كـتـاب ألموقع

ثرثرات في الحب (الثرثرة 32)- أتحِبُّني حقاً؟// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثرات في الحب (الثرثرة 32)- أتحِبُّني حقاً؟

د. سمير محمد أيوب

 

جَلَسَتْ بِجانبه في ظلال شجيراتٍ منَ الزَّعرورِ والسِّماق ، على تلَّةٍ من تِلال السويداء في جبل العرب ، مُطلَّة على وادٍ قَدْ جَفَّ ضرعُه ، وكثُرَ نَبتُه وزَرْعُه ، تحيط كرومُ العنبِ بِضفَّتيه . ونظراتُها تُتابِعُ بشغفٍ سِرباً من الفراش المُلوَّنِ ، يدور بانتظامٍ وهو يرتفع ، ويهبط بتكاسلٍ مُنسَّقٍ  ، يُراقِصُ بعضُه بعضَه ، على شيء من دَندناتِ فريد الاطرش المُتسلِّلَة ُ من البعيد ، برفقةِ نسائم حييَّةٍ شبهَ ساكنة ، قالتْ بشجنٍ بعدَ أن التفتت اليه محدِّقَة في عينية : ما بِكَ صامتا يا سَنَدي ؟ إفتحْ لِيَ لوْ طاقةً على قلبك . أطلقْ سراحَ ما تعتقله عميقا في خوابيه . فأنا يا شيخ المشاغبين ، إن كنتَ لا تعلَم ، أغارُ عليكَ ، حتى من المسكوتِ عنهُ فيك  .

 

طأطأ رأسه ليُخفِيَ وميضَ عينيه ، ولكن سرعان ما رفعه إلى الأعلى ، مُتلفِّتاً  يَمنة ًويَسرةً بحركاتٍ سريعةٍ مُتتالية  ، ثم حدَّقَ صامِتاً في الأفقِ أمامَه ، وجفناه يرتعشان  . أمْسَكَتْ بذقنه المسكونةِ بغمَّازٍ عميقٍ ، يعلوه شاربٌ مُشذَّبٌ أنيقٌ ، وأدارَتْ وجهَهُ باتجاهها ، وما أن تلاقحتْ عيونُهُما ، عاجَلَتهُ بِما يُشبه الوشوشة المسكونة بالقلق : أحقّا تُحُبُّني  يا رجل ؟

 

قال وكأنه يزيح عن كاهلة حِمْلا ثقيلا : ومن أوَّلِ نظرة .

 

سارَعَتْ بكل ما فيها من دهاءٍ ، لُتشاغب قائلة بوقار مُفتَعلٍ: أصحيحٌ  يا عنترة ؟ فأنا لا أكاد أن أصدِّقَ شيئا مِمَّا تقول ، إحلف لي .

 

قال بصوتٍ مشوبٍ بالكثير من العتب الحَيِيْ : أعندَكِ شكٌّ يا  دهقونتي الجميلة  ؟!

 

قاطَعَتْ ما كان يود استكمالَه ، برجاءٍ شاكٍّ باحثٍ عن يقين : إذن قل لي بربك لِمَ  ؟

 

وضعَ اصبعه على شفتيها المكتنزتين ليقطع تدفق أسئلتها المُتذاكية  ، وقال بقهقهةٍ حاسمةٍ : من غِير ليه . فلا يصح ولا يليق ، سؤالُ عاشقٍ تبريرا  لِمشاعِرِه  .

 

تظاهَرَتْ بالاستسلام مشترطة ان تعرف فقط قدِّ إيه ؟

 

تنهَّدَ وهو يطوِّقُ خصرَها مُتلعثما : فاكره البحر ؟!

 

قالت مُستَنكِرَةً : بَسْ  يا بخيل ؟!  يا ويلَك وسوادَ لَيْلَك . البِحارُ صغيرةٌ يا سَندي .

 

قال  مُقهقها : لا تزعلي يا طماعة . فأنا احبك قدر شوقِ أمٍّ للراحلينَ من أولادها  .

 

تلاشت بين ذراعيه حزينة  ، وبصوتٍ كسيرٍ مُرتجفٍ همَست : أولَم أخبرك أكثرَ مِنْ مرَّةٍ ، أنني يتيمة ٌمقطوعةٌ من زيتونة ٍكنعانية ؟  قذيفةٌ حاقدةٌ كانت قد مزَّقَتْ أمي إربا في مخيم تل الزعتر ، وبعدها بسنوات ، سكِّينُ عميلٍ ذبَحت جسد أبي في مخيم صبرا . أما اخي ألأكبر عائد ،  فقد قصفته دبابةٌ جاهلةٌ في مخيم البداوي . وأخي الأصغر جهاد  ، وكان آخر من تبقى لي ، فقد أجبره إرهابيون محاصِرون لمخيمِ اليرموك ، على أن يعود إلى ربه جائعاً عطِشاً من هناك . وإن سألتني عن باقي العائلة  ، فإعلم أنَّهم  كانوا قد طُمِروا أحياءً تحت ركام بيتنا في دير ياسين في فلسطين المحتلة .

 

مُبَعثَرا مهزوماً قال عنترة مُواسيا  : يرحمهم ربي وربك  . وأضاف بصوت مُحتارٍ : ما رأيك لو أني نسجتُ لك حبَّاً بحجمِ وجعِ أمةِ العرب وأحلامها المُجْهضَة  ؟

 

تحسَّستْ يسارَ صدرهِ بكفٍّ حانية ، ثم احتضنت خدية بين كفَّيْها ، وقالت بصوت دامع يحاول التماسك : بربك ، دعِ الغُفاةَ من امة العرب  ، في سباتهم وغفلتهم يعمهون .

 

كالمحاصر الذي اكتشف خلاصه فجأة ، سألها : ما قولك بِحبٍّ من كَرَمِ الله ورِزْقه  ؟

 

توهجت عيناها بفرحٍ دمْعَهُ بارداً كماءِ بردى  . طوَّقَت عنقَهُ ، وهي تُمَرِّغُ رأسَها المُثقلَ في سهوبِ وغيطانِ صدْره . تلاحقَتْ أنفاسُها وتهدَّجَ صوتُها ، وجاءَ كالصدى الآتي من البعيد البعيد  : تعال إليَّ يا عنترة ، أضمك وأشمك . لألَمْلِمُ وأرمم ما تبقى لي من أهلٍ . فأنا معك ولك ، بنتك وأمك .