اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مفاتيح السعاده؟!// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب

مفاتيح السعاده؟!

د. سمير محمد ايوب

 

حفيدي والسعادة وأنا ،

مبكرا صبيحة اليوم الجمعة، هاتفني حفيد من أحفادي، مستأذنا في الحضور الي، برفقة باقة من صديقاته واصدقائه، لتناول افطار شهي معي، شاي أحمر، ومناقيش ساخنة بيتوتية، مشبعة بالزعتر الفلسطيني، وزيت الزيتون الاردني الجديد.

رحبت كثيرا وفرحت. وعلى حواف العاشرة، كنا جدته وأنا، في انتظارهم على أحر من الجمر، برفقة برميل من الشاي، وكمشات من النعنع الطازج، والميرمية الخضراء، وكميات من خير هذا العام، من زيتون الكفارات الاخضر وزيتون عجلون الاسود.

ما هي الا هنيهات، حتى تناهى لأسماعنا تباشير ضحكات شابة. ترجلوا من سيارتين. ثلاث شباب في السيارة الاولى، يحملون معهم أرغفة المناقيش الساخنة. وترجل من السيارة الثانية ثلاثة صبايا. كلهم في بدايات العشرين من اعمارهم. علمنا انهم زملاء في نفس الجامعة. تمنوا علينا أن يكون الإفطار في الباحة الخارجية للبيت، حيث الشمس في منتهى اللين والاناقة. وهذا ما كان.

وأرغفة المناقيش تتناقص، وبرميل الشاي ينفذ، والقفشات الشبابية تتعالى فرحا، قال حفيدي: بالنيابة عن هذه الباقة من الشباب، يسعدني أن نسألك يا جدي، عن أمر يحيرنا، تحاورنا كثيرا حوله واختلفنا. فاقترحت عليهم ان نحتكم أمامك. اتسمح لنا عرض قضيتنا؟

سارعت فرِحا وأنا أقول باسطا يداي: كلّي آذانا صاغية، هات ما عندكم.

وهنا وقفت زرافة بارعة الجمال والفصاحة، واظنها زعيمتهم، وقالت ووجهها ثري بالفرح: ما السعادة يا جدنا؟

اهي مراكمة المال، بيوت اكبر، سيارات فارهة، شهادات تعلق على الحيطان بجانب اخريات؟ أفتنا بالله عليك يا شيخنا، فنحن من حيارى طواحينِ هذا الزمنِ المُتسارِع.

وأنا أشير لها أن تتفضل بالجلوس، قلت مجيبا: إنها ليست أيا من هذه الاشياء أو تلك.

سمعتهم يهمهمون معا بكثير من الحيرة والخجل: بالقطع نصدقك ونثق بقولك، ولكن لتطمئن قلوبنا، سامحنا يا جدنا، إن اقتدينا بأدب سيدنا خليل الرحمن ابراهيم، حين سأل ربه أن يُرِيَهِ كيفية إحياء الموتى، وأن نهتدي بكليم الله سيدنا موسى، حينما تمنى على ربه أن يراه؟

قلت وانا فرحٌ ببحثهم عن يقين يحصِّنهم: ما ابديه لكم في هذا الشأن، هو حصيلة دراسة علمية معمقة، اجرتها على مدار ثمانين عاما، جامعة هارفارد في امريكا، على عينة من الف مراهق من شتى الخلفيات والظروف الاقتصادية -الاجتماعية والثقافية . خلصت الدراسة الى ما يلي:

- بغض النظر عن الحواضن الاقتصادية – الاجتماعية – الثقافية، لاي انسان، وبعيدا عن نجاحاته العملية او اخفاقاته، فان ما يُحدِث فرقا في جودة سعادة الناس او زيادتها ونقصانها، هو مدى علاقاتهم وعمق ترابطهم بالاخرين ممن في حواضنهم الاجتماعية، من العائلة والأصدقاء والمقربين. وهذا بالطبع، لا يعني عدد الاصدقاء في شبكات التواصل الاجتماعي، او عددهم في ذاكرة الهواتف الجوالة.

- ومما لم يتوقعه المشرفون على الدراسة المعمقة تلك، إكتشافهم لفائدة الروابط الاجتماعية، في تحسين صحة الفرد وفي إطالة عمره. فالوحدة الاجتماعية سامة وقاتلة . وان العزل الاجتماعي والوحدة مرتبطان بالموت المبكر.

- وخلصت الدراسة الى أن الرجال، الاكثر رضا في علاقاتهم وهم في الخمسين من اعمارهم، يتمتعون بصحة افضل. وأن الاقل رضا، لا يصلون لعمر الثمانين.

عاودت الصبية الزرافة الوقوف ثانية، وتمنيتُ عليها ثانية الجلوس وهو تسألني عما اود ان أقول.

قلت بتمهل وانا انقل عيني فيما بينهم الواحد تلو الاخر: اذا اردتم ان تكون سعداء يا أبنائي، ركزوا على امر واحد، وهو جودة وعمق علاقاتكم مع الذين هم من حولكم والمقربين منكم.

بالتأكيد، من حق كل واحد منكم، ان يسعى جاهدا، وراء اي شيء صحيح وشرعي وعادل وحق. ولكن إياكم ان تعتقدوا، أن أيا من هذه الاشياء، هي التي ستجعلكم وحدها اكثر سعادة، او انها ستملؤ الفراغ من حولكم او ذاك الذي يعشعش في دواخلكم.

الامر الوحيد الذي سيغذي رضاكم ويديمه، هو جودة علاقاتكم وقوتها، بمن هم في حواضنكم القريبة والبعيدة.

تبدأ الرحلة داخليا، عندما تفهمون بشكل واضح، ان لا شيء في الخارج يمنحكم السعادة، قدر حبكم لمن حولكم . وأعطاء الأولوية لتحسين علاقاتكم معهم.

ساعتها فان النجاح والمال والرضا والصحة والسعادة، سيجدونكم تلقائيا، ويمنحوكم ان شاء الله نعمة الطمأنينة.

وهنا نودي للصلاة من يوم الجمعه، فسكت الكلام، وسعى كل منا الى ذكر ربه.

الاردن – 25/10/2019

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.