اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

في حوارٍ معها ( الجزء 18) إنتهاءُ الصلاحية// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

في حوارٍ معها ( الجزء 18) إنتهاءُ الصلاحية

د. سمير محمد ايوب

الاردن

 

صديقةٌ من أشهر العائلات الطرابلسيةٍ في لبنان، في أواخر الخمسين من عمرها، متزوجة ممن يصغرها في السن، وفي التحصيل العلمي كثيرا، أنيقة المظهرِ نبيلةُ القسمات، عملنا سوية لسنواتٍ عدة، أساتذة في جامعة بيروت العربية، وجامعة الأمام الأوزاعي للدراسات الاسلامية في لبنان، إنتحينا جانبا، في قاعة جمال عبد الناصر للإحتفالات الكبرى، بعد حفل تكريم لعميدتنا الإسكندرانية الجديده، في كلية الآداب. كانت متوترة، تقضم أظافرها بنهم، وعيناها زائغتان وساقها تهتز بوضوح. أثار فضولي هذا التوترغير الإعتيادي. فسألتها عما بها. فألقت في وجهي سؤالا، لم أكن مستعدا له. سألت وهي تصارع كلماتها: متى تصبح المرأة منتهية الصلاحية؟

 

قلتُ مُتضاحكا: العجيبُ، أنني قبل أيام، قبل مجيئي إلى هنا، كنتُ قد تلقفتُ من صديق لي في عَمَّان، يعاني من مرضٍ مزمنٍ، وضائقة مالية طاحنة، سؤالا مُوازيا لسؤالك. سألني بحزنٍ يشبه حُزنك، ولكن حزنه، كان وهو يسأل، من النوع الطازج المبتسم: قل لي يا صديقي، هل للرجال فترة صلاحية، كما تدعي بعض النساء؟

 

أكملتُ سائلا محدثتي: ما حِكايتكم مع الصلاحية؟ تسألون، وكأنكم علب سردين أو صناديق خضرة سريعة العطب. ما بالك يا سيدتي؟

 

قالت وهي مُطأطأة، وتقضم حواف فنجان قهوتها: لم يَعُدْ يراني بنفسِ العينين المتلهفتين. نوباتٌ مُتجددةٌ من مَلَلٍ طالَ كلَّ حميمٍ بيننا. نكدٌ، عدمُ رضا وقلة صبر. تزدادُ الفجوةُ إتساعا وعمقا بيننا. أحاول ترميمَ الرضا إنقاذا للمظاهر. فالإفتراقُ كما تعلم يا شيخي، عيبٌ وأي عيب. أسئلةٌ كثيرةٌ تقلقني أحار فيها. جئتك اليوم حين علمت بوجودك بيننا، باحثةً عن إجابة تشفي غليلي، وتصالحني مع نفسي. هل صحيح أن صلاحيتي كإنسانه، قد إنتهت كما يقول؟ أم أن زوايا الرؤية قد تغيرت لديه؟

 

زميلة لنا من جبل لبنان، إنضمت الينا منذ بدء الدردشة، سارعت لتضيف: والأنكى من ذلك، أن هناك رجالا أُخَرْ، يعتقدون أن صلاحية المرأة، سارية المفعول طالما تتنفس. فهي محصنة ضد المرض، الوجع، هبّات سوء المزاج الساخنة والباردة، أو نوباتٍ من الحزن. ليس لها الحق في التذمر، التأفف أوالشكوى من أي شئ. عليها أن تمشي على العجين دون أن تُخَربِطه أو تُلَخْبِطه. وعليها أن تكون على سِنْجِه طَقْ، عَشرة على عَشرة، غَبَّ الطلب. لا تقول لا لِسي السيِّد ، إلا في تَشَهُّدِها.

 

قلت: ليس من اللائق بدايةً، وتحتَ أي ظرفٍ أو مُبرِّرٍ، أن يقول شريكٌ لشريكه، قِفْ إنتهتْ صلاحيتك.  فهذا تعبيرٌ فجٌّ مُشينٌ ولا يَصِح. وبعد هذا أسارع للتأكيد : بأنه ليس للرجل أو للمرأة أي فترة صلاحية. ولكن، هناك إنتهاء لصلاحيةِ علاقة. ألناس لا تنتهي صلاحيتهم. بل علاقاتهم هي التي تدخل في سباتٍ، أو كمونٍ شتوي، يُنهي صلاحيتها. فبعد أن تَجِفَّ المَنابِع، تَتصحرُ الحَواكير. تضمرُ اللهفةُ ويَهمدُ دِفؤها. ويغزو المشاعرَ صقيعٌ قُطبيٌّ حَدَّ الإنجماد. ويَتَعَقْلَنُ مقدارٌ كبيرٌ من الجنون فيها.

 

سألَت الأستاذة الجامعية المخضرمة، عن المؤشرات التي تُسَهِّلُ عمليات التنبؤ؟

قلت وأنا أشعل لها سيجارتها الثالثة: قبل أن نُبْحرَ في حديثٍ يكثر فيه اللغط، أرى أن لا يُرْبَطَ بين الحب وإنتهاء صلاحية المشاعر، والمللِ الذي يشكو منه بعض الشركاء. فوراء كلِّ بابٍ قصة. لا تضع الجميع في حكم واحد، تبنى عليها قاعدة للتعميم.  تتفاوت ذبذبات غيبوبة الحميمية، في المشاعر وفي العلاقة، صعودا وهبوطا ، وفق طبيعة أصحابها.

 

وقلت مكملا حديثي: تأخذنا رحلة الحياة، عبر تيارات صاعدة وأخرى هابطة. ترسينا أحيانا على شواطئ الحب والعلاقات الإنسانية الرائعة. ولكن، مع الزمن يضطرب موج الحياة. وقد تصاب العلاقة بالفتور. وتبدأ مواويل الملل وإكتشاف العيوب. حتى يعجز القلبُ عن حبِّ من يُحب. نقفُ مذهولين نادمين أمام علاقةٍ قد إنتهت صلاحيتها.

 

دون أن ننسى ولو للحظة، أن لكل مرحلةٍ عمرية أو إجتماعية، ظروفها، طبيعتها وأطرها. فالناس مع الوقت ينضجون بالمعرفة وبالخبرة. وتتغير إهتماماتهم وإحتياجاتهم. يغلب على سلوكيات بعضهم العاطفة، وآخرون الجسد، وبعضهم العقل. وتكمن العلة هنا في الخلط الغبي بين الإحتياجات.

 

بالطبع، هناك قرائنُ تؤشِّرُعلى إنتهاء صلاحية المشاعر والعلاقة، قبل تصادم الإشارات وتبادل الإتهامات . من أبرزها:

 

موت الروح التي كانت تؤجج الإحساس بالإخر. فلا يعود القلب يخفق بشدة، عند سماع صوتهم، وشم رائحتهم في المكان. وعندما تكتشف مساحات خالية، في قلبك تتسع لغيرهم. وعندما لا تنتظرهم بقلق وترقب, ولا تحصي عدد أيام غيابهم عنك . وعدد الأيام المتبقية لعودتهم.

 

عندها، يتسلل الشك عبر كل مساماتك وتلافيف وعيك، بأن حجمه فى قلبك، كان أكبر من حجمه الحقيقى. وأن إحساسك به، قد تحول من الخوف عليه إلى الخوف منه. فتضحك بسخريةٍ من نفْسك. وتنهمر من عيونك أو من قلبك أو من روحك أو من جسدك، لا فرق ، دموع الندم ، على كل تفاصيل وطقوس علاقتك معه. وتشعر بالخجل من نفسك، حين تتذكر أن مثله كان شريكك في علاقة ما.

 

أبرَقَتْ عيناها وأرعَدَت. وبانت غيومُ الدمع. أدْرَكْتُ ساعتها أنَّ الوجعَ ليس في عينيها، بل بتلك التنهيدة ، ألتي كادت أن تنتزع روحها، قبل أن تُعاوِدَ السُّؤال: ما سببُ ذلك؟

 

قلتُ وانا اجدد فنجان قهوتي واشعل لها سيجارتها الرابعة: تلك حكايةٌ أخرى، نقاربها في الجزء التالي من الحوار إن شاء الله.

 

الاردن – 4/10/2017       

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.