كـتـاب ألموقع

ثرثرات في الحب- الثرثرة 50: مواجع الرحيل وعبثية الترحال// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثرات في الحب- الثرثرة 50: مواجع الرحيل وعبثية الترحال

د. سمير محمد ايوب

 

لِما يَشِفُّ من مشاعرِها وما تَكْتُمه، إيقاعٌ مًتمردُ النبرةِ ، لا يُشْبِهُ سِواه. وصخبٌ يُلازمُ أزمانَ معارجِهِ القَولية .الكثيرُ من تضاريسِ جَسدِها المُكتَنِزِ ناطقٌ بِفصاحة. تَمْنَحً نسائمُ حضورِها ، رمزياتٍ مُتَحَرِّكَةٍ لكل ما قد يُلاِمسُ ذاك الحضور.

 

كانت على بُعدِ همسةِ عِطرٍ مني، حينَ إستأنَفَتُ هذا الحوارَ معها. لكنّي لم أتوقّع أبدا أن أخجل إلى هذا الحد، وأنا أقارنُ فلسفةَ عقلي، بِتِلقائيّةِ أحاسيسِ تلك المرأة، ظلّت نسائمُها ، تُلاحِقُ عقلي ، تارةً مَشياً وأخرى هرولة.

 

قالت مُباغِتَة: ..... ولا أذكرُ أنّي تَحررتُ من أسئلةِ جسدي، وإستبدادِ عقلي. بعضُ طغيانهما غيرَ مفهومٍ لي. ويحصد الكثيرَ من هَدأةِ لَيْلي. أفقدُ أحيانا توازني بينهما . فأُلقِي بأسلحتي، لأعيشَ إنسانيّةَ قلبي، بعيداً عن القوّةِ الّتي بها يغتصبُ عقلي ظاهر تصرفاتي.  

 

وأكْمَلَتْ دون أن تنظُرَ بإتجاهي، أو أن تنتظر مني تعقيبا : لي قلبانِ مُشاغِبانِ يا سيدي. ليسا من فصيلٍ واحد. قلبٌ في عقلي، وعقلٌ في قلبيَ الآخر. تمورُ فيهما نسائمٌ وعواصِف. واحدٌ منهما يكرهُ مواجعَ الرحيلِ وعَبثيةِ الترحال. والآخرُ، مُصرٌّعلى خوضِ التجريب. في البدايات، لم أكُن منحازةً لأيٍّ مِنهما. وقَفْتُ مُتفرجةً . تَرَكْتُ عقلي وقلبي على غارِبَيْهِما.

 

هذان القلبانِ المُستَبدّانِ. نجَحَتْ إشكالياتُ أفخاخِهِما الساحرةِ، في خَلْخَلَةِ طُمأنينَتي ، فيما أعيش من قُصاصاتٍ واقعية. ولكن مع معطياتِ عَدِّ السنينَ وتراكُماتِها ، تَجاوزَتِ القُدرةُ القُصوى لإحتمالِي، أبعادَ ما قد مضى من عُمرٍ، وباتَتِ الضروراتُ حَتمياتٍ. فَلَمْ يَعُدْ مُمْكِناً تجنّبَ خوضَ هذه المعركة. وإن كنتُ أدركُ، أن لا تَكافُؤ بين ضروراتِ القلبين وحَتمياتِهما.

 

وتابَعَث وأصابعها تعبث بشئ من شعرها الغجري: لأعيشَ نفسي بِمَواريثِها، وروحي بِقِيَمِها، وفُتاتَ جسدي المُغَيَّبِ، رفَعتُ أعلاماً ناصعةَ البياض. وقررتُ التَّحللَ منَ الكثيرِ من أسبابِيَ المعقولةِ، لأنها عاقرٌ. وقررتُ الإنصاتَ لِوخزِ قلبي ، الذي باتَ وحدُه ، هو اليقينُ المُمْكِن.

 

إلتَفتَتْ إليَّ مُعاتبةً بشئٍ من سُخرية مُشاغبة: لا تَبتسم يا شيخي شاكّاً أو شامتاً أو مُستنكرا. أُطمأنُك أنَّ قلبيَ حُرٌّ، وعقليَ هو الآخر حرٌّ. ولا يُرْغِمهما على الخضوع ، إلا هَوى الحالةِ وجدلها الباطني.

 

إلتَقَطَتْ بِفِطنةٍ تُحسَدُ عليها، طيفَ تساؤُلٍ كان يتجولُ بين عينيَّ وشفتي، وتابَعَتْ قولَها:

 

بمنطقِ الإستثنائيةِ المُجْحِف، حشدتُ الكثيرَ من كشاكيلِ عقلي وقَلَقِه النَّقدِي، قبلَ أن أطرقَ سَمْعَكَ في هذا البوح، عَلَّني أنجحُ في مُلامسةِ شيء من فهمِكَ لما أُعاني. من أجل هذا أنا هنا الآن معك دون أن تتوقَّعَ، ولَو شبهَ إحتمالٍ للإيقاعِ بها.

 

قلت بلا ملامحٍ تشي بانحياز: سيدتي، أنتِ إمرأةٌ تُرابيةَ المنابع والمراجع والمواطئ والمصب. تعيشين فراغا حِسيّاً مُتوالِدا، حضورُه مُستبِدٌّ. وإن تسامى رأسُكِ في معارج السماء ، وإمتلأت رئتاك بالكثيرِ من جُغرافيا الهواء.

 

قاطعتني وهي تُحاول ان تَكظِمَ غيظاَ تنامى على صفحاتِ وجهها: بل أنا يا شيخي، بوقائعِ حياتي إنسانةٌ جدا. تستدعي كلَّ ما تعرفه عن الفرح، وتسخره في هندسة قلبها وتنميقه، بِفقه التطرف ومحرضاته. مُبتلاةٌ ليلَ نهار بِصمتٍ، مُمْتَلِئَةٌ خوابيهِ حَدَّ الحَوافِ، مكتظةٌ لو كنت تعلم، بِيُفطٍ تُبعثرُني كلَّ ليلةٍ، بعد أن تُلاعِبَ مسارِبَ أحلامي ومَواجعَها، من عيونِ الليلِ وهيَ تَرْحَلْ، تراتيلُ ام كلثوم ، دِفءُ عطرٍ مشاغبٌ بِقسوة، شمعةٌ يُراقِصُ وهجُها مَرايا سريري، خصلاتٌ من شعريَ الغجريِّ المجنونِ تُداغِبُ شَفَتَي. كل ذلك وأنا أدركُ أنَّ مداراتُ عطشي ومَنْطِقَهُ الهامسُ، لن يرويها ويفتنها، إلا الكثير من تَوابلِ مطرٍ يُسافر إليَّ مُحرِّضاً، بلا انقطاعٍ وبلا تعب، بحثا عن مُستَنبتاتيَ الخصبةِ، سواءٌ ما قبلَ شباطٍ او ما بعد نيسان ، وبالطبعِ ما بينهما من حضورٍ لا ينقطع.

الاردن –