كـتـاب ألموقع
ذكريات قبلةٍ بربريةٍ- في حوارٍ معها الجزء 42// د. سمير محمد أيوب
- المجموعة: سمير محمد ايوب
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 25 تموز/يوليو 2024 19:31
- كتب بواسطة: د. سمير محمد أيوب
- الزيارات: 667
د. سمير محمد أيوب
ذكريات قبلةٍ بربريةٍ
في حوارٍ معها الجزء الثاني والاربعين
الدكتور سمير محمد أيوب
البوحُ مشاعرٌ، لا يَجرؤُ كثيرون على إتقانه. قيعانُ قلبي وضفافُ الدنيا، مليئةٌ بالكثير مما أحببناه معا. يُثقلني كِتمانها. قررت بالأمس، أن أعيد ترتيبَ حفنةٍ من عشوائياتها. فتبدَّت ليَ مئاتُ القصص والحكايات. أنصتُّ بشغفٍ لقلبيَ ألمُكتظِّ به . أنَّى تَلفتُّ أو يمَّمْتُ وجهي، أتعثَّرُ بتلك القبلةِ البَربَرية ألتي لن تُنْسى . فباغتتني رغبةٌ في قولٍ ، على قولٍ سبَق:
جاءني من أقصى العمر حبٌّ يسعى . كنتُ وحيدةً فلم أجِدْ مَن أُخبره . نسيمٌ هو إبن هذه الأرض . أمه من هنا وأبوه من هناك . ملامحه توحي بالتواضع . أسمر البشرة . نَضِرٌ طازجٌ مُحبٌ للحياة . كَتِفانِ عريضان يمنحانه جاذبيةَ الرجولة . يعلوهما رأسٌ شامخٌ كرأسِ أبي . يُجلله عتمٌ كثيفٌ وَكُشَّةٌ من سبائك الفضة . أحمرَ النواظرِكالعَنْزِ . يغشاهما إبتسامةٌ وادعة آسرة . تدفعك إلى الأمام ، حتى لو كان كل ماحولك يسير خلفاً . صنع لي من الحب إبتسامة ، ومن الإبتسامة عطرا . أسافر إليها كلما أوجعتني الحياة.
عندما أحببته ، لم أفكرْ في طائفتهِ . لَمْ أنْبُشَ قبْراً لأمَويٍّ أو لِعباسِيٍّ ، ولا لأيٍّ من ملوكِ الطَّوائف . لَمْ ادَقِّقْ في خرائط سايكس الأول ولا بيكو الجديد ، بحثاً عن التأصيلِ والعناوينِ والمفاتيح.
في عالَمٍ جاهِلِيٍّ ، يَقتنصُ الظنونَ بمذهبيةٍ وقَبَليَّةٍ ، إحتَفَظْتُ بجزءٍ من إيقاعاتِ شخصيته ، بعيدا عن العابرين . هو سيِّدُ التفاصيل . بعضه كرأسِ جبل الثلج شاغل للناس ، وجُلُّهُ خفيٌّ باقٍ في أصدافي . سَالَت شائعاتٌ حولَه وشائعات . وبَقيَتْ روحُه أكبرَ من كلِّ ما قيل وقال . فلا هُمُ تَيَقنَّوا ولا هو إستسلَمْ.
لم أحتاجَ الزمن . ما عاد يهمُّني كم من العمرِ قد مضى عليه . كبُرَ والزمنُ صديقه فلم يصبح أكثرعمراً، بل إزداد جاذبية وبات أكثر قيمة، وأشد حضورا. بات أغلى. سألتَهُ مُشاغبةً ذات مرة : قُلْ لي بربك ما سرك ؟! أهو حقا دعاء أمك أم هي مزاميرُ هاروتٍ وماروت ؟! فضحك مقهقها ومطولا.
ذات يوم ربيعي ، كان معي في السيارة ، نهبط تلال المدينة الربداوية أم قيس ، في الشمال الأردني ، بإتجاه سد المخيبة والجولان و نهر الاردن . ومن هناك ، تسللنا من ذاك الواقع الحزين ، إلى فرح التاريخ في اليرموك . وألقينا السلام على الغائبين . توقفنا على قارعة الطريق ، والخضرة تحتضن المكان ، أنصتنا خاشعين لصليل سيوف بن الوليد وصراخ صحب هرقل . فلا فرحٌ يولد دون توأمِهِ الحزين . على حواف التاريخ وجغرافيا الجولان المحتل على اليمين ، وقباب القدس في الافق ، والكرامة على اليسار ، إفترستنا ثنائيات موجعة وحزن ثقيل ، بعثرتنا في كل الجهات.
كان المغيبُ حضنا هادئا يحتضن خطوط أكفِّنا. رتَّبتُ نظراتي إلى نسيم وفي أعماقي بركانٌ. فضاعت مني الكلمات. وأنا أحِسُّ أنَّ نسائمَ المساءِ المُبكرِ، تُزْهِرُغيماً مُثْقَلاً بالشفاه. أطَلْتُ النظرَ في مُحيّاه، إلى تلك الخطوط الناعمة حول عينيه. غازلني بكلِّ ما فيها من إغواء وإغراء، فعاندتُ خجلي. وإكتحلتُ بسحرِ النساء. إستعنت بكل ما أُوتيتُ مِنْ جاذبية، فلم أعُدْ أمتَلِكُ الكثيرَ مِنَ الخيارات. إخترقتني تفاصيلُ شفتيه. إعتصمتُ ببياضِ شعره وثقتي فيه. إحتضنتُ وجهَهُ بين كَفيَّ، وقررتُ التصديَ لإكتئابِ الجغرافيا وعانَقتَهُ، وتوغَّلتُ في تفاصيلِ وجهه.
شارك هذا النسيمُ، ذراعيَّ الممدودتين على إتساعهما. فإستقام فرحي مع ذاك العناق وتلك القبلة، وسكن الضجر. وتلعثمت شفتاي وأنا أعلو مع روحي عن الأرض. طرنا من على حواف الاردن. كم لَبِثْنا في حياض ورياض تلك القبلة؟! ربنا وحده أعلم!!!
خِفْتُ علينا من الإثم، فتخارَجْنا! وذكرنا الله لنستكين. ولكن، بقي معنا منها الكثير، مما لا نطيق البوح به أو شرحه.
--
المتواجون الان
423 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع