارب وجهات نظرهما في  فهم وتفسير  ما حدث، فقررا  العمل  من اجل  اعادة البناء،  وتواصل مسيرة الكفاح  وتحقيق الاهداف النبيلة في (( وطن حر وشعب سعيد))...

طلب (( ابو كفاح )) من حسن ان  يفتش  له عن  عمل ،  خصوصا  وانه  ناقش مع نفسه الكثير من الخيارات التي تناسبه من حيث حرية الحركة  والتمويه في مثل هذه الظروف  الغاية في الصعوبة والخطورة ... وتوصلت ان افضل عمل  يمكن  ان  يناسبني حاليا هو (( فلاح ))  او ((حدقچي))...

أي والله  خويه  ياريت  تشوفلي شغلة  فلاح  حدايق  للناس  التحتاج (( حدقچي )) وبيش ما چان ،  واني عندي چم فلس اشتريلي  بيهن  بايسكل حتى اگدر افتر عله  البساتين  والبيوت ، وبعدين هاي الشغله راح  تبعد عني العين ـ  وتفسحلي المجال  بالحركة  في مختلف  المناطق  ودخول  مختلف  الدور .

-     استحسن (( حسن)) مقترح  رفيقه كثيرا  معجبا  بحماسه  وفطنته  وذكائه ، واخبره  بانه سوف  يكلف  احد  معارفه  فلاح  حدايق  وبساتين  حتى يدبرله  هاي الشغله  واعتقد هو محتاج  هچي واحد

بعد مرور  ثلاثة ايام ، قضاها  ((مظلوم )) بعيدا  عن  اماكن  تواجد القوى الامنية والحرس القومي، اخبره  (( حسن))  بانه عثر له  على عمل  ، وسيعرفه  مساء اليوم  بصديقه الفلاح ، الذي سيدله  على اماكن عمله ، فقد اخبره  ان  ((  ابو كفاح )) (( شمران ))  ابن عمه ، وقد ضاقت  به  مدينة كربلاء فقرر البحث عن عمل في بغداد ، وبالفعل  تم له ذلك ،  حيث اعاره ((حسن))  بنطالا  قديما ،  وقميصا من  قمصانه ، واضعا  منجله  في حزامه ، ورابطا  (( الكرك)) على الدراجة ، مرافقاً  سيد نعمه  الذي استانسه كثيرا ، وبعد ان افطرا سوية عند  احد باعة (( الشوربه ))، اصطحبه الى اصحاب الدور الذين هم  بحاجة الى خدماته  لتنظيم والاعتناء بحدائقهم التي كان  هو  يعمل  فيها والان  هو مضطرا للانقطاع  لانه حصل على  عمل ((  فراش))  في احد المدارس  الحكومية  ، كذلك  فانه سيحصل  له  على عمل  في احد البساتين  القريبة  متى ما  اراد ذلك ...

وهكذا  كان ، ثبت  (( شمران ))  عناوين  ومواقع  واسماء اصحاب  البيوت  في  ذاكرته ، باشر عمله  في حديقة  دار احد  الاطباء ، بعد اكمل  مروره بالجميع واتفق معهم  على  أوقات  عمله  حسب جدول  يمكنه  من  رعاية كافة  الحدائق ...

خلال  مزاولته  على العمل  تعرف  على العديد  من  الشرائح الاجتماعية ،  ولمس  مدى الاختلاف  بين عائلة واخرى  من حيث  التعامل ، كذلك  على  اذواق اهل الدار في  حبهم  للخضرة وانواع  واشكال  النباتات  والزهور  والوانها ، ومدى انسجام وتناسق  الوان  طلاء الدار ، وأسلوب لبس  وأشكال مختلفة من الملابس ،  وقد  كان  يحدس  من خلال ذلك على  طبيعة   ومنهج حياة هذه  العائلة  او تلك ، ووفق فرضياته  واستنتاجاته  هذا  قرر طريقة التعامل  مع  هذه العوائل ، مع انه  حاول  عموما  ان يظهر بمظهر  الفلاح الساذج  الامي البسيط ، عبر لهجته   وملابسه  ، وعدم فهمه لمفردات الانسان  المديني  والمثقف ، ناهيك  عن الابتعاد  عن  كل مايتصل  بالشأن السياسي ...وقد  كان  يتقبل  على مضض بعض  الهدايا  والاعطيات  من  الملابس وبعض  المأكولات  والاكراميات  المالية ، وكان غالبا  ما يستجيب  للمساعدة في  عديد  من الامور وان كانت  خارج  مجال عمله ، ناهيك  عن غض بصره  وعفته  وامانته وطيبته  والتزامه الصارم  بمواعيده ووعده ، ومبادراته الدائمة  لتكون  الحديقة اجمل   وانظر ، مما جعل  اغلب العوائل  تألفه بسرعة  وتعتبره    مقربا من  الاسرة  تحرص  على  ادامة علاقتها  به ...

لفت نظره  احد  القصور الشامخة حين دخولها، فقد كان اللون الاصفر طاغيا على  جدرانها  واقسامها ، الحديقة  تنتظم فيها  الزهور صفراء اللون ، فيا  تماثيل  اسود  ونمور  وذئاب ...

ناداه  بصوت بدوي  من داخل الدار :-

تفضل  يبه ، تفضل  يولد  دش ..هلا بيك  هلا بيك

-     اگعد هين ، اگعد هين ، وشسمك  يولد ؟؟

كان شيخا  ضخم الجثة ، يهيمن البياض على شعر رأسه  ولحيته  وشواربه ،تكتسي اسنانه  باللون  الاصفر ، فقد كانت  السيكارة لاتسقط من يده ، يمسك  بيده  الضخمة  عكاز  ذو قبضة ذهبية ، يتكأ على كرسي مجلل  بجلد  نمر ، معلق على جدار الغرفة  عدد من السيوف  والخناجر ، وبنادق مختلفة ...

-     نعم  حجي  اسمي ((شمران )).

-     من  يا منطقة انت ؟؟

-     آني  من اهل  العماره حجي .

-     اها  يعني  انت  شروگي يولد ؟؟

-     مثل  ما تگول  يمحفوظ

نادى على شاب اسمر ليحضر القهوة ، حاملا ((دلة)) فضية اللون ، مقدما للشيخ  ول((شمران ))  فناجين القهوة  المهيلة ... وبينما  هما  يرتشفان القهوة ، دخل الديوانية  شاب  كثير الشبه  بالشيخ  يرتدي  زي  ((الحرس القومي))، خلفه  ثلاثة  منهم يحملون  رشاشات  البورسعيد ...

ودون ان يلقي السلام ،  مستفسرا  باستغراب  من الشيخ :-

كيف  سمحت  لهذا  الشروگي  ان يجلس في مجلسك  ياشيخ ؟؟

انه  ضيفنا ولدي  وللضيف حق  الضيافة، ديوانيتي ليست مقرا  للحرس  يجب ان تفهم هذا...

قال هذا  والتفت  الى ((شمران ))  قائلا:-

رح  شوف  شغلك بالحديقة  ياولد ((شمران ))... في حين رن  جرس الهاتف  طالبا ((حردان ))  الذي  يبدو  قائدا من قادة الحرس  القومي، فتبادل  الحديث  مع  المتكلم على الطرف الثاني ،  قائلا  بانهم  منشغلون  جدا  في  متابعة  خيوط  تحاول  اعادة بناء خلايا  تنظيمية جديدة للحزب الشيوعي ، وخصوصا  في  الجيش ... اظهر ((شمران ))  تشاغله  في قلع  الحشائش الصفراء عن ارض الحديقة في حين كان  مركزا  انتباهه  الى   مجريات  المحادثة التليفونية  ل (( حردان ))  مع  رفاقه ...

فشعر (( شمران )) انه  الان  وفي المستقبل  سيكون  قرب  عدوه  اللدود، وتحت حمايته ، وسيكون مصدر معلوات  هامه  بالنسبة  له  ولرفاقه ، وعليه  ان  يتعامل مع ((الشيخ))  ومع  ولده  بذكاء كبير  وفطنة ، تبعد  عنه كل شك  في الوقت الذي تمكنه من الحصول  على الرعاية والمعلومة ...

كان  (( شمران))  لايعود  الى  كوخ  حسن  خالي  الوفاض  بل   يجلب  ما يحصل  عليه،  ويشتري ما امكنه  من  خضرة او  فواكه  فكمية من اللحم قدر المستطاع ،  وان كان   ((حسن ))  كان  ينزعج  ولايوافقه  على ذلك ، فهو ضيفه  وهو غير عاجز  عن  ضيافته ، فكان  (( شمران))  يرده  بسؤال :-

السنا  رفاق  السنا اخوة ؟؟ 

اذن لابد ان  نتعاون  ونشترك  في ادارة امور حياتنا  سوية ً.

فيسكت  حسن  مذعنا  لقوة حجة  رفيقه .

اثناء تناولهما  لطعام الغداء اخبر حسن  بما  حصل  له  اليوم  في  دار الشيخ  ((ابو حردان )) احد قادة الحرس القومي  واتعرض له  من  الاستجواب من قل الشيخ ،  ومضمون المحادثة التليفونية  للحرس القومي ، ومدى اهتمامهم  بمتابعة  الخيوط التنظيمية  للحزب وخصوصا  في الجيش  مما يستدعي  المزيد  من  الاحتراز والحيطة والحذر  من  الاندساس  او  انهيار احد  العناصر ، وعدم الثرثرة  في الاماكن العامة، اشبعا  الامر نقاشا  واتخاذ بعض التدابير  الضررية  لصيانة العمل ...

 كان  حسن  يبدو  ل((شمران)) غاية في  الانشغال  والانهمام بامور شتى  غير معروفة  بالنسبة له ولايمكنه  ان  يطلب  منه معرفتها ،ولكن ليس من الصعوبة حدس  ان  دماغ  حسن  منشغل بامر غاية في الاهمية والخطورة ، ولاشك  انه  يتعلق بالحزب  والوضع  السياسي  القائم ...

كان  امر  اعادة الصلة بقيادة الحزب  هو جل  مايشغل  بال (( شمران ))، لذلك  فقد  كان  يقوم في كل  يوم  بجولة في   مختلف  مناطق  بغداد  عسى ان  يلتقي  باحد  الرفاق  ممن له صلة  بالحزب ،  او ممن  يريد  التواصل ، يعني  كانت مهمة  مزدوجة  في لم شتات الرفاق واعادة صلتهم  بالحزب... وقد كان لايخفي كونه  يعمل فلاحا  في  بيت  الشيخ  ((  ابو خالد )).

كانت ((غزاله)) الشغالة في د ار احد الاساتذة  الجامعيين  ، امرأة  لم تغادرها حيوية  ونظارة الشباب  بعد ، سمراء عيناء مربوعة ، تفيض ملاحة  ولطفا وعذوبة  وطبية ابنة الجنوب ، تزين ،  مابين حواجبها ، وعلى خديها ، وشم  ازرق  امتد من حنكها  على  مقدمة رقبتها، استلطفت  (( شمران)) كثيرا ، وغالبا  ما ترهف  السمع  له وهو يدندن  بصوته العذب احد  اغانيه الريفية المثيرة للطرب  والشجن، كانت ((غزاله)) تختلق  الاعذار لتكون  بالقرب منه في  حديقة الدار ، فمرة تجلب  له  الماء او الشاي ، واحينا ((لفة))  اكل ، او  فاكهة ...مما جعل  سيدتها  تضطر احيانا لمناداتها او تخرج للحديقة لتفقدها  لحثها  على القيام  بعمل  ما ، وقد  كانت  تلحظ  اهتمامها بتنظيف  الحديقة  عند  حضور ((شمران ))،  فتظهر على محياها  ابتسامة  ذات مغزى ، فتغمزها

ها عيني  ((غزيله )) ، عيني الحديقه  دينظفها  ((شمران )) ، انت  شدتسوين ...

-     ها عمه  مثل  متگولين  صدگ الحديقه  مخليه  ((شمران))  ترگص  رگوص ،  ورد الجوري  والرازقي  صاير يخبل  من ريحته  وحلاته ، عمه  من اچه ((شمران))،  اچت  للحديقه  روح  جديده ، شوفيه  شلون  حنين  ويه  الورد  والاشجار ، والثيله  ،وريحته  ترد الروح

-     أي  عيني  الله  يخليه ،  بس  يلله تعالي  بسرعه  شوفي  شغلچ بالمطبخ ...

-     صار، صار عمه ،  عيني فدوه  لعيونك ((شمران )).

غالبا  مايشعر (( شمران))  بالاحراج ، وهو العليم  بما  تريده  هذه  ال((الغزاله ))، ولكن   هو  الان  باي حال ، ياليتها  تعلم  ما  انا  فيه (( خايبه  اني  وين  وانتي وين ))،  وقد  نقله  خياله  الى ايام الفتوة والشباب  وذكريات  الحب  والعشق  والغرام ، ولكنه الان  هائم في عالم  آخر ،  هو الان  عاشق لقضية  كبرى  هيمنت على كل حياته ...

بعد ان  تناول  قدح الشاي  وقطعة الكيك  التي جلبتها له  (( غزاله))، اخرج  باكيت   الجمهوري ، ولع  سيكارته ، وقد لاح له  خيال   حبيبته  ورفيقة دربه  حياة ،  وولده  كفاح ،  وعزيزته  ((سعوده )) ، نفث  دخان  سيكارته على شكل دوامة من دخان ، اثارت  تحسس وريقات  ورد  الجنبذ الاحمر ...

واصل  عمله   حيث قام  بتشذيب النخلات ، التي  تصورهن  لجمالهن  وصفتوتهن  كانهن  صبيات مراهقات ، مثقلة صدورهن   ب(( عثوق))  التمر البرحي ، كانها  نهود  متمردة

قام  بازالة  السعف اليابس ، والكرب الزائد ،  كحلاق  يقوم  بتجميل وتصفيف شعر  فتاة  في  يوم  عرسها ،  يجملها  يصف لها  سعفاتها  يزيل من حولها  الاعشاب ، يعدها  عروسا مدللة في  احضان  امها  الطبيعة ، تستعد لاستقبال عريسها  ليلة الزفاف  ، يسرح  في  خياله ، واستمتاعه  بعمله  وكأنه في  بستان   اهله   ايام  فتوته وشبابه  وسط مزارع ورائحة عنبر المشخاب ...

لم يصح  من تخيلاته  الا بعد أن  وضعت  (( صينية)) الغداء  امامه  بيد  ((غزالة))  بامر من سيدة المنزل  وهي موظفة  في احد دوائر  الدولة ، تتمتع بنبل  الخلق والانسانية الطافحة بالمحبة  والكرم  خصوصا   عندما تكون في الدار عند  مجيئ ((شمران ))  لدارهم...

تناول  غذائه الشهي  من  التمن العنبر ،  ومرق  البامياء ولحم الغنم ، والخبز الحار  متمنيا لو شاركه  بها  رفيقه  ((حسن ))... بعد ان اكمل  ناولته  (( غزاله)) قدحا من الماء البارد  وقدحا من الشاي  محاولة  ان  تتلامس  اصابعها  مع  اصابعه(( يلزارع البزنگوش ازرعلي انه  ورده ))، يتحرز  ويتحرج  ((شمران )) كثيرا  يتناول القدح  بحذر ،  شاكرا  لها حسن رعايتها ، متابعا  مشيتها  المتبخترة وهي  تجر عجيزتها  الرجراجة  المشتهاة ، وضفيرتها  التي  تنساب  على ظهرها  معانقة مرتفاعات  وركها الهزاز  وهي تسير في ممر الحديقة  أمام ناظريه ...

جمع اغراضه ،  ثم  قاد دراجته  مودعا  اهل الدار ...

خارج الدار   ثبت ((الكرك)) على الدراجة ، مع  حزمة من  سعف النخيل ، والكرب ، ليستفاد منه  وقودا  لتنور    بيت حسن ، وهو  يقود  دراجته  قبل ان يركبه في الشارع العام ، احس  بوقع خطى  تتبعه ، التفت  فشاهد  غزاله  تسير خلفه ...

-     ها عيني  ((شمران )) آني هم  رايحه  لبيتنه ، عمتي انطتني  اجازه  اليوم ، لك عيني  اني  اشم بيك ريحة اهلنه ، والله  داده  من اشوفك ترد روحي ، ومن اسمعك  تدندن  بصوتك الحلو  تذوب  روحي ...

-     عيني  ((غزاله))  انا  اشكرچ هوايه على  اهتمامچ بيه  ،  ولطفچ، وهاي  اهيه طبايعنه  احنه الفقره  واحد  يحن للثاني . بس انتي منين وشجابچ لهل الشغله ؟؟

-     ولك  داده  انه  جابني الوكت ، اني  اطوني  لرجال  شايب فصليه ، ما  عشت  وياه  سنه  وراح لدار حقه ،  ورديت  انه لهلي ،الساكنين  بمدينة الثورة ، بعد هدم  الزعيم  الاكواخ  وبنى لنا  دورا جميلة تأوينا ،  وحالتهم  تعبانه  حيل ، فاضطريت  اشتغل  هل  الشغله  عد  هذوله الناس الطيبين ، الله يطيهم ما  مقصرين وياي ، يطوني  ثلث دنانير بالشهر ولبسي  واچلي عليهم ، ويكرموني  بالمناسبات ، ويطوني    الملابس الزايده  واكل ، اخذه  لامي  وابوي  واخوتي ...

 چان  جيرانه  خوش  ادمي  راد  يشوفلي شغل  بمعمل  الزيوت  ،  لكن  مناعيل الوالدين ، حبسوه وره  ما كتلوا  الزعيم الله  يرحمه ،  وبعد ماعرفنه  عنه  أي  شي ، يگولون چان شيوعي ... من صار الانقلاب عله الزعيم ، چان عدنه  ((اميمن ))، اشو من اجو الحرس القومي ، نزع  صايته  وعمامته  ولبس حرس  قومي  وگام  يلگط  بالوادم  نسوان وشبان  وشياب ، علبو  شيوعيه  لو من ربع  الزعيم ، يريد ياخذ بثاره  والله ليش نزلوه  من  المنبر  لانه  حرم  عله الفلاح  اخذ الگاع من الاقطاعيين  حسب قانون الاصلاح الزراعي ، وگلب الدنيه  عله   القانون  الي  اطه حقوق  المره .

عيني  وينك  يلزعيم ، دمعة عيونها وهي  تخرج   مدالية  معلقة في صدرها  تحمل صورة الزعيم ، خويه  صدگ  شافوا  الزعيم  بالگمر ؟؟؟

ابتسم ، ((شمران))، قائلا:-

-     ((غزاله))  شدي حيلچ وديري بالچ عله اهلچ وشغلچ، وماكو شده   واله  فرج . وهسه الله  وياچ .

-     الله وياك عيني  ومصحوب  بالسلامه ، من فدوه اروح  لهل  الجهامه

احس ((شمران)) بانه يمر بمأزق جديد ، لايدري  كيف  سيتعامل  معه ، يبدو  ان هذه  الفتاة قد وقعت في  عشقه ، والنساء عندما تعشق تكون  كالمجنون ، لاتفكر بعقلها ابدا ، وانما تكون  تحت   هيمنة  عاطفتها ، انها شابة تعرضت للظلم  والحرمان  والقهر  الاجتماعي  في  ظل تخلف  العادات والتقاليد الاقطاعية والعشائرية  السائدة ، وهي تحاول  بكل وسيلة   ان   تعيش في كنف رجل يرعاها ويحترم مشاعرها  ويحرص عليها ، يشبع لها  رغباتها  الجسدية والروحية ...

ولك هاي  شلون شغله  ((يمظلوم)) لو ((حرس قومي ))  لو ((غزاله ))، ها يشلون راح تراوسه ، هسه  ((الحرس القومي))  ومگدور عليه ، لكن هاي  الراح  تغط  بالحب  شنسويله ؟؟

من أجل ان يعطي  لنفسه  فسحة من التأمل  لما  هو عليه ،  تأمل المزيد  من الظواهر  التي يشهدها  البلد في  هذه الاوقات ، عليه ان  يدور الاحداث  في مشغله الفكري والمعرفي  لغرض تظهيرها على حقيقتها ، ماهو الرئيسسي وما هو الثانوي  في طبيعة الصراع الدامي الجاري في البلاد ، في ظل  بلد  ودولة ريعية ، تعتمد الثروة البترولية مصدرا رئيسا  للدخل ، لم تهتم  بتطوير ولا بتدوير عجلة  العمل المنتج ، ادخال  المجتمع في   اتون الثقافة الاستهلاكية ، وبالتالي  المزيد  من الاضعاف للطبقة البرجوازية الوطنية المنتجة ،  ونقيضها الطبقة العاملة ، مع تبعية موضوعية للطبقة المتوسطة للسلطة الحاكمة ، لانها مستوظفة عندها  ولا تمتلك  ذاتها واستقلاليتها  كما هو الحال في المجتمعات الصناعية المتطورة  في البلدان الرأسمالية ،وكل الشواهد تشير الى فشل  نظرية ومنهج  التطور الرأسمالي صوب الاشتراكية  بقيادة  البرجوازية  ((الثورية)) وهما  كما تصورها  مروجا  هذه النظرية ، فالطبقة الحاكمة  هي خليط من بقايا  الاقطاعية  والبرجوازية الطفيلية التابعة  بما يمكن وصفها  بالطبقة (( الاقطاوازية )).

إنَّ حالة الميوعة الطبقية  وتداخل الطبقات الاجتماعية  ببعضها ، وتحولاتها  جماعات وافرادا من  حال  الى حال  ومن موقع الى موقع ، لايمكن ان يخلق  و لايمكن ان  ينتج  طبقة عاملة  واعية لذاتها ، تتمكن من رفع راية الكفاح  من اجل اقامة المجتمع الاشتراكي ، مما يتطلب  ان  تكون هناك  شريحة   ثورية  واعية لاوعيها  وتردي موضوعها تمسك  بالسلطة السياسية ،  تعمل من اجل  تطوير وتثوير طبقات اجتماعية منتجة  مستقلة عن المركز الرأسمالي  الاستغلالي ،  وهذا  يتطلب  العمل من اجل تحقيق ذلك  بالاستيلاء على السلطة  بالقوة  سواء بانقلاب عسكري ، او بثورة  شعبية مسلحة ...

حينما توصل  الى هذا الاستنتاج  اخرج  علبة سكائره   مشعلا سيكارة الجمهوري الحارة ، نفثا  دخانها  بعيدا  كمن  يزيل  عن  صدره  هما ثقيلا ،   يشعر وكانه   تلميذ  تمكن  من حل  مسالة  رياضية  في قاعة الامتحان ...

ركب  دراجته  وسار مسرعا  خشية ان  يتأخر   عن وقته المحدد الى دار ((حسن))   مما قد  يثير  مخاوفه  وقلقه  عليه ، كما  انه  يشعر بانه   حامل اليه  حل معضلة فكرية كبيرة  ستطرد حالة الضبابية والغموض المهيمن على  الوضع السياسي والاجتماعي العام  في  البلاد ، يشعر بأنه قد وجد  مفتاح  الحل  الذي يجب  اتباعه   لبناء (( وطن حر وشعب سعيد ))... يعطيه  هذا الشعور   قوة مضافة  للضغط على  دواسة الباسيكل  ليندفع مسرعا ملتهما  الشارع  الاسفلتي  صوب  قرية (( سعيده))...

يبد ان  غنج  ومحبة وشاي (( غزالة))  قد فتح مغاليق  الالغاز  وبدد  ضباب  طريق الخلاص ،  ولا ادري  مالذي  يشغل  راس (( غزاله )) الحلوه  الان ؟؟

حينما  وصل  الدار،  وجد  ((حسن)) ينتظره  بلهفة وقلق ،  ولم  يتناول غداءه  لحد الآن...

 اعتذر  وطلب  منه  ان يتناول  غداءه  لأنه  لايستطيع الاكل  فقد تغدى في  بيت  احد اصحاب الحدائق،  انزل  سعفات  النخيل والكرب  واضعا اياها  خارج الدار، ثم ادخل دراجته ، وقرر ان  يعمل  الشاي  بنفسه  هذا اليوم ... وهم  يتناولون  الشاي  شرح  له ماتوصل  اليه  بخصوص الحل  الثوري  لما يجري  الان  ووجوب  استلام السلطة  من  قبل  الحزب  والقوى الديمقراطية  في العراق  وبدون ذلك  لايمكن تحقيق   استقلال  البلد  ورفاه الشعب ...

كان  حسن في غاية السرور لما طرحه  ((شمران))  وكأنه  كان  ينتظر منه  مثل  هذا القرار  الثوري  المصيري  بالنسبة لهم ، مما  فتح  الباب على مصراعيه   لحسن  ليكشف  لشمران   ما قرره (( المجلس الثوري))  من  العسكريين  والمدنين  الشيوعين  للاعداد والتحضير  لانقلاب  عسكري  انطلاقا من معسكر الرشيد  للقيام  بالثورة  ضد  الحكم القائم ، تحمس  (( شمران  )) كثيرا  لما  يخطط  له  رفاقه  بعد ان اطلع  على بعض  التفاصيل  ومنها  تاكده   من  وجود  صلة وتنسيق  مع  قيادة الحزب  حول   الامر ، وقرر تعريفه  ب(( محمد حبيب )) و (( حافظ لفته)) لغرض  تدارس جميع  الخطط  ومستلزمات  التحضير للثورة  وضمان  نجاحها ...

اخذ ((شمران ))  يضاعف  من  نشاطه  قاصدا  الاماكن  التي  يتوقع  ان  يلتقي  خلالها  ببعض رفاقه  القدامى  والمنقطعين  عن  العمل، وقد تمكن  بالفعل  من  اعادة  صلة فردية بالعديد  منهم  من  العمال ، وصيادي  الاسماك،  وعمال  المطابع، والكسبه ،موضحا لهم  نية  الحزب في الاعداد  للثورة  واستلام السلطة  وعليهم  ان  يكونوا  جاهزين   لهذا  العمل  في  وقت التنفيذ،  ولايألوا  جهدا  في  اعادة الصلفة بمن  يثقون  به  من  الرفاق والاصدقاء المنقطعين ...

كما  انه  و حسن   كانوا  يسهرون حتى ساعات متأخرة من الليل    لمواصلة متابعة   نشاط  رفاقهم   ورسم  المخططات  في كيفية التحرك  حينما تحين ساعة  التنفيذ،  كما  كانت  تصلهم  ملاحظات  واراء   رفاقهم  الذين   كانت  لهم  عدد من  المناطق  ومحلات  للقائهم  واجتماعاتهم  غطت  اغلب مناطق  بغداد  الشعبية  ومنها  محل  خياطة  ((حافظ لفته )) خلف  السدة ، وستديو  شاهين  للتصوير  في بغداد الجديدة ،  وكوخ  صغير في كمب  ساره ، ومخبز في منطقة الجوادر  بالثورة ، ومقهى ابو حسن ((دي لوكس))  في ساحة الطيران ، بالاضافة الى العديد من المقاهي والدور السكنية في مدن الثورة والشعب والحرية

كما  ان  التنظيم   اوجد له  نواة  عسكرية  ومدنية  في  باقي  المحافظات  وخصوصا  الوسطى والجنوبية ،  وقد  وضعت عدة تواريخ  للقيام  بالثورة  منذ 15-5-1963 والتي  تم  تاجيلها بسبب حالة الانذار للحرس  القومي ،  نتيجة لصراعهم ضد القوى الناصرية  الحليفة للبعث  والذين تم  ابعادهم  فيما بعد ...

كان  (( شمران ))  يحصل  على معلومات  هامة جدا   من  دار ((الشيخ  ابو حردان ))  عن طريق متابعة احاديث  حردان    مع  رفاقه  في الدار او في  التلفون  وعن خطط  الحرس القومي  ضد  الشيوعيين ، وعن ما  حصلوا عليه  من معلومات  وما  قاموا  به  من اعتقالات  لناشطي الحزب  واصدقائه ،  وقد كانت  هذه  المعلومات  ذات  اهمية كبيرة  لقادة ((الثورة )) وما يتخذونه  من اجراءات  وقائية  سريعة ...

لقد  كانت  ((غزالة )) مصدرا  كبيرا  لمضايقته  واحراجه ،  ولم  تنفع  معها جميع  الاعذار  لتبتعد عنه ،  وكاد  ان  ان  يتورط  معها  في ممارسة حميمة حينما  زار  الدار ولم  تكن  سيدة البيت  موجودة  في الدار لانشغالها في الدوام ، فقد  رمت  غزالة نفسها  عليه  ملتهمة اياه  بقبل  لاتنتهي ، حركة  كافة كوامن  غريزته ، لتهيمن  على كل  سحب  الالم  والهم والانشغالات  الكبرى ،  فتستيقظ  مجنونة  فوارة  اما   اغراءات  جسد  ((غزالة))  ومداعباتها  المثيرة ، لم  ينقذه  من هذا الموقف  الاعندما  رن جرس  الباب من  قبل  ((الخبازة))  التي  جلبت  لهم  تخصيصهم  اليومي  من  خبز التنور الحار ، وخلال  ذهاب  غزالة  لجلب  الخبز   ، أستطاع   ان  يعيد  التوازن  الى  نفسه  ويكبح  جماح  غريزته ، وقد  اقترب موعد  قدوم  ربة  المنزل  من الدوام ،  رغم  تشبث  ((غزالة)) به  وانهمار دموعها  في  حضنه ،   رفع راسها  من حضنه ،  ماسحا  دموعها   واعدا  اياها  بانه  سوف  لن  يخذلها  لو توفرت  ظروف   مواتية ،  واستطاع  ان  يتخلص  مما  هو فيه  من هم  وكدر بسبب  مرض والدته ، وسوء  صحة ولده  وابنته في القرية وقلقه  الكبير عليهم ،  تشلغل  عنها  في   زراعة  بعض  أعواد  زهور جديدة  وتعديل  التربة   حتى  تاتي  ربت  البيت  واستلام  اجرته  التي  استحقها  في هذا اليوم  وهو  بأمس الحاجة اليها  الان ...

 احضرت له  (( غزالة)) طعام الغداء كالعادة ، وسلمته   اجره  من السيدة  مضافة لها اكرامية  محترمة  تقديرا  لجهوده  المتميزة في العناية  بالحديقة ...

حمل  ادوات  عمله  مثبت ايها على دراجته ، وقد  شييعته   من باب  الدار غزالة بحسرات  حرى  ودموع  ظاهرة  حاولت   ان  تواريها   عن  سيدتها التي  امرتها  بتحضير  الحمام ،  وتهيئة  طعام الغداء  للعائلة ، فسيدها على وشك  الوصول من المكتبة  ، حيث يحضر   وبيحث  في الكتب  المهتمة  بتاريخ  العراق  القديم ، ةتاريخ الاسطورة ، وتاريخ الحركات الثورية في بلاد الرافدين  في مختلف العصور ...

حاول (( شمران))  شراء بعض  المستلزمات  الضرورية  للتحضير  للثورة  المقبلة ،  كالحصول  على بعض  البدلات العسكرية  ، والرتب ، وتكليف  البعض  بعمل  قطع  قماش  تحمل  مختصر مقاومة شعبية ((م .ش))   لتربط بالساعد  لغرض تمييز  الثوار عن  غيرهم ، اثناء  بدء  الحركة  مع  علبتين  من سكائر  ((الجمهوري))...

والله ي(( مظلوم)) لو  مو هل  الوضع  الي احنه  بيه   مال  گعدت (( زحلاوي)) وسمچ مسگوف ، راحت ايامك  اسطه  جمال ...

حبيبتي حياة رغم  مرارة  فراقكم  ايتها  الحبيبة  انت    وعزيزتي  (( سعوده)) ، ولكن  مرارات  حكم الفاشست ليس لها حدود ،  ومن  مثلك  لايحتاج  الى   ان  اشرح  له  ما  نحن  فيه  ،  وجسامة  المسؤولية  الملقاة  على  عاتق كل  مناضل  للخلاص  من  هذا   الطاعون  الاسود ، اغتلوا احلامنا  اغتلوا  أحلام  الفقراء ، أغتالوا  الحرية ،  قتلوا  ومثلوا  واستهتروا  ولابد  من الثورة ،  كلنا  أمل  باننا  سنحقق آمال احرار العراق ، كلنا  أمل  بأننا  سنحقق  احلام   الشهداء اللذين  اغتالتهم الفاشية  ومزقت  اجسادهم  هذه الذئاب  المسعورة ،  حبيتي  الغالية  لايمكنني  العيش في ظل  العبودية  والقهر  ، لايمكنني العيش ورفاقي  يذبحون ،  وشعبي يعذب ، لذلك قررت  اما  حياة حرة  سعيدة  واما   فلا معنى للحياة ، حبيبتي   ربما  نلتقي  في مهرجان  فرح  او  ستلتقي ارواحنا  بعيدا عن  رقابة   الفاشية ...

لم  تفارق  فمه  سيكارته  الا لتخلفها  ثانية  حتى وصل  الى  كوخ  (( حسن ))، فاليوم لقاء  تقرير المصير  وبغداد  على موعد  مع  فجر جديد ... وجد  حسن  منهمكاً وهو  يحدث  نفسه ، يرسم  على الارض  ويمحو   ثم يرسم ،  ادى التحية  وجلس  قربه ،  تذاكرا  حول  اجتماع  الليلة  للتوصل  الى قرار  لاختيار موعد  جديد  لانطلاق  الثورة ،

ما  ان حل  الظلام  حتى  بدء الرفاق بالتقاطر  على   الكوخ ، بازياء  وهيئات  مختلفة  ، اغلبه  جاء على ظهر دراجة  هوائية  او بخارية ، بعد  اخذ كافة الاحتياطات حتى يكونوا بعيدا  عن  انظار  السلطة ،  وان  عنوان   تجمعهم  المعلن  هي ((  مشية ))  صلح  لزميلين متخاصمين في العمل ...

افتتح  حسن  الاجتماع  بشرح  عام  لطبيعة الاوضاع  الحالية ، ومراجعة  اغلب التطورات   ونضوج  اغلب  الاستعدادات  مما يتطلب   تحديد  ساعة الصفر  لاعلان  الثورة ، فتح  مجال  النقاش  والمداخلة  لاغلب  الحاضرين  لابداء اراءهم  وملاحظاتهم  لتكون  الخطة محكمة  والموعد  لاتشوبه  اية محاذير  لتكون  المفاجأة مذهلة ومربكة للعدو ...

خلص المجتمعون الى تحديد فجر يوم  24-6-1963 من حيث  المبدأ  موعدا لانطلاق  شرارة الثورة  ، وستكون  كلمة السر هذه المرة (( فهد))،ويكون  انطلاقها  من موقع "دبابابت" ابو غريب  نحو الاذاعة في الصالحية  لاذاعة البيان الاول  للثورة ،  انفض  الاجتماع  على ان  يتم  التواصل  في  الايام اللاحقة  ومتابعة التطورات   والمتغيرات  ، مع  اخذ الحيطة والحذر والكتمان  الشديد  لتفادي  المخاطر التي قد تجهض  الثورة ...

خرج  المجتمعون  الواحد  تلو   الاخر وكل  منهم    يشعر   بدنو  موعد النصر  والخلاص القريب ، خصوصا  وانه  قرأ الاصرار  والحماس  والاستعداد  للتضحية  في  عيون  كل  الرفاق . في حين   واصل   ((حسن))  و (( شمران ))  نقاشهما   في  الشأن  العام  والخاص ، وقد  عرض (( شمران ))  على رفيقه  خيار تركه  لعمله  في   حدائق  البيوت ،   للعمل  في  احد  البساتين  ،  مما   يوفر له  سكنا  مستقلا  ليكون  بمثابة وكر  جديد  يضاف  الى  الاوكار  الحالية ، كما  انه  يخفف  من  الضغط  عن  (( حسن))  وكوخه ، وربما  يفكر في دعوة  (( ام كفاح))  لتعيش  معه في   هذا الكوخ ...

فقال  (( حسن))  مبتسما :-

-     ها  رفيق  يبدو  انك لم  تعد  تحتمل  فراق  أم  ((كفاح ))؟

-     تريد  الصدگ ابو فلاح  فرگتهم  صعبه ،  لاكن  مو هذا القصد ،  آني  أفكر  بالافضل  لتطوير  عملنا  وابعاد  الشبهات  عنا .

-     آني وياك   ابو كفاح ، بس احنه  على وشك اعلان  الثورة   ولا ندري  كيف  ستسير الامور ، خليهم  الأهل  الآن   على ماهم عليه ، وبعدين   خلي  تواجدنه  سوية  يصير  حالة معتادة اولاد  عم  عايشين  سويه  حتى نبقى على تواصل  مستمر    وهو مانحتاجه  في  الظرف  الحالي ، ووضعنا  الان  لايثير الشبهات .

-     خلص كما ترى   ابو فلاح  العزيز ، ونشوف  شلون  نراوسه  ويه (( الحرس القومي))  ويه   العاشقة الولهانه  البطرانه (( غزاله ))؟؟

-     الحرس   القومي  انته  تلفه  وتلف  أبوه ،  وظل  الزلمه  فايدنه بمعلومات مهمه ، وهو مصدر معلومات  موثوقه  ولايمكن الاستغناء عنها  في الوقت  الحاضر ،  اما  ((غزالتك))  فهللت انهله بيه ولاتكسر خاطره ،  هههه.

-     التفضلت  بيه  ابو فلاح  صحيح ،  وهاي  المسكينه  اتمنه  تلگاله  ابن حلال  تشاركه  حياته  بامان ، وايام  گبل  راحت  ويه  اهله ، وحنه  اتعلمنه  ما نوعد  ونخلف ...

-     وهساه اسمع  عوعه  ((ديچ المختاضه)) ،  هاك هاي  جكاره  خلصه  ولف  راسك  ونام  وراك  غبشه للدوام . تصبح  عله  نصر تصبح  عله  خير .

-     تصبح  عله  خير وسلام   ((ابو كفاح )).

قبل موعد التنفيذ بعدت ايام  تم  تأجيل الموعد الى5 تموز 1963 والذي تغير الى يوم 3 تموز 1963 لعدة اسباب  من بينها قيام الحرس القومي  باعتقال ضابطي صف قياديين في الحركة ، ونقل  احدى الوحدات العسكرية في نفس اليوم الى  كردستان العراق ، وكان  في الوحدة عدد  من   انصار الحركة ،  وقد لوحظ  ازدياد  نشاط ومداهمات الحرس القومي ضد العديد من العناصر  من  اعضاء الحركة  وانصارهم  وقد عثروا    عند بعضهم  قطع  من القماش تشد على الذراع  وكتب عليها  حرفي ((م.ش))  أي مقاومة شعبية ،  واستخدام  شتى   انواع  واشكال  التعذيب لانتزاع  اعترافاتهم  على ما كان  يظنونه   مجرد (( تنظيم جديد))  للحزب  مستبعدين قدرة  اية  قوة على القيام  بثورة او انقلاب  عسكري  نظرا  لانها جميعا  بقيادة  البعثيين  وتحت  سيطرتهم ...

وقد وصل  الى سمع  ((شمران))  عن طريق (( خالد  )) قائد الحرس القومي  بانهم  تمكنوا  من  مسك رأس خيط  لتنظيم جديد  للشيوعين  ، الذين اصدروا عددا جديدا  من  جريدتهم الرسمية  السرية ،  وان   القوى  الامنية   والحرس القومي  سيقومون  بشن حملة واسعة النطاق لاعتقال كل  المشتبه  بهم ..مما جعل   امر التنفيذ غير قابل  للتأجيل ...

في كوخ صغير، مفروش بحصران سعف النخيل ، تم اجتماع ((اللجنة الثورية ))، بمن فيهم ((حسن، وشمران ،ومحمد حبيب، وقاسم محمد ،ورئيس العرفاء كاظم البندر وغيرهم)) تم وضع اللمسات الاخيرة لانطلاق الثورة  بكل تفاصيلها وتوزيع المهام  على الجميع  ثم اقسم الجميع وسط دوامة من دخان السكائر ، وتبادل انخاب اقداح الشاي (( نقسم بتربة هذا الوطن الغالي ان نحرره من الظالمين  الطغاة))*ب-ص70.

 وقد كانت الوصية الاخيرة  من قبل ((حسن)) ورفافقه ان (( لا تقتلوا احدا بل اعتقلوهم وسنقدمهم للمحاكمة))!!!

وفي الساعة الثانية عشرة والنصف قبل 3 ساعات من بدء التنفيذ انفض الاجتماع ، وقد عاد حسن ورفاقه من عسكريين ومدنين  بمن فيهم ((شمران)) الى معسكر الرشيد ، وقد كمنوا في مهاجع مدرسة قطع المعادن ...

عند الثالثة والنصف فجريوم  الخامس من تموز ، وضع  حسن وعدد من ضباط الصف وعدد من المدنين   من  ضمنهم ((ابوكفاح)) الذي ارتدى الملابس العسكرية فوق  ملابسه المدنية  فبدى اكثر بدانة مما  هو عليه ،وضعوا الرتب والاشارات على اذرعهم، وتوجهوا نحو حرس مدرسة الهندسة الآلية العسكرية، وبحركة  رشيقة وموحية  مد حسن ذراعه صوب الحرس وكذلك فعل رفاقه ، امرا الحرس بالاستسلام فورا ، فاستسلم الجميع وتم اعتقال عريف وضابط الخفر، واحتلال المدرسة،ومركز التدريب المهني، وكسر مشجب السلاح والاستيلاء على ((150)) بندقية،  وقد التحق بهم ((300)) جندي من سرية الحراسة ، ولكنهم لم يكملوا احتلال المدرسة  وكان ذلك  بداية  لعدة اخطاء اخرى  توالت بعد اطلاق  رصاصة  اشارة التنفيذ، ومنها  التزامهم بوصيت ((لاتقتلوا احدا...))،وقد تمكن العريف (( كاظم فوزي)) الملقب  ب((كاسترو))  بكسر باب  سجنه  هو ورفاقه من انصار الحركة والسيطرة عليه ، و  تمكنوا  بعد ذلك  من السيطرة على مقر اللواء ((15))، كذلك  تمكنوا  من السيطرة على كتيبة الدبابات الاولى  واعتقال  قائد وضباط الكتيبة ، وانتظروا  ضباط  سجن رقم  واحد  ولكن  دون طائل ،  وعدم مفاجئتهم لحراس سجن رقم  واحد واكتفاء  مسؤول  المجموعة  ((عريبي محمد ذهب )) بمناداتهم بالاستسلام التي لم يستجب لها احد، مما مكن ((الاحمر))* البعثي المتطرف من المقاومة وصدهم مما افشل عملية اطلاق سراح المعتقلين واغلبهم من الضباط الدروع والطيارين وبقية الكوادر الهامة الاخرى والذي كان المعول عليهم على قيادة  الطائرات والدبابات بعد تتم السيطرة عليها من قبل الثوار الجنود  ، وارتباك  او تخاذل  قائد الدبابة الاولى  العريف " راضي كاظم شلتاغ "بقيادة عبد السلام عارف رغم كونه من الثوار، وعدم وصول الضباط الى  الطائرات ،والى كتيبة الدبابات، وفشل عملية الاستيلاء على الاذاعة ، مما مكن السلطة من استنفار قواها من الحرس القومي  والجيش  واخماد اصوات  رصاص بنادق الثوار بعد حوالي  اربع ساعات من انطلاق رصاصتهم الاولى لانها التزمت بالوصية الاولى ولم تبادر بالقتل ، ورغم ان بعضهم  حمل رتبة ضابط ولكنه ظل يتصرف ويسلك سلوك الجندي  في لا وعيه احتراما للضباط والآمرين ، وهذا ما استغله اعداؤهم  ومكنهم منهم  رغم كونهم كانوا  الاقدر على المبادرة  والقتل وهذا ماحدث من قبل العريفين((كاظم زر اك وجليل خرنوب )) في باب النظام لمعسكر الرشيد حيث بدل  ان  ان  يقتلوا  عبد السلام عارف  رفع   العريف   لا اراديا  يده اليمنى  لتحيته ،  مما    ادخل  الخوف  والتردد بين  صفوف  رفاقه  من  الثوار ، وقد  اندفعت  الدبابة الثانية التي  كانت صحبة دبابة عارف  صوب  السجن المركزي  وقد  داست  وفرمت  بسرفتها  عددا  من  الجنود الثوار ، ونتيجة لذلك  تصرف  معهم اعدائهم بوحشية  كبيرة ،فقتل  من قتل ، واعدم من اعدم فورا على يد عارف والحرس القومي وقد  تم اطلاق  سراح كبار البعثيين الاسرى لدى الثوار  كل من ((  وزير الداخلية حازم  جواد، و وزير الخارجية طالب شبيب ومنذر الونداوي  قائد الحرس  القومي ، ونجاد الصافي وبهاء شبيب وامر كتيبة الدبابات الاولى وسالم مريوش وعدد اخر من  الضباط البعثيين )) ، وهرب من هرب ، وقد كان ((حسن سريع)) من ضمن من تم القاء القبض عليهم...

 نزع ((شمران)) ملابسه  العسكرية ، وشد جرحا  بسيطا  في  ساعدة ،  وتمكن  من التسلل  هو   واحد رفاقه  من الصيادين  الذي  كان  قد  دخل المعسكر عن طريق  النهر  رابطا  زورقه  على ضفته  قصدا الزورق بعد ان  ادركا عدم جدوى المقاومة  امام  هجوم الدبابات البعثية التي  اخذت تجوب المعسكر  ونفاذ ذخيرتهما

    كان  حسن  يؤكد على الضرورة القصوى على الصمود  بوجه  التعذيب   والحفاظ  على  اسرار الثورة  وعدم الادلاء  بأي  معلومة تكشف  رفاق  الطريق  وتعطي  اية معلومة عنهم  وقد  كان  يرد  على  كل  اسئلة  من  حاكمه   بأنه هو المسؤول  عن الثورة وهو من  اجبر الجميع  على حمل  السلاح ، وبعد  المحاكمة الصرية له  حكم  عليه  بالاعدام رميا  بالرصاص ، وعند  التنفيذ تقدم نحو الموت  بعد ان قبل  رفاقه وهو يهتف (( يحيا  الحزب يحيا الشعب)) وهو يهتف (( السجن الي مرتبه والقيد الي خلخال  والمشنقة ياشعب مرجوحة الابطال )). وقد  هتف  الثائر  نائب العريف ((عبد الواحد راشد )) وهو يتقدم الى منصة الاعدام "لنا شعب يأخذ بثأرنا ولن تضيع دماءنا"، في حين هتف  الثائر صباح  ايليا  (( ان قتلتم أشبالا  فالعراقيات تلد الأشبال  باستمرار "،  وقد  كانوا (26))  ثائرا   ضمن  الوجبة الاولى اللذين اعدموا  من اصل ((46))  ثائرا  حكموا  بالاعدام .

 

وقد  حدثت الكثير من  عمليات  القتل  والتعذيب  في مناطق  ومعسكرات اخرى  حيث تحرك  عدد من الثوار هناك في محاولة للسيطرة عليها وتأييد حركة معسكر الرشيد وقد  حدث  هذا في "معسكر أبو غريب ،  ومعسكر الوشاش ومعسكر التاجي، ومعسكر الحبانية ، ومقر الفرقة الاولى في محافظة الديوانية ، وشرطة الموسيقى، وفي العديد  من الاحياء والمدن ، كمدينة الثورة ،  وضواحي  بغداد ...

وقد نصبت  المحاكم الصورية والقتل بمزاج  فردي حاقد  في  العديد  من  المعسكرات  ومنها  ما  قام  به ((طه الشكرجي)) في معسكر الرشيد في مقر اللواء 19 لواء عبد الكريم قاسم ، حيث  قام  هذا  الفاشي مهرجانات  من التعذيب والقتل لعدد  كبير من ((الضباط الاحرار القادة  كالزعيم الركن  دواد الجنابي والمقدم ابراهيم الموسوي ، والعميد عبد المجيد جليل ، والعقيد حسين خضر الدوري الذي قلع له الشكرجي أذنيه بكلابتين ، قبل  رميه  بالرصاص بامر من  صالح مهدي عماش))* بيريه ص 141،

 بالاضافة الى  قائمة  تضم 34 ضابطا  معتقلين في مقر لواء 19((نادى عليهم  المقدم الركن محمد حسين المهداوي ضمت النقيب الطيار منعم حسن شنون والنقيب عباس الدجيلي، بامر من  صالح مهدي عماش واخذهم بسيارة لوري الى منطقة قريبة من عكركوف وتم هناك  رميهم ودفنهم في نفس المكان )).وهناك الكثير الكثير من جرائم القتل  والتعذيب  والأغتصاب ...

وامعانا في  الترويع  والارهاب  ، وكشف الروح  الفاشية الانتقامية  قررت  السلطة الحاكمة  تعليق  عددا  من جثث الثوار في  مناطق  واحياء مختلفة من بغداد ، خصوصا  ممن  كان  يظن  ان  ابنائها  قد شاركوا في  حركة ((البرية المسلحة ))، حيث علق :-

1-   الخياط  "حافظ لفته" في منطقة باب الشيخ في  رصافة بغداد  الذي اعدم  في  31-7-1963.

2-   العريف  (( عريبي محمد ذهب " علقت جثته خلف  السدة الشرقية ،  وكان قد اعدم  بتاريخ 31-7-1963.

3-   نائب العريف "راشد عبد الواحد الزهيري" من اهالي المشرح ، اعدم في 2.- 10- 1963 وعلقت جثته في ميدان مدرسة المخابرة  بمعسكر التاجي .

4-   جندي اول "فالح حسن" اعدم في 2.-10- 1963 وعلقت جثته   في ميدان مدرسة المخابرة بمعسكر التاجي.

5-   العريف "كاظم زراك ، والعريف جليل خرنوب اعدما  وعلقا على  الباب الشمالي لمعسكر الرشيد .

6-   تعليق  جثة "حسن سريع " في مدينة الثورة .

7-   اعدام  اربعة جنود  في معسكر الوشاش لبث الحماس لدى افراد  دورة  تدريية لافراد الحرس القومي.

8-   امر احمد  حسن البكر باعدام عدد من  المعتقلين في  3-7-1963  رغم ان  اعتقالهم كان قبل 3-7-1963  ولم يشاركوا  في   ثورة   حسن  سريع .

شق الزورق  صدر الماء ، كما  شق الالم صدور الثوار بعد ان  حل  كابوس الفشل  على الحركة ،الأمل  التي كانت  قاب  قوسين او ادنى من   الانتصار ، فبدلا من  ان  تصدح  اذاعة  بغداد  باناشيد الثورة وبيانها الاول  من اصل ((8))  بيانات  كان  من  المفترض ان  تذاع عند انطلاق الثورة ...