اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

أريدُ زوجاً- من حكاوى الرحيل (الحكاية 52)// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

الموقع الفرعي للكاتب

أريدُ زوجاً

من حكاوى الرحيل (الحكاية الثانية والخمسين)

د. سمير محمد أيوب

 

مع بداية الربيع وإعتدال الجو، كنت قبل شهرين، في ضيافة ثلة من أصدقائي في القاهرة. إعتدت كلما سنحت لي فرصة، أن أخرج برفقتهم، إلى القناطر ألخيرية، لنحتفل معا هناك، بعيد شمّ النسيم، أو الفصح أو يوم ألقيامة كما يسميه المصريون، أو عيد النيروز كما يسميه الفرس. وكلها مسميات تشير إلى بعث الحياة من جديد.

 

مُبكرين وصلنا الحدائق، لنكون في إستقبال شمس العيد. إمتلأ نهارنا بالكثير من أللهو ألشعبي الجميل. تَسَيَّد البيضُ الملوّن والفسيخ طعامنا ذاك اليوم. وأضفت أسراب الفتيات ألمزينات بعقودِ الياسمين بهجةً طازَجةً، تَراقصن وتَمايلن فَرَحاً ومَرَحا، على وقعِ كمشاتٍ من الموسيقى وأغاني الربيع.

 

مع مغيبِ الشمس، إلتأم جمعُ الرجال والنساء، في الساحة العامة للحدائق؛ للإستماع لندوةٍ شعبية ، كان موضوعها: ألأسرةُ في عالَمٍ مُتَغير. أدارتها لساعتين، بإقتدارٍ مُنَظَّمٍ ومَهارةٍ حاسمة، سيدةٌ ظننتها في العقد السادس من عمرها. تشي ملامحها الظاهرة، بجمالٍ وقورٍ. وأناقة في المظهر، وثقافة في المنطق. بعد إنتهاء وقائع ألندوة، تَقدمتُ من مديرَتها. قدمتُ نفسي لها. شكرتها على ما قالت. وهنأتها على جماليات إدارتها. إبتسَمَتْ وهي تدعوني إلى شرب الشاي معها، في بيتها بعد العودة إلى القاهرة.

 

حوالي ألحادية عشرة ليلا، كنتُ أجلسُ برفقتها على شرفة بيتها، المُطِلِّ من عَلٍ على نيلِ مصر، المُوشى بعشوائياتٍ من الأنوار المُلونة، والمُطَرز بتشكيلاتٍ ساحرةٍ من القوارب الشراعية الصغرى، تجري بهدوء فوق سطح الماء، تُسابق النسائم وخَفيفَ الموجِ المنساب بين ضفتي النهر الخالد على إتساعه. وعبد الوهاب يترنم برائعته: يانيلُ يا ساحرَالغُيومِ، يا واهبَ الخُلدِ للزمانِ، يا ساقيَ الحُبِ والأغاني.... وما أن أتمَّ مطربُ الأجيال، الترنُّمَ بِ يا ليتني موجةٌ فأحكي، إلى لياليكَ ما شجاني، أخفضتْ مُضيفتي صوتَ المذياع، وإستأذنت في أن تُكْمِلَ لي رِواية حِكايتَها مع الحياة، فقالت وبريق ساحر في عينيها:

 

قبل أن أكمل العشرين من عمري،  كنتُ أحلم بكرسي الأستاذية في كلية الطب. كُرمى هذا ألحلم ، رفضتُ كلَّ من طرق باب بيتي خاطبا. فقد زعم كلُّ مَنْ حَولي، أن مستقبلي لا يتحصن أمْنُه، إلا بأعلى الشهادات المتخصصة. وفعلاً أنهيتُ دراساتي وأبحاثي الدقيقة، وتخرجتُ وِفقَ ما توهمت. وسرعان ما تحصلتُ على الوظيفة المرموقة، والمكانة الإجتماعية الرفيعة. فإرتفعت شروطي ألظاهرة للزواج.

 

ومع تسديدِ آخر قسط من أثمان شقتي وأثاثها والسيارة، كان عدَّادُ الزمن قد ترك ألكثير من بصماته، على تضاريسي ألخارجية. بِتُّ في الخمسين من عمري. قَلَّتْ فُرَصي للزواج. فلم يَعُدْ يتقدم لي، إلا المتزوجون أو المُطَلَّقون أو أصحابُ الإحتياجات الخاصة أو الأراملُ من الكهول. بالطبع، كنتُ أرفض عروضهم. ظناً مِني وِفْقَ وساوسِ عقلي، أنني أستحق ألأحسن. فبعد الأثمانِ ألتي دفعتها من عمري، ومع ألمركز ألمرموق ألذي تحصَّلْتُ عليه، لا يجوز لي أن أتزوج بِمَنْ هو أقل من طموحي. مع الصبر الجميل كنت أوشْوِشُ أحلامي همسا: صبراً ، لَعَلَّ في الأفقِ مَنْ هو ألْيَقُ؟!

 

كنتُ أرفض كلَّ مَن يتقدم، وليتني لَمْ أفعل. إنقطع خُطَّاب الوُدِّ وطُلابُ الزواج. فالشباب لا يرغبون إلا في الصغيرات من النساء، طازجات الجمال. مع ألوقت المُمِلِّ، بِتُّ جزءا من الثروة الوطنية!!! حبيسةَ زنازين مُسَمّايَ الوظيفي، وأطُرِ شهاداتي المُعلقة على جدران بيتي، وضوابط العمر ووقار السنين. وأنا موزعة بين تلك الزنازين، أتلفت حولي كثيرا، أرقبها وحيدة، وأبكي بحسرةٍ ونَدَمٍ. وحينا أصرخُ بأعلى صوتي: خُذوا الشهادات والمناصب والمكاسب، وأعطوني لَوْ نِصفَ زَوج.

 

قاطعتها لآخفف من نبرة الحزن في صوتها، قلت وأنا أحتضن كوب الشاي الداكنِ الساخن بين كفي: صحيحٌ أن الزواج، بلسمٌ حقيقي للإستقرار الطبيعي والإجتماعي والنفسي للإنسان السوي.  فالعنوسةُ التي باتت شائعةً بين الرجال والنساء، تُشبهُ التوقف القسري على شطآن الحياة.

 

وهي تعبث بخصلات من شعرها ، إلتفتت إلي وسألتني بنبرة يشوبها قلق: أين العِلَّةُ يا فَنْدِمْ؟

 

قلت: فيما أظن، فإن العلة في هذا ألتوقف القسري، متعددة الرؤوس. يظن العديد من الشباب، أن الزوجة ألجامعية العاملة، لإنشغالها ستكون بالضرورة، مهملة ومقصرة في أداء مسؤولياتها الأسرية.

 

 وغالبًا ما تُصاب الفتاة الحاصلة على شهاداتٍ جامعية عُليا، بحالةٍ من الغرور والكبرياء في إختيار الشريك، وفق مظاهر ومعايير متخلفة مُغالية في النِّديَّةِ. وهذا ما لا يستسيغه الشباب متعلما كان أو غير متعلم. ويَعْتَبِرُ مزاياها العلمية والعملية،  عتبات للكثير من المشكلات المستقبلية، ومؤشرات كاشفة لغطرسات قادمة في جدل التعامل معها.

 

إن وقَفَ العقلً الجمعي السليم، أمام تلك الظاهرة مُتبصرا، سيلمَس مع ما سبق، مظاهرَ كاذبة وسيروراتٍ مًتخلفة في التحصيل الجامعي المتقدم. فلا معنى لبقاء النساء عزباوات ، منغمسات في التحصيل إلى مرحلة عمرية متقدمة. فما فائدة كثرة الشهادات وأعلاها، والوظائف المرموقة بالنسبة للمرأة، إذا بقيت بلا زواج وأولاد؟ كم من إمرأة بعد أن ذبُلَتْ وًرودُها وتقلصت نضارتها، تمنت تمزيق شهاداتها من أجل أمومتها !!!

 

كان الليل قد تجاوز المنتصف بكثير، وقَفتُ مُنتصبا إستعدادا للرحيل، وقلتُ وأنا أقبض على درابزين الشرفة، وأحدق في البعيد: من الضروري يا سيدتي، أن تُتِمَّ المرأة تعليمها. ولكن دون تَنَكُرٍ فَجٍّ أو مُتَعَنِّتٍ، لفرص الزواج. فمتى تعارض الزواج المُناسب مع الدراسة، فالزواجُ في ظنيَ أولى.

 

والسعيدُ مَنِ إتعظ .

 

الأردن – 20/6/2018

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.