اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثراتٌ في الحب (الثرثرة 34)- المرواغة البصرية في الحب// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثراتٌ في الحب (الثرثرة 34)- المرواغة البصرية في الحب

د. سمير محمد ايوب

 

مع تفشي الأقنعة بالمكيجة والانتحال والادعاء، والتوسع غير المسبوق في الحشوات والشد والمد، وانتشار المضافات من عدسات ورموش وحواجب ووشم ورسم، وحدِّث بلا حرجٍ، عن التقليم والتشذيب والتهذيب، بالنتف والتنميص والتخبيص، واطلاق اللحى وحفِّ الشوارب ورسم بصمات السجود على مقدمة الرأس، وتقصير الأثواب ومواكبة الجلباب والنقاب والحجاب لأسوء ما في صرعات الموضة، وتفشي تسوُّلِ الأصول والمنابت والمشاتل، وسرقة الصفات والألقاب والانجازات، والمبالغة في تخزيق الثياب وتمزيقها، والخلاخيل والدناديش، مع كل هذا البذخ وذاك السفه في صرف الأموال، لإحداث إرتطامات بصرية عند الآخر المتلقي، هل ما زال مُمْكنٌ يا شيخنا، التعرُّفَ بيقينٍ مُطْمَئِنٍّ، على الملامح الداخلية للشريك، فردا كان أو جماعة من النساء أو من الرجال؟

 

هذا ما سألني عنه عصر يوم مضى هنا في عمان، رجلُ أعمالٍ صديقٍ، مُعتَصِمٍ بعزوبيته منذ أكثرَ منْ خمسين عاما. أنعم الله عليه بالكثير من الوسامة، وفيضٍ من خُلُقِ الاصفياء. بعد أن أتممنا واجبنا الانتخابي لإنتقاء قيادة جديدة لغرفة الصناعة، وإنتبذنا ركنا قصيا في قاعة الاجتماعات الكبرى، بعيدا عن زحام وضجيج الحضور. ومع عبق السحر في قهوتنا، في الركن البعيد، وهو عابس الوجه.

 

ما أن أتم صاحبي سؤاله، أدركتُ على الفور الضباب التبريري الاستباقي فيما حاول ان يوحي به لي، جوابا على سؤال لم أكن قد نطقت به بعد، إعتاد أن يسمعه مني كلما التقيته: لِمَ لَمْ تتزوج بعد يا رجل، وانت وحيد والديك، ووريث كلِّ هذه الثروة من المال والمعرفة والمراكز الاجتماعية؟!!

 

فقلتُ محاولا بهدوء مراوغ، إجابة صديقي عما سألني عنه: مع كل هذا السفه في ايقاظ الحواس الفطرية، وجذبها واحكام القبضة عليها، يبقى جمال الخِلْقَةِ كالحبِّ، رزق من الله سبحانه. ولكن، ليس كل ما في الجمال الخارجي رزق، بعضه كما ترى نواتج تصنيع وتخليق. يتكئ بفجاجة على الايهام البصري. لتصيد مبتذل لعيون هواة القنص من فجار الجسد وغرائزيته.

 

وأكملت ونحن نتمشى جيئة وذهابا: في مجتمع الفرجة المراوغ هذا، يتقوى إختزال الناس في تضاريس مظهرهم  المضلل، وتعتقل العلاقة في سراب عجيب فتاك. يودي بها في نفق نفعية فردانية متوحشة، تتوالد في ارحامها اختناقات تحكم قبضتها، تسافر باطرافها بعيدا عن ضوابط الرشد العاطفي، وإبداعات القلب السليم، وتحد من قدرتهما على التحكم الذكي بارتطاماتهما.

 

بعد أن صار التدخل في صناعة الظاهر وتعديل الخلقة متاحا للحرفيين، ورهنا بقوانين السوق، فلن تحافظ يا صديقي على حقك في اللامرئي من الجمال، من دون الحدّ من إستبداد المرئي، فبمقدار ما ترى أقل، بمقدار ما تنشط مخيلة قلبك أكثر. فإن كانت نوافذ تبصرك للواقع الموضوعي، محصورة بهلوسات عينيك وتخيلات اذنيك، دون غربلة وتمحيص، لا يصح لك ان تصف بالجمال، شيئا من خطرات ما تتطفلان به. فجله قد يكون تهويمات مصدرها الغرائز والعقد النفسية.

 

ما العمل ؟

قلت : لا تبحث عن شريكك بين الحشود العالقة في عينيك، فهم سراب. ولا فيما تقتبسه اذناك، فهم هناك ركام. لا تعجب فعيناك واذناك متقلبان. ولا تقف طويلا مع عقلك، انعم عليه باجازة بين الحين والاخر، فهو هش وان بدا قويا. واغترب عن حواسك وإن أطربتك فهي مرتعشة، لا تتدثر بها فهي المسؤولة عن كل وجع او دمع اوموات قد يحاصرك.

 

القلب وحده هو من تثرثر معه عن خرائط احتياجاتك . فروائع القلب يا صديقي كعطايا الأم مشبعة بحنان لا يكذب، وليس لها تاريخ انتهاء، وان كان له ذاكرة تتمدد تقيس وتزن بإتقان، الكثير مما مضى في الالف عام التي مضت من عمرك.

 

لتكن الظلمة ونيسك، والصمت انيسك. أسدل الستائر ارقد صامتا وحيدا في ظلام وحدتك، خذ نفسا عميقا، وامتطي صهوة صمتك وهو يقارع صخب حواسك وعقلك، دون ان تقول شيئا. فطرتك السليمة ستجيب. فدعها تحدثك. وحين تحدثك دع صمتك يصغي بهدوء.

 

ساعتها، احفظ عن ظهر قلب ما يتلوه عليك، واركض اليها. ولا مفر، ستجدها بانتظارك. فالنساء يا صديقي لسن مسؤولات عن سرقة الفرح الهادئ من قلب اي رجل.

 

الأردن – 26/7/2019   

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.