اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ومن أجمل ما قرأت (ألنص الثاني والثلاثين- بتصرف)// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

ومن أجمل ما قرأت (ألنص الثاني والثلاثين- بتصرف)

الدكتور سمير محمد أيوب

الاردن

 

أمي لا تكذب ، ولكنها ، ثمان مرات لم تقل الحقيقه .

تبدأ القصة عند ولادتي. كنت حينها الإبن الوحيد، لإسرة شديدة الفقر. لم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا.

 

وإن وجدنا بعضا من الطعام، كانت أمي تعطيني نصيبها منه. وهي تقول: يا إبني تناول هذا الأكل. فأنا لست جائعة. وتلك كانت (كذبتها) الأولى.

 

وعندما كَبُرْتُ قليلا، اصطادت ذات يوم عصفورين. طبختهما وقدمتهما لي. وضعت واحدا منها امامها لتأكله. فأعادته لي فورا، وهي تقول: تناول العصفور  الثاني يا ولدي. ألا تعرف أني لا احب لحم العصافير؟ وكانت تلك (كذبتها) الثانية.

 

وعندما صرت في سن الدخول للمدرسة، لم يكن معنا ما يكفي من المال لمصاريف الدراسة. اتفقت مع احد محلات بيع الملابس المستعملة على بيعها لربات البيوت، مقابل اجر زهيد. وفي ليلة شتاء ممطرة شديدة البرودة، رجوتها ان لا تخرج للبيع لترتاح. ابتسمت أمي، وقالت: يا ولدي انا لست مرهقة. وكانت تلك (كذبتها الثالثة).

 

ويوم امتحان آخر السنة، كان يوما من ايام تموز شديدة الحرارة، أصرت امي على ان تنتظرني على باب المدرسة. احتضنتني عند خروجي من الامتحان. وناولتني كاسة من شراب بارد لأطفئ بها لظى الحر. نظرت الى وجهها، فوجدت العرق يتصبب منه. فناولتها على الفور كاسة الشراب. وقلت لها: اشربيها يا أمي أنت الأولى بها. فردت وهي تداعب شعري: إشربها أنت يا ولدي، أنا لست عطشانه. وهذه كانت (كذبتها) الرابعة.

 

وبعد وفاة أبي يرحمه الله، باتت ألحياة أكثر تعقيدا، وصرنا نعاني من الجوع. عندما رأى الجيران تدهور حالنا من سئ إلى أسوأ، نصحوا أمي، وكانت في حينها ما تزال شابة جميلة، بأن تتزوج رجلا ينفق علينا. ولكنها رفضت الزواج قائلة: أنا لست بحاجة للحب. وتلك كانت (كذبتها) الخامسة.

 

حصلت بعد التخرج على وظيفة جيدة. وقررت ان الوقت قد حان لتستريح امي وتترك لي مسؤولية الانفاق على المنزل. رفضت أن تترك العمل في بيع الخضار المجهزة في السوق. فخصصت لها جزءا كبيرا من راتبي. رفضت أن تأخذه، قائلة: احتفظ بمالك يا ولدي. معي من المال ما يكفيني. وكانت هذه هي (كذبتها) السادسة.

 

وفقني ربي لأرتقي سريعا في عملي، بفضل تواصل رضى أمي ودعواتها وإجتهادي. وإنتدبت للعمل في مدينة اخرى بعيدة عن مدينتنا. وسرعان ما هيأت الظروف السكنية والمعيشية. وإتصلت بأمي أدعوها لي تقيم معي. ولكنها قالت: يا ولدي، لست معتادة على المعيشة المترفة. هنيئا لك. وكانت هذه هي (كذبته ) السابعة.

 

كبرت أمي. صارت في سن الشيخوخة. واصيبت بمرض السرطان اللعين. تركت كل شئ. وعدت لزيارتها في منزلنا. وجدتها طريحة الفراش بعد إجراء العملية لها. حاولت أن تبتسم لي عندما رأتني مقبلا عليها. كان كل ما فيَّ يئن. كانت هزيلة جدا وضعيفة. ليست أمي الجبارة التي أعرفها. إنهمرت دموعي. ولكن أمي حالت أن تواسيني. فقالت: لا تبك يا ولدي. فأنا لا أشعر بالألم. وكانت هذه هي (كذبتها) الثامنة.

 

وبعدما قالت لي ذلك، أغلقت عينيها. ولم تفتحهما بعدها أبدا.

 

أحبك يا أمي. اسأل الرحمن الرحيم لك رحمة ومغفرة واسعة وجنات المتقين.

 

الاردن – 30/10/2017

 

(سبق وأن نشرتها بتاريخ 1/11/2009 على الصفحة 21 من العدد 25 من جريدة بناة الوطن الصادرة عن نقابة المقاولين الاردنيين، والتي كنت المدير العام لتحريرها).

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.