اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثرة في الحب– (26)- أعشقُ شَّيْبَ رأسي// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثرة في الحب– (26)- أعشقُ شَّيْبَ رأسي

د. سمير محمد ايوب

 

تحت شجرة توت ضخمة، على كيف وادي شعيب، كنت عصرا أجلس منتظرا. حين أطلَّت من البعيد، كنت أنازل ذاكرةً تتآمر عليَّ، تهزمُني فأهذيَ صمتاً، وأحيانا أتمردُ فتتَأتِأ تنهداتي. طويلةً مُمتلئةًأنيقةً جاءت. تتهادى ليِّنَةً، كالرَّهَوانِ تتثنَّى في مِشيَتِها.

 

ليشبع وجهيَ منها وهي تجلس على صخرة قبالتي، فتحتُ عينيَّ على إتساعهما بلا أسئلة. فهي تُصِرُّبعدَ الأربعين على أن لا تكبر. تُتقنُ جمع كلِّ الفصول في سلَّتِها. سألَتْ مستغربة حين أطلتُ البَحلَقة مُنبَهِرا: ما بالكَ يا شيخي، وكأنك لأوَّلِ مرَّةٍ تراني؟!

 

قلت: الكثيرَ. عينايَ عصايَ أتَوكَّأ عليها، وهي تقارِبُك وتتحسسُكِ. عبرَها أتسرَّبُ في دهاليزك. بدونها أبقى في منطقةٍ لا دُنوَّ فيها، إلا في مواسم الشمس.

 

قالت مُتضاحكة: منذ أن أرْخَت سِني العمرِ أعِنَّتَها على رأسِكَ، أراكَ لا تُلوِّنَهُ. وطالما أنَّكَ عاشقٌ لشيبِ رأسِكَ، قُلْ لي كيفَ أُقاومُ تَحرُّشَ الشيبِ بِرَأسي. فأنا أمامَ جبروتِ الشيب، أخشى الإستسلامَ لخريفِ العُمْر.

 

قلتُ بِجديَّةٍ مُفتعلة: الشيبُ إنِ إنْغرسَ في القلب، لا يَصنعُ وَقاراً. كقلمِ الرُّوجِ يُلَوِّنُ ويُعطِّرُ، ولكنَّه لا يُضفي على الشفاهِ أنوثةً. كلاهُما فخٌّ خدَّاعٌ، تَطيشُ سِهامُه، وهي تعبرُ سنينَ العُمْر. في ثناياهما قد يَتِمُّ تكفينُ القلب سِرّاً.

 

يُذَكِّرُني شيبُ رأسي بأناس أحبهم. فأنا منذُ أن أدركتُ قيمةَ ما ألقى ربي في قلبي مِنْ نِعَمٍ، لم أعد أصغي كثيرا لما تشي به مرايا البَصر. ولم أعُد مُكتَرِثا لعدَّاد الرزنامة. ولا حتى مُنصِتا لها. فيومٌ مِنْ تجلياتِ القلب السليم، بألفِ شهرٍ مما يَعُدُّ الشيب. لتلك التجليات عدادات ليس كمثلها شئ. أضْبِطُ مواقيتَ فرَحي في الحياة، على حركة بِندولِها وأجندتها.

 

قالت مقاطعة وهي تفرك عينها بمنديلها: حتى وإن صِرتُ عجوزا؟

 

قلت وأنا أقف: إختصار الحياة وأحلامها بعدَّادِ السنين، مؤلم يا سيدتي. لا بأس إنْ قلتِ هرِمتُ، ولكن لا تقولي عجِزتُ. شتَّانَ بينَ هذا وذاك. الهرَمُ مِنْ عَدِّ السنين. أما العجزُ فهو موتُ الوظائف.

 

قالت وهي ما تزال جالسة: ولكنَّ حِصانيَ أنهكهُ الركضُ، وفَرَّ  منه عزمُه. بتُّ أتوضأ بكل شكال الأدوية. ومع هذا فأنا ما زلت أصغي كثيرا لإلحاح الصبيَّةِ في دواخلي. فهل صحيحٌ ما تقول المُشاغبةُ، بأن الحبَّ إنْ جاءَ، مَجنوناً أو حكيما، فهوَ مِنْ نصيبِ الشجعان فقط؟

 

قلت مُطَمْئِنا: نعم. شرط أن يسلِّمَ عقلُكِ قيادتَه لقلبك. وأن تُمْسِكي بحكمة وقوة اعنتهما. بين يديك، ليكونا واحدا ، تفهميهما بإحترام كيفما يكونا. لا تزاحميهما ولا تنافسيهما ولا تسابقيهما. لكل منهما إيقاعه يا سيدتي، تماما كما هو ألقُ الشيب. وأضفتُ قائلا بعد ان عدت للجلوس: العيب ليس في القلب، بل في مَجساتِ العقل. وفي ما تُخبئين في وقارِ سنيك.

 

أما أنا فأثقُ بمجساتِ قلبي، وحسن تقديره وتدبيره. آخذه معي لا أفارقُه. أضيعُ لو غضبَ مِني. فهو في العشق، لا يترك فرصة لقيلولة ولو عابرة، ولا يسمح للشروق أن يقترب.

 

من أروعِ ما يرزقك به الله في هذه المرحلة من العمر، صديقاً بنكهةِ حُبٍّ. إن إصطفاك قلبُ رجلٍ ليكون لكِ وطنا، واستفاقَ هواكِ، خُذي معكَ قلبَك لا عقلك. فلا يُمكنُ لعقلٍ حَيْسبونٍ أن يكونَ أكرمَ مِنْ قلبٍ سليم. إن تَذوَّقتِ معه الأمنَ  والأمان، إرتديه من الرأس حتى الأساس. أو كيتيمة مطلقة وأرملة، أكملي العيش عزباء.

 

الأردن – 21/1/2019

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.