كـتـاب ألموقع

عشوائيات فكرية للتأمل– (التاسعة)// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

عشوائيات فكرية للتأمل– (التاسعة)

الدكتور سمير محمد ايوب

الاردن

 

وكما أنت تعال ....

ما بالك تَلْهَثُ، أيَقصِفُكَ طيرُ الأبابيل؟! ما بالك واجمٌ، أعَلَى رأسِكَ طَيرٌ؟! إلى أين تَغُذ ُّالخُطى، مُدبِراً صوبَ المَغيبِ؟

 

قال: جمالُها يفيضُ عن المسموحِ به. كلما خالَطْتُهُ بِحواسي، أزدادُ بها تَوَرُّطاً . إنها تُشبهُ روحي كثيرا . بِتُّ مكتظّاً بِها.

 

قلت : هاتِ زَهْرَك . ما المشكلة؟

 

قال : أقف عاجزا امامها . بح قلبي من التوجع .

 

قلت : لِمَ ؟

 

قال: إنها في العمر وغير العمر، تجلس على الضفاف الاخرى من الحياة. وأنا كما تعلم الى المصب أقرب. مصيبة ان يستفيق لك هوى مثير للجدل، وانت لا تشاطئ من تحب. تعمدا غيبتها من العينين، وفي القلب أبقيتها تقيم. رحلت عنها ولم ترحل مني. كل شئ حولي متأجج بها. يتأرجح بين شوق لها وتوجس منها.

 

أكمل وانا صامتا احملق في المدى. أكمل قائلا: في ليلة ولا أبرد إرتديتها. وتنزهت مطولا مع وحدتي. وقفت امام زوايا كثيرة من عزلتي. اخذتها معي لله. غافلت عقلي وداعبت شاشة الجوال، حتى لسعني نداء صوتها،  أغلقت الجوال  والقيت به بعيدا. في ليلتي تلك، ثرثرت بها كثيرا، حتى سكنت تفاصيلها ملامح صبحي. سمعتها تمطر في كل جهاتي حنينا: ارجوك لا تمر ببالي وانا اشرب قهوتي بعيدا عنك.

 

كنتُ صامتا، أتابع إياب العصافير إلى مستقرها أمامي، حين ناولني ورقةً مطويةً بعناية، يغشاها خليطُ الجوري والياسمين. أمسَكَتْ أطرافُ أصابعي بها، كأنها قارورة عطر. نظرتُ إليه متسائلا دون قول. أدرك ما وَددت ألإستفسار عنه، فقال: إنها رسالة منها . وجدتها صباح أليوم في صندوق جريدتي على باب داري. ما أن بسطتها، حتى إلتقى بصري بحرفها له:

 

أعلمُ أن ألعيب ليس فيك. ولكن، ألا يخجل ما يُحاصركَ، من حنينٍ يحتلني؟ بحقي عليك، توقف عن ألإنتظار يا رجل. لِمَ كلُّ هذا ألكبرياء ألعقيم؟! لا تُجْلِس رحيلَك المُلتبس على قنطرةِ العِناد . عليك اللهفة، لا شئ بخيرٍ بعدَك. لقد سدَدْتَ بوابات العبور وطرقَ المرور . دونك ظلامٌ من نور. يتجمد في عتمه كل شئ، إلا الشوق والحنين والعطر .

 

مَروا من هنا يوما ما، كانوا هنا صحيح. كلهم سواءٌ إلا أنت. كل شئ حولي هو أنت. أجمل النصوص أنت، والرجال من بعدك حكاياتٌ مُمِلة. هم بقاياك. رحلوا ولم يهزموك. ما زالت بسماتُ عينيك وبشاشةُ وجهك غير ديموقراطية. يهزمني إستبدادها. وعشوائياتك تفتك بي . ويخترق عزلتي رنين صداك.

 

على يديك تشكلتُ ، ونَبَتَ لي ريش. بك تشبثتُ، دون أن يَقُضَّ مضجعي توقُّعٌ أو تبريرٌ أو تفسير. إعلم أنك رَجُلي في ضواحيَ القلب. وفي لُجَجِهِ سيِّدُ الرجال. ومَنْ عَداكَ، تفاصيلٌ على مَشارفك. بعضُهم ظِلالٌ ، وجعٌ ، خيبةٌ، وجُلُّهُم خَيال.

 

إحتضنْ مشاعِرَكَ، وكما أنت تعال. بحجم قهقهاتِ عينيكَ تعال. فَمِنَ الظلم أن تأتيَ بحجمِ توقعاتِ أحد. لا بأسَ إنْ تَلَفَّتتَّ حولَك. ولكن تعال أعيشك، ما أقربَك. تعال رتِّل معي رسائلنا كل ليلة. مخزوني منك لم ينضب. ما زِلْتُ فوق جُدراني، أعْتَقِلُ بريقَ ضحكاتك، ونمنمات شفتيك ، وتململ أصابعك.

 

كاذبٌ صمتي وجاحدٌ نِسياني. موجعٌ غِيابُك. أتغيبُ بعدَ إدمان!! ما أظلمك. لَمْ أتأقلَم في محطاتِ غِيابك، لَمْ أتعود أي شئٍ. كلما غَطَّني سوءُ المِزاجِ بِعزلته، آتيكَ لتكون أول المُدَثِّرين. أنفردُ بك كلما وَددت التحدث مع صمتي. أغمض عيني، يتوهج بريقها بك، يشف وأبتسم. بعد منتصف كل لَيلٍ ، يُقيم لك قلبي حفلةَ صَخبٍ وحُمْقٍ . حتى أغفو شهيدةً في قلبك ، بِلا أسئلةٍ ، وبِلا تبريرٍ وبِلا تَوَقع.

 

خارجَ السِّرْبِ أنا. وأعلم أنني داخل ألمشهد، لستُ ألأجمل. ولكني كَبِرتُ لأجلِك. تعال إجمع في سلالي، كل مراحل ما مضى من إيقاعات عمرك. فأنت بعد الستين لم تكبر . وأنا بعد الأربعين لم أعُد أصغر . تعال !!! ستجدني عند حواف السنين لم أبارح.

 

نَظرَ إليَّ باحثاً عن مُعين. أوقَفْته، أمسكت بكتفه وإتجهت به إلى سيارته ، وقلت:

 

يا بخيلَ الوصلِ ، كقطرةِ الماءِ أنت. لا تدري مُبتداكَ ولا تتوقع مُنتهاك. خُذْ مِنْ حَصاها أربَعاً، تِلوَ أربعٍ، وارجم أبالستَك، وشياطينَ العمر. أنتما حالةُ عشقٍ خاصة، لا يفهمها إلا مجنون. إمض دون أن يثقل كاهلَك عبءُ الناس، وعَدَّادُ السنين. ألحب ملعبك ومرتعك. قَيْسُكَ شابٌّ.  ما زال شاباً كَلَيْلاكَ. إهدم بجرأة ذاك الجدار الوهمي، ألذي يُل}بِسَكَ قالبَ الكمالِ المُزَيَّفِ. وبَدِّل مخاوفَك بأملٍ قادمٍ من عينيها . ولْيَتَوقَّفَ بعدها الزمن.

 

وحَقِّ لَياليهِ العَشْر، لو أن المُشتاقَ يُؤجَر، لكنتما أكثر خلق الله أجرا. فالحب العاري من أنفاس الشوق، طَحابيشٌ كفيفةٌ تمشي بِلا عصاً يا صديقي.

 

الأردن – 20/2/2018