اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثرة في الحب (23)- التعددية في الحب// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثرة في الحب (23)- التعددية في الحب

د. سمير محمد ايوب

 

كنت سَوَّاحاً في جمالياتِ صعيدِ مِصر، مُتَّجِهاً من الأُقْصُرِ إلى أسوان، عبر نهر النيل العظيم، في باخرةٍ نهريَّةٍ فرعونية الزينة، تنساب بهدوء مُخَدِّرٍ، في رحلة جماعية منظمة، حين التقيتُها ذاتَ غروبٍ شتويٍّ دافئ، مشبعٍ بعطرِ التَّمرِحِنَّه والفُلِّ البلدي الأخاذ.

 

كنت أتناول الشاي لوحدي، مستمتعا بجنّاتٍ على مدِّ البَصر، أُطِلُّ عليها في أعالي صعيد مصر المميز، حين سمعتُ مديرَ رحلتنا، وكان شابا وسيما فرحا، في الخمسين من عمره، يدعونا مُناديا إلى مشاركتة، إحتفالاته بالذكرى الخامسة والسبعين لميلاد زوجته. إنتقلت من أوَّلِ سطح الباخرة حيث كنتُ أجلس، إلى مؤخرة السطح حيث الحفلُ كان. وبِيَ الكثيرُ مِنَ الفضول.

 

قبل أن أتْبَع الجمعَ من النساء والرجال، إبْتَعْتُ من بقالةِ السفينة وردةً جوريَّةً حمراء، قدَّمتُها للسيدة المُحتفى بها، وأنا مُنبَهِرٌ بِما أرى أمامي. نخلةٌ صعيديةٌ سمراءُ باسقةٌ، تحسبُها في الأربعين، ولا تَزيد وإن حاولتْ. باذخةُ الجمال كأنَّها توأمُ نفرتيتي، أناقتها ملفتة ببساطتها. مشرقة المحيا. يشوبها بإعتدال، فائضُ وزنٍ مُتَّسِقٍ، مُشْبَعةٌ بذكاء بخفة الدم المصري المعتاد. مطمئنة برضا مثقف.

 

تلفتَتْ يمنة ويسرة، وبكرمٍ أفاضت الكثير من نظراتها عليَّ كأنها تُخاطبني أنا، وهي تُرَحِّبُ بضيوفها من الحضور، قالت تحدثنا:

 

هذه اللحظات الجميلة، التي أستمتع بها الآن برفقتكم، هي إمتداد طبيعي شرعي، لوميضِ نورٍ دافئ، ما انقطع نماؤه ولا خفت دفؤه، منذ ربع قرن مضى. كنتُ أنعمُ حين أشرق عليَّ، برفقة روح شغوف تدرُجُ وتَعرُجُ، وعنفوانِ جسدٍ متمرد وعقلٍ نقدي. عزباء في الخمسين من عمري، لم أتزوج رغم وفرةِ الفرص.

 

قبل أن ألتقي هذا الوميض، كنتُ أمضي منذ بواكير شبابي، في ظلال جسد متأجج منقسم على نفسه، أنْصِتُ لجدلٍ محتدمٍ بين عقلي وقلبي. يَغُطُّني في زوابعَ، يتوالد فيها فكرٌ صارم، ومعارجِ سياسية ككثبان الرمل متحركة، ورومانسيةٍ نضالية. كنت بصبرٍ عَقلاني، أنقِّبُ عن مسارب آمنة هادئة ومجدية، تجسد هذا الجدل، وما في لججه من عصف يصارع بلا رحمة عصفا، تتجدد مظاهره كل يوم، في الكثير مما أقول وما أفعل. دون الإلتفات مطوّلا، لما قد يقوله، مَنْ كان آنذاك في حواضني. لأني كنت بجرأة ناضجة، قد طورتُ مسبقا أحلامي، وشذبت هواجسي.

 

وفي طرفة عين، بدأتُ تجربة َحبٍّ جديدة، فريدة في حياتي. عزَّزَتْ ثقتي بأنوثتي وما تزال. وحسَّنَت نوعية فرحي في الحياة، وعمَّقَت إحتفائي بها. وصالَحتني مع حلمي بالأمومة. إرتطمتُ بأحد طلبتي من العرب الوافدين إلى جامعتي، لأستكمال متطلبات درجة الماجستير في آثار مصر. من حسن حظنا معا، أنني كنت وهو يتسلل سريعا إلى قلبي، وينزلق بهدوء إلى عقلي، المشرفة على مكتبة الكلية، التي يكثر التردد عليها.

 

وعيناها تفيضان حنانا وإمتنانا ، إستدارت محدثتنا الى الرجل الخمسيني، الواقف على يمينها، منتصب القامة كسارية علم. أمسكَت بيده ورفعتها عاليا، وقبل أن تكمل قولها، بادلته النظرات وهما يحتضنان، ثم رفع كفَّ يدها الثانية إلى شفتيه، وزرع بعناية قبلة عميقة، في رحم راحتها.

 

توهج جمالها وهمس. ولكنها سرعان ما استردت روحها، وأصابعها النحيلة تتخلل بواكير الشيب في مفرقه، تابعت السيدة قائلة: حين إرتقى الإرتطام بيننا، من ومضٍ إلى التقاء، تمدد وتوسع بهدوء، وبات منذ ربع قرن، هو الصديق والحبيب والزوج المتجدد.

 

لإبقاء جسدينا في أوج ضجيجهما، حرصنا معا على إبقاء عقولنا عفية متمردة، وقلوبنا سليمة. لم نقطع حوارا بيننا ولم نعطله، في أيِّ وقت أو حول أيِّ موضوع. أدرنا حوارات هادئة وجريئة، حول مهارات الإشباع الطبيعي، لكل ما فطرنا عليه من احتياجات وضرورات، بعيدا عن اي بدائل غير طبيعية.

 

كنت مع كل من كان موجودا، ننصت بشغف بيِّنٍ، حين شاركت زوجها إبتسامة ملتبسة، ركزت إثرها بصرها عليَّ، وهي تعاجلني بسؤال مباشر: ما قول ضيفنا إبن بلاد الشام في تجربتنا؟ أولم نقتدي خلالها بتجربة معاوية مع شعرته؟ ربع قرن ما انقطعت؟

 

سرعان ما سيطرتُ على إرتباكي، مبتسما شكرتُ المحتفى بها، ألقيت التحية على الحضور، وقلت بعد أن قدمت نفسي: يا سيدتي، في زمن التخلي عن الفطرة، وفي زمن الإنشداد المتعمد للشكليات الإستعراضية، بعيدا عن ضرورات التكامل بين احتياجات الفطرة وضرورات الحياة المتحركة، يهمِّشُ كثرةٌ من الشركاء دورَ العقل العامل والقلب الفاعل، لصالح الغرائز البدائية، والإنفعالات المطاطة. فتتغول وتصبح أدوات فتن، تحوّل المشتركات إلى بؤر صراعات، يؤجّحها جهلٌ مُستدامٌ، ووساوسٌ متجددة لمستوطنين، في الحواضن المحيطة بنا. فمن لا يفكر لنفسه يا سيدتي، ينقاد بالضرورة، إلى ما يشي به أبالسة الإنس والجن.

 

في كل شراكة، هناك تعدديات متحركة، مقارباتها وتغذيتها وإشباعها، تتطلب مهارات متكاملة، توحد الإنتماء للمشترك. فلا يجوز ولا يجب أن يكون، إختلاف التفاوت سبباً للخلاف بين شركاء، أو مدخلا لصراعات بينهم.

 

تؤكد تجربتكما لكل متبصر حصيف، أهمية النضج في الحب المتكامل الإهتمامات. وأن الحلول الناجعة للتفاوت، تكمن في الحوارالعادل وقبول التعدد. ومن ثم في التلازم بين القلب السليم والعقل القويم والأسلوب الرحيم، لدى كل الجالسين على حواف المشهد ومن في حياضه أو في رياضه.

 

الاردن – 2019/1/1

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.