كـتـاب ألموقع

إلا قليلا...!- ثرثرة في الحب (20)// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب

إلا قليلا...!- ثرثرة في الحب (20)

د. سمير محمد ايوب

 

بعدَ ساعةٍ من التسكُّعِ الأنيق برفقتها، يداً بيدٍ على الشاطئ الرملي النظيف، عَضْعَضْنا شئٌ من الجوع. كنَّا على مقربةٍ من مقهى صيفي يديره زوجان لبنانيان. مع تسلُّلِ كلماتِ حُلُم، رائعةُ الست، كانت ثُلَّةٌ مختلطةٌ مِنَ السَّهارى يتضاحكون في داخل المقهى. رَفَعَتْ عينيها لعينيَّ وهي تُفْلِتُ أصابعي. ثمَّ إندَفَعتْ مُهرولةً بإتجاهِ المقهى. قبل أنْ تَتحرى جوابي. وقَفَتْ بِبابه، مادَّةً ذراعيها بإتجاهي. وعيناها تقول بِما تُتْقن من لُغات: يتميز هذا المقهى بالإضافةِ لِموقعه، بشطائرِ جُبنةِ الحلُّوم، ألتي تشتهر بها جزيرتُنا. أظن أن دسمَ بعضِها اللذيذ مع الشاي الأحمر، لن يُفسِد شيئاً مِنْ حِميَتِك. بذكائها العاطفي إستقرَأتْ، رِضاً في عَينيَّ، وإبتسامةً مطمئةً كانت تُساكِنُ شَفتيَّ.

 

إنتَبَذْنا مكانا قصيا في المقهى. جلسنا على صخرة تُحاذيَ البحر، وتداعبُ موجَهُ الحَيِيّْ آنذاك. ونحن كالصخرة بِتنا نُشاغب الموجَ باقدامنا العارية. ناولَتني أولى الشطائرِ المُقَرْمَشةِ. ثمَّ أدنَت كوبَ الشاي وهي تقول: بَعدَ كلِّ ما ثرثرنا به الليلة عن الحب، أودُّ أنْ أسألكَ يا شيخيَ: أيَحْتَمِلُ الحبُّ كلَّ ما نسمعُ مِنْ تَعَدُّدٍ؟!

 

قلتُ وأنا أُناوِلُها شطيرةَ الجبنِ وكوبَ الشاي: سُؤالُكِ لكثرةِ ما تُرَدِّدُه النساء، باتَ عاديّاً يا سيدتي. ولكنَّ الغريبَ في أمره، أنَّ له في الواقعية نصيبٌ، وفي المثالية مِثْلها. ونصيبٌ في نظريات العلم، ومثلها في شطحات الفلسفة. أنصبةٌ تُبقي الإجابةَ عليه، رَجراجةً غيرَ قطعية. لَوْ إتَّكأتُ على الواقعِ وإنْ تأتأ، فجوابيَ نعم، إلاّ قليلا. وبالتَّكاذُب أو بالتمويه، يجب أن يكون جوابيَ بِلا، إلاّ قليلا. القليلُ هُنا، هو الإستثناء الذي لا يُقاس عليه.

 

نعم يلدُ الحب بَديله، وأكثرَ مِنْ غَيْمٍ  يُوازيه. لِكلٍّ منها أحمالها وأثقالها. لكلِّ حبٍّ مِنها مَداخلٌ، مضامين، تبعات ومآلات. تتعدد تضاريسُ كلٍّ مِنها. وتجعلُ كلَّ إصدارٍ من إصداراتِه، أكثرَ مِنْ جُرمٍ صغيرٍ، وأقلَّ مِنْ كونٍ أكبر.

 

في الحب يا سيدتي، غيطان وسهوبٌ وبراري. فيه وديان وقيعان وحفر. وما اكثر رواسيه من الهضاب والجبال. تتسع جُغرافياته، لكلِّ تلاوينِ العشاق والمحبين والواهمين، ناضجين ومجانين، وأطفالٍ مُراهقين، ومُتطفلين رماديين. مع مَنْ هَبَّ مِنهم ودَبَّ، تتسامى مشاعرٌ بِنُبْل، وتتشظى بغوغائيةٍ أخرى، ويتبددُ غبارٌ كان حاجِباً لصحيحِ الرؤية.

 

قالت: ما علينا أنْ نفعلَ في مثلِ هذه الحالة؟! وأنت تعلمُ أنَّ في فضاءاتِ كلِّ روحٍ نفسٌ تائهةٌ، بينَ اليقينِ والظن. تغزوها بين الفَينة والفينة، مشاعرٌ مُلتبِسة. صَخبُ وساوسِها، قد يقودُ المُبْتلى إلى ثوراتِ شكٍّ مُمِضٍّ. سواء كانت مدفوعة بنقصٍ في المعرفة، أو بغضبٍ شائع، أو عدوى مرارة، أو حتى بالحب. وقد تُستَمَد حماقاةتُ الهَبَلٍ وإندفاعاتها، من أيٍّ من هذه الدوافع، او كلها معا.

 

قلتُ مجيبا بحيدة ظاهرية: إذا كان هبلُ الوسواس خنَّاساً، ومرجعياتُ حماقاته إصرارا على الجهل والتجاهل، والعوم في غضب غير مُشذَّبٍ أو مُهذَّب، أو الضياع في مرارةٍ مُعدِية، أوالتَّلطي  بحبٍّ مُراهق فجٍّ لَجوجٍ، إفعلي ما كنت أفعَله كلَّما داهمني شيء من ذلك. إحتضني ساعتها، ما تبقى لك من نفسك، وإكتفي بوجعك. إعطِ ظهرَك لنبعِ الألم وإمضي قُدُما، ولا تتلفتي حولَك. فَمَن وضَعَكِ في متاهاتِ الظنِّ ووساوسِ الشكِّ، لنْ يُنْصتَ للحق، ولن يفهم أو يتفهم وبالقطع لن يغفر. إمضي قُدُماً، ولا تَغرَّنَّكِ الدموع ، فهي هنا، مجردَ ماءٍ مالحٍ لا أكثر.

 

قالتْ: قُلْتَ الكثير يا شيخي، وقلتُ أنا، فهلْ نَضبَ نبعُ الكلامِ كُلُّه؟! أما مِنْ مُراجَعةٍ ومُعاوَدَة؟!

 

قلتُ مستحيل. فلا ينضب القول معك. سنقولُ ونُعيد، ولكنْ في جولةٍ تاليةٍ من الثرثرة، فللحديثِ بيننا الليلة، أكثر من بقيةٍ يا سيدتي.

 

الاردن – 4/11/2018