كـتـاب ألموقع

ثرثرات في الحب- الثرثرة 49: لامِسِ الجنونَ ولا تَقْتَرِفْهُ// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثرات في الحب- الثرثرة 49: لامِسِ الجنونَ ولا تَقْتَرِفْهُ

د. سمير محمد ايوب

 

ذاتَ أمسيةٍ على ضفافِ بردى - دمشق ، كان فرحُها ضيفاً خفيفَ الظل ، كنتُ فيها الشاهد والشهيد ، أجالِس صمتي بينَ ضجرٍ رمادي ، ونسائم غربيةٍ حَيِيَّةٍ ، ومعزوفةٍ يشتركُ بتقديمها ، خريرُ مياه بردى ، ونقيقُ ضفادعَ يافعةٍ ، وحفيفُ موجٍ من الياسمين . ما كاد الليلُ أن يُطِلَّ ، حتى قلَّبْتُ وجهي في كبدِ سماءٍ صافيةٍ تعلو المكان . تغشاها ثُلَّةٌ من نجومٍ ، تُراقصُ بقايا غيمٍ منْسَحِبٍ إلى البعيد . كنتُ أتَمْتِم ذاكراً ، أكثر مما أنا بِسائل . مُصغِيا لصمتٍ مُتَفلِّتٍ بكل الألوان ، تارةً من القلب ، وطَورا من العقل ، وبين لحظةٍ وأخرى ، كانت تُسعِفُني ونَّاتٌ من الروح . أطاردُ بها هواجسي ، وألَمْلِمُ أحزاني .

 

تاهَ الصمتُ مني . ضِعتُ بين أوجاعِه . فَعَلَوْتُ وعَلَوْتُ في الضياء بعيداً عن النّورِ ، وبعيداً عن معابِر الهابطين ، حتى ما عُدْتُ أدري  إن كنتُ مُمْسِكا بحلمي ، أو محتفظا بتلابيب نفسي .

 

أوشكت أن أغفوَ ، حين أبصرتُها تُقْرٍئني السلامَ بحياءِ العذارى . تَعمُّدا أطلتُ النظر بإتجاهِها . فعاجَلَتْني بابتسامةٍ بطعمِ الخَجَل . حتى بانَتْ خطوطٌ ناعمةٌ حولَ عينيها . عَينانٍ لم تُخلقا للنسيان . تغشاهُما كلُّ ألوانِ السماءِ وأطيافُها السبعة . إقتربَتْ تتهادى ، كرقص الفراش . ليسـتْ مُراهِقــةً ، وُﻟـم تَعُدْ صغيرةً ولا كبِيــرةٌ . إنها فقط فـي أجمـل مراحِـل العمر . تجمَـعُ بــراءةَ اﻟطُفُولـةِ مع طيـشِ اﻟمُراهقــةِ ورزانـــة اﻟكِبـــار .

 

أعلمُ بما لَبِثْتُ مُبتسما ومُندهشا ، قَبلَ أنْ أستجمعَ قِوايَ ، ثم أمشي قليلا إليها . تَعَثَّرتُ . فَتَبَدَّدَ شيء من حيائي . وتاهَ مِني الرجوعْ . أعدتُ ترتيبَ صمتي . ومضيتُ إماماً في محرابٍ آخر . إستَوْقَفَتْني أضغاثُه وبرودةُ تأويله .

 

بادرتني سائِلةً : أيْنك ؟ ما بِكَ صامتاً كالحقِّ في وطن العرب ؟

 

مُتنهدا قلت مُكْمِلاَ حديثا سبق : ولكني يا سيدتي ، مِمَّن يخافُ حياءَ العمرِ ، ووقارَ السنين . وأخشى خيبةَ الصَّدِ والرفض ، ووجعَ مُرْتفعاتِ التورط وقيعانِ الإدمان ، وجنونَ الرحيل ، ورعونةَ الفراق . فألحب في بلادنا كما أظنك تعلمين ، بأبوابه السبعة جريمة ، والطواف العلني في مُدنِه مُحرَّمٌ بكلِّ المذاهب . ولا يُرْزَقُ به  إلا في السر .

 

قالت مُستعينةً بيديها : الأنثى وحْدَها لا تَقْدِرُ يا شيخي ، على أيٍّ من فصولِ الحُب . لتكتملَ بِها وتتزيَّنَ بك ، لامِسْ الجنونَ من أجلها ، ولا تقترفه . النساء لا يَغُرُّهُنَّ حُبُّ العُقلاء . ولا يَستهويهُنَّ المُتاح . إزرَع في طريقِها وردا ينبض ، وخُطَّ في قلبِها ألفَ حكايةٍ ولا تنتَظر . غازِلْها أيها المُتَعَقِّل ولا تُعاند . ففي خجَلِ كلِّ أنثى أعذارٌ تَلدُ أعذارا . حاصِرْ قلقَها وتَوَجُّسَها ، ببريقِ عينيك  وخطوطِ كفيك . وابق خوفَها مُرتَويا مُبتمسا ، وكلَّ أصابعها خاشعةً بينَ يديك . دون أن تنسى ولو للحظةٍ ، أنَّ الخيولَ المُدَرَّبَةَ بالصمتِ وحده ، لا تصهلُ أبدا يا صديقي .

 

الاردن –