اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

في حوارٍ معها.. (الجزء الثالث والعشرين)// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

في حوارٍ معها.. (الجزء الثالث والعشرين)

د. سمير محمد ايوب

الاردن

 

النِديَّةُ ومُلْكِ اليَمين

مُرشدةٌ إجتماعيةٌ صديقة، مُتطوعة تعمل، مع جماعاتِ حِماية الأسرة ، في الأردن منذ سنين. تُحاورني كثيرا، حول ما تُواجه من قضايا في عملها. في مقارباتٍ، نُحاوِلُ عبرها، فَكفكة بعض ألغاز الحياة الاجتماعية، في هذا العالم سريع التغير.

 

إلتقينا صدفةً، صبيحةَ يومٍ خريفي مُشمس، في باحة أحد التجمعات التجارية الكبرى في عمان. سرعان ما إتفقنا، على دردشة سريعة وفنجال قهوة، قبل التسوق. كنا أول من دلف بوابة مقهى التجمع في ذاك الصباح. إنزوينا في الأقصى من أركانه، ركن المدخنين. ما أن جلسنا هناك، وقبل وصول ما طلبنا، قهوة عربية مضاعفة، كثيرة الغلي، قليلة السكر، قالت وهي تُشعل لفافتها الأولى: تعلم يا شيخي أن ليس  لي أحد ، أكلمه بقلب مفتوح غيرك . وليس لي مَنْ أسأله نُصحاً أمينا إلا أنت. ولا أستطيع أن أخاطب إنساناً في الشارع أو مكان عام مفتوح كهذا سواك. وتعلم أنك عندي إستثناء.

 

قلت ضاحكا مُشجِّعا: يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم. ربنا يستر. هات ما عندك.

 

ضحكتْ عيناها، وهي ترى النادلة الأجنبية، تُهْبِطُ فناجيلَ قهوتنا، بتؤدة أنيقةٍ أمامنا. سرعان ما راقصتْ أصابِعُها أسوار وحواف فنجالها. تحسسته بلهفة، إحتضنته بِشَغفِ أمٍّ تُلامِسُ خدودَ طفلها الأول، ألذي لم يأت من زواج مضى عاصفا، كانت كل سِنيه عجافا. قبل ان تقول، وهي تحدق في عيني: بت ألحظ، بين كثير من شركاء العاطفة، حوارَ طرشان، الحظ في ثناياه، أن كل أشكال عنفَ المشاعر، في انتشارٍ يَتكرر، يتمدد، يتعمق ويتخفى. سواء في العلاقات المُؤَطَّرَةِ، وتلك التي في طريقها إلى التأطير. عنفٌ لمْ تَعُدْ ترتبط صُورهُ بواقعةٍ مُعينةٍ أو حَدَثٍ مُحدد. بل تَتَّكِؤ على قُدرةِ التَّوالد الذاتي، دون الإرتباط بموضوعٍ مُعيَّنٍ أو سياقٍ مُحدد. عنفٌ لا تَتَطابُق فيه، ألأسبابُ الفعليةُ، مع العباراتِ الواصفةِ لها.

 

ثم حولَت بصرها إلى شفتيَّ المزمومتين، أمعنَتِ النظرَ بصمتٍ قلقٍ، تنتظرُ تعقيبا دون أن تسألَ شيئا.

 

تحسست بشفتيَّ، بوابات فنجالي، دون أن أتذوقه، لإبَددَ كثيرا من ضباب الصمت الذي رانْ. ومن ثم قلت: لِلمُبتَلينَ المُتْعَبينَ يا سيدتي، كوداتٌ مُثقَلَةٌ بالتَّشفيرِ الفردي، المُتَّجِهِ في الأساس، إلى مَسكوتٍ عنهُ بَينهما. لِفَكْفَكَتِ دلالاته المُتغيرة وتأويلها، في ظل تآكل الفواصل، بين المألوفِ المُشْبعِ بِمعاييرِ العقل المُثلَّجِ، وصرامةِ الأخلاقِ الخِلافيَّةِ، وغيرِ المألوفِ المُثْقَلِ بالنَّفعيةِ الفجَّةِ، لا بد مِنَ الإنفتاحِ على الحمولاتِ الثقافية، ألتي تُثْقِلُ كاهلَ طَرَفَيِّ كل عنف. وتُهيلُ غُباراً كثيفا فوق الحدود المتداخلة، في ثنايا التشاكي المُبالَغِ فيه، والصمتِ المُريبِ المُسْتَبِد بينهما.

 

ناولتها قطعةً من الحلوى المرافقة للقهوة، وهي تقول: نعم صحيح . كلُّ التَّمَظْهُراتِ الهادئةِ أو الصاخبة في عُلاقاتِ المُتْعَبين، مَشاكلها وحلولها المُتوقعة، لا تأتي من فراغٍ ، ولا تصل إلا موسومةً بالمهيمنِ من عناصرِ تلك الحُمولات.

 

قلت مقاطعا، وأصابعي تتخلل شعري المُشاطِئ لجبهتي: تلك الدوامة في خطرها وفي غموضها، توأمٌ لمثلثِ برمودا الأشهر. في لُجَجِها يظن كل طرف، أن الآخر لا يعدو أن يكون مِمَّن مَلَكَتْ أيْمانُه. يُدانيهِ لا كشريكٍ له، ولا حتى كَنِدٍّ. يسعى لبسطِ سيطرتَه الماديةِ والمعنويةِ عليه. وهذا ما لا يَتِمُ الإنتباهُ إليه في الأغلب الأعم. فيهِ تكمنُ عملياتُ هدمٍ وبناءٍ وتطوير. تَتوكأ على النفي والإقصاء. وأحيانا على شرعيةِ الإحتواء وغائية التفاعل . لفرض قواعد للسلوك المثير للفزع الكثير.

 

قالت وهي تقدم لي منديلا ورقيا، لإجفف ما انسكب من ماء أمامي: هنا يا شيخي، مِرْبَط الفرس كما يقولون. بِمَ تنصحني كمُعاونةٍ في حل بعض ما يعُرض عليَّ من صراعِ الشركاء؟

 

قلت وأنا أربت بباطن كفي الأيمن، على ظهر كفها اليسرى المسترخية بيننا: على كل وَسيط أو مُتبصر، في التمظهراتِ المَنطوقة أو المَرئيةِ للعنف الفردي، التسلح بكثيرٍ من الحذر. قبل ربطها بتلك الحُمولات، المسكوتِ عنها تَعمدا، في دهاليز تلك العلاقة. ففي ظل عقلية مُلْكِ اليَمين، تبقى هي الأصول والمرجعيات الضابطة، لسيروراتِ النموذج وإندفاعاته.

 

كشفُ الأغطيةِ عن قيعانِ المَشاعر وإدعاءاتها، يبرز أن الأزمات أكثر تبعية لوساوس الجدل الدائر، حول الأسباب المُعَطِّلَةِ للتفاهم وتلك المُحرِّرة ، ألتي ينبغي تَبَنيها والتوكؤ عليها.

 

الحوار بين القائلين بالنِّدية، والقائلين بِمُلكِ اليمين، حوارُ طرشان. بات يطغى عليه، الإقصاء المُفْلِسِ قِيَمِيا وإنسانيا، بشكل أكبر مما مضى. ويقلص من فرصِ تخطيه حواجزَ العُنف ، والوصول إلى درجةٍ كافيةٍ من الأمان.

 

الاردن – 21/10/2017

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.