اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثرة في الحب (27)- المرواغة في المشاعر// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثرة في الحب (27)- المرواغة في المشاعر

د. سمير محمد أيوب

 

مع تفشي الإنتحال والإدعاء، والتوسع غير المسبوق في توظيف الأقنعة واليُفَطِ، وإنتشار الحشوات والمُضافاتِ والإكسسوارات والصبغات، وحدِّث بِلا حَرجٍ، عن التقليم والتشذيب والتهذيب، وإطلاق اللِّحى وحفِّ الشوارب، ومواكبةِ الجلباب والنقاب والحجاب، لأسوأ ما في خطوط الموضة وصرعاتها، وتَفَشِّي تَسَوُّلِ الأصول والمنابت والمشاتل، وسرقةِ الصفات والألقاب والإنجازات، والمبالغة في تخزيق الثياب وتمزيقها، مع كلِّ هذا البذخ السفيه، في صرف المال والوقت والجهد، لإحداث إرتطاماتٍ بصريةٍ وسَمْعِيَّة عند المتلقي، هل يا شيخنا، ما زالَ مُمكِننا، التعرف بيقينٍ مُطمَئِنٍّ، على الملامح الداخلية الحقيقية، للشريك من الرجال أو من النساء؟

 

هذا، هو ما ألقاه بوجهي، عصر يوم مضى، رجل أعمالٍ صديق، مُعتَصِمٌ بعزوبيتِه منذ أكثر من خمسين عاما. أنعم الله عليه خلالها، بالكثير من الوسامة وفيضٍ من الخُلُق. ما أن أتمَمْنا واجبنا الإنتخابي، إنْتَبَذْنا رُكناً قَصيا في قاعة الإجتماعات الكبرى، بعيدا عن زحام الإنتخابات وضجيجها. مع سحرِ قهوتنا وعَبَقها الأخَّاذ، في الركن البعيد، كان قد سألَني وهو عابسَ الوجه.

 

أدركتُ على الفورِ، أنَّ في سؤالَه تكمنُ إجابةٌ إستباقيّةٌ تبريريَّةٌ، على سؤالٍ إعتاد أن يَسْمَعَهُ مِني كلَّما إلتقيته، لِمَ لَمْ تتزوجْ بَعدُ يا رجُل؟ فقلت وأنا أفهم مرماه، محاولا بهدوء تفهم إستنكافه عن الزواج: مع كل هذا السَّفَه يا صديقي، لإحداثِ إرتطاماتٍ بَصريَّةٍ عند الآخر، باتت كلُّ التضاريسِ الفردية الخارجية المتوالدة، تمتلك قُدرةً على إيقاظٍ عنيفٍ لِلحَواسِّ الفِطرية، وجذْبِها وإحكامِ القبضةِ عليها بفجاجة.

 

 وأكملتُ ونحن نتمشى في الركن البعيد: الجمالُ يا صديقي كالحُبِّ رِزقٌ. ولكن ليس كلُّ ما في الجمال رزق. بعضُ ما يشوبه، نواتج عرضية صناعية لعملياتٍ مُحترفة. لا يبدو معها، الرزقُ في الجمال إلاَّ لِعَيْنٍ مُتَبصِّرةٍ. أمَّا المُتَسيِّدُ من ظاهرِ التضاريس المُصنَّعة للترويج، فهو ملتقى فج لعيونٍ قنَّاصَةٍ، تحترفُ التجارة الفاجرة.

 

وهنا قاطعني صديقي مُبتسما هذه المرة: أتفق معك تماما يا شيخي. فَمِنَ الخطرِ أن يصبح كلُّ جمالِ المرء في صُوَرِهِ، القائمة على التزوير والإيهام البصري أو السمعي المحترف. ساعتها يسهل على الإبتذال أن يكون من فضائله، والغرائزية من منطلقاته، ومهارات الترويج التجاري أفقه ومبتغاه.

 

في مجتمعِ الفرجة المراوغ هذا، يتقوى إختزالُ الناس في تضاريس مظهرهم  المُضَلِّل. وتُعتقلُ العلاقةُ في سرابٍ عجيبٍ فتّاك. يودي بها في نفقِ نفعيةٍ فردانيةٍ مُتوحشة. تتوالد في أرحامها إختناقاتٌ تُحكِم قبضتَها، تُسافرُ بأطرافها بعيدا عن ضوابط العقل الرشيد، وإبداعات القلب السليم، وتَحُدُّ مِنْ قدرتهما على التحكم الناضح الذكي. فبعد أن صار التدخل في تعديل الخِلقةِ مُتاحا للخبراء والحرفيين، أصبحت صناعة الظاهر، رهينةً بقوانينِ السوق.

 

تَوقَّفَ صاحبي فجأةً، نظرَ إليَّ وكأنه أزاحَ عن كاهلِه حِملا من المِلْح. فسارعتُ على الفور، مُجيباً على سُؤالٍ مُضمرٍ في عينيه: لن تُحافظَ يا صاحبي، على حَقكَ في اللامرئي من الجَمال، دونَ الحدّ من إستبدادِ المَرئي فيه. بمقدارِ ما تُقلِّل مِما تَرى وما تَسمَع، بِمقدار ما تُنَشِّط مُخيلةَ قلبِكَ أكثر. فإنْ كانت نوافذُ تبصُّرِكَ للواقع المحسوس، محصورةً بِهلوساتِ عينيك وتخيُّلاتِ أذنيك، دونَ غربلةٍ وتمحيصٍ وإستشارةٍ وإستنارة، لا يَصحُّ لكَ أن تَصفَ الكثيرَ من خطَراتِ ما تتطفَّلَ به حواسُّك، بالحقائقِ الواقعية. فما لا يُمْكِنُ الجَزمُ به، لا يعدو أن يكون أكثرَ من تَهويماتٍ، مصدرُها الغرائزُ والعقدُ النفسية.

 

الاردن – 3/2/2019

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.