اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

في حوارٍ معها (الجزء 13) لامِسِ الجنونَ ولا تَقْتَرِفْهُ// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

في حوارٍ معها (الجزء الثالث عشر)

لامِسِ الجنونَ ولا تَقْتَرِفْهُ

د. سمير محمد ايوب

الاردن

 

ذاتَ أمسيةٍ على ضفافِ بردى- دمشق، كان فرحُها ضيفاً خفيفَ الظل ، كنتُ فيها الشاهد والشهيد ، أجالِس صمتي بينَ ضجرٍ رمادي، ونسائم غربيةٍ حَيِيَّةٍ، ومعزوفةٍ يشتركُ بتقديمها، خريرُ المياه، ونقيقُ ضفادعَ يافعةٍ، وحفيفُ موجٍ من الياسمين.

 

ما كاد الليلُ أن يُطِلَّ، حتى قلَّبْتُ وجهي في كبدِ سماءٍ صافيةٍ تعلو المكان. تغشاها ثُلَّةٌ من نجومٍ، تُراقصُ بقايا غيمٍ منْسَحِبٍ إلى البعيد. كنتُ أتَمْتِم ذاكراً، أكثر مما أنا بِسائل. مُصغِيا لصمتٍ مُتَفلِّتٍ بكل الألوان، تارةً من القلب، وطورا من العقل، وبين لحظةٍ وأخرى كانت تُسعِفُني ونَّاتٌ من الروح. أطاردُ بها هواجسي، وألَمْلِمُ احزاني. 

 

تاهَ الصمتُ  مني. ضِعتُ بين أوجاعِه. فَعَلَوْتُ وعَلَوْتُ في الضياء، بعيداً عن النّورِ، وبعيداً عن معابِر الهابطين، حتى ما عُدْتُ أدري، إن كنتُ مُمْسِكا بحلمي، أو محتفظا بتلابيب نفسي.

 

أوشكت أن أغفو، حين أبصرتُها تُقْرٍئني السلامَ بحياءِ العذارى. تَعمُّدا أطلتُ النظر بإتجاهِها. فعاجَلَتْني بابتسامةٍ بطعمِ الخجل. حتى بانَتْ خطوطٌ ناعمةٌ حولَ عينيها. عَينانٍ لم تُخلقا للنسيان. تغشاهُما كلُّ ألوانِ السماءِ وأطيافها السبعة. إقتربَتْ تتهادى، كرقص الفراش. ليسـتْ مُراهِقــة، وُ ﻟـم تعد صغيرة ولا كبِيــرةٌ. إنها فقط، فـي أجمـل مراحِـل العمر. تجمّـعُ بــراءةَ اﻟطُفُولـةِ مع طيـشِ اﻟمُراهقــةِ ورزانـــة اﻟكِبـــار.

 

كان حيائي، أعلمُ بما لَبِثْتُ مُبتسما ومُندهشا، قبلَ أنْ أستجمعَ قِوايَ، ثم أمشي قليلا إليها. تَعَثَّرتُ. فَتَبَدَّدَتْ. وتاهَ مِني الرجوعْ. أعدتُ ترتيبَ صمتي. ومضيتُ إماماً في محرابٍ آخر. إستَوْقَفَتْني أضغاثُه وبرودةُ تأويله.

 

بادرتني سائِلةً: أيْنك؟ ما بِكَ صامتاً كالحقِّ في وطن العرب؟

 

مُتنهدا قلت مُكْمِلاَ حديثا سبق: ولكني يا سيدتي، مِمَّن يخافُ حياءَ العمرِ، ووقارَ السنين. وأخشى خيبةَ الصَّدِ والرفض. ووجعُ مُرْتفعاتِ التورط وقيعانِ الإدمان، وجنونِ الرحيل، ورعونةِ الفراق. فألحب في بلادنا كما أظنك تعلمين، بأبوابه السبعة جريمة، والطواف العلني في مدنه محرم بكل المذاهب. ولا يُرْزَقُ به، إلا في السر.

 

قالت مُستعينة بيديها: الأنثى وحْدَها لا تَقْدِرُ يا شيخي، على أيٍّ من فصولِ الحُب. لتكتمل بها وتتزين بك، لامِسْ الجنونَ من أجلها، ولا تقترفه. النساء لا يَغُرُّهُنَّ حُبُّ العقلاء. ولا يَستهويهُنَّ المُتاح. إزرَع في طريقها وردا ينبض، وخُطَّ في قلبها ألفَ حكايةٍ ولا تنتظر. غازِلْها أيها المُتَعَقِّلِ ولا تُعاند. ففي خجَلِ كل أنثى أعذارٌ تلدُ أعذارا. حاصِرْ قلقَها وتَوَجُّسَها. ببريقِ عينيك، وخطوطِ كفيك. وابق خوفها مرتويا مبتمسا، وكل أصابعها خاشعة بين يديك. دون أن تنسى ولو للحظةٍ، أن الخيول المُدَرَّبَةُ بالصمتِ وحده،  لا تصهل أبدا يا صديقي.

 

الاردن – 15/9/2017

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.