كـتـاب ألموقع

قامات وهامات لن تموت -15: أُسودُ رام الله// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب 

قامات وهامات لن تموت -15

     أُسودُ رام الله – رحيل من الشرق الى الغرب

د. سمير محمد ايوب

الاردن

 

قبل أيامٍ، كنتُ في رحابِ قلعة الكرك، ومُضيفِيَّ يحدثوني باعتزار عن ميشع الملك المؤابي العظيم، وعن نائب القدس ابن الكرك العظيم، المرحوم باذن الله الدكتور يعقوب زيّادين. وانتبهوا الى شرودي والغيم المتوهج في عينيَّ. فربت شيخهم على كتفي باخوة غامرة، وبقلق سألني: إلى أين وصلت غزلانك؟ أوصلت خليل الرحمن وعنبها وملبنها ودبسها؟!

 

قلت وانا اعانق تنهيدة تتمطى في صدري المشبع بنسائم الجنوب: يا ريت يا صديقي، فالخليل مدينة الجبارين، والكرم الذي لا يبات في ظله جائع.

قالت كبرى بنات صديقي بحيرة مرحة: إذن الى اين وصلت يا عم؟!

قلت وأنا انقل بصري في وجوههم، وفؤادي غربا وفي كل مكان: إلى دوار المنارة وسط رام الله.

 

بدأ الرسام الشاب ابن صديقي، يترنم وعلامات الدهشة على وجهه: وين!! ع رام الله، ما تخاف من الله يا شيخنا!

 

قلت: أتدرون يا اخوتي، أن هذه الاغنية أردنية من الأرشيف الذهبي، للزمن الاردني الفلسطيني .عنوان لمحنتي الغربة والهوية لعرب فلسطين، في وطنهم وفي منافيهم!!!

 

سارعت السيدة الفاضلة حرم صديقي، تقول وهي اعلامية متقاعدة: نعم صدقت. فقد كانت من أبرز اعمال  الإذاعة الأردنية عام 1959 . شاعت كثيرا حين افتتح المرحوم الملك حسين، منشأة جديدة في الاذاعة الاردنية، التي كانت غداة نكبة 1948 تبث برامجها من رام الله. ودشن المرحوم معها العمل في مبنى الاذاعة في منطقة ام الحيران في عمان. وفيما اذكر أن كلمات هذه الاغنية، قد كتبها رشيد زيد الكيلاني، بطلب من مدير الاذاعة المرحوم عبد المنعم الرفاعي– رئيس الوزراء فيما بعد. ولحنها جميل العاص، وغنتها سنديانة الاغنية الاردنية سلوى العاص (نوال العجاوي).

 

وتابعت السيدة تقول: وأذكر حين كتبها الكيلاني، استعذب كلمات تراثية، تحكي حوارا بين أب يتحسر على رحيل ولده، الباحث عن الرزق وهو يسأله: ولفي يا مسافر، وين ع باب الله؟! تاركني ورايح، ما تخاف من الله!!! ولأن رام الله كانت في حينها، مصيفا لإخوة الضفتين، طلب المرحوم ابن الكرك هزاع المجالي، تعديل العنوان من "وين ع باب الله" ، الى  "وين ع رام الله" . فصارت من حينها: إنت يا مسافر، وين ع رام الله؟ ما  تخاف من الله، خذيت قليبي، وما تخاف من الله!!! ومن حينها، تجاوز صدى هذه الكلمات عمّان ورام الله. وباتت روحها التي لم  تتغير، ثيمة خالدة للوجع الفلسطيني في كل بقاع الأرض. فهو وجع مشحون بكل معاني الفقد والحنين والامل.

 

قلت وانا سعيد بما سمعت: وين ع رام الله يا سيدتي: باتت ايقونة خالدة، لم يملها الناس ولن، رغم أنها قد ولدت، قبل اكثر من نصف قرن  من الان. وتابعت قائلا: وهناك في بعيد الزمان، قدمت الكرك ايضا لفلسطين، الكثير من قلبها وعنفوانه. أنصت جميع من كانوا معنا، وجلهم من منطقة الكرك، وعيونهم تترقب سماع المزيد.  

 

فقلت متابعا بفرح: رام الله كما تعلمون مدينة عربية فلسطينية، إلى الشمال من القدس. تطل غربا على الساحل الفلسطيني الذي لا يبعد عنها اكثر من 45 كلم. تغيرت أهمية المدينة من عصر الى آخر. وهي تحتل الان مركزا سياسيا، يجعلها من اهم مدن فلسطين، بعد ان اتخذ الاسلويون منها، عاصمة ادارية وثقافية مؤقتة لهم. 

 

رام الله كلمة كنعانية تعني المنطقة المرتفعة. تضاربت الأقوال حول تسميتها. إلا أن الثابت تاريخيا، أنها أسست على يد الشيخ راشد الحدادين، أحد مشايخ العشائر العربية في الكرك. الذي قرر إثر خلافات عشائرية في القرن السادس عشر، الجلو عن موطنه غربا. دخل على أهل البيرة، فرحبوا به. وأشارو عليه بخربة حرجية مجاورة لهم اسمها رام الله، لتكون موطنه. اشترى الشيخ راشد الخربة من عائلات البيرة القدامى، دون أن يعلم أنه كان يؤسس لمدينة سيكون لها دورا هاما في تاريخ الفلسطينيين. 

 

ولكن الشيخ الحدادين، الذي نجح في موطنه الجديد، لم يفارقه الحنين لمسقط رأسه، فقرر العودة إلى الكرك. تاركا وراءه أبناءه الخمسة وهم: صبرة، وإبراهيم، وجريس، وشقير، وحسان. أجداد العائلات المعروفة بأسماء: آل يوسف، وآل عواد، وآل الشقرة، وآل الجغب، وآل عزوز.

 

تنتصب الآن في مستديرة المنارة، وسط مدينة رام الله، خمسة تماثيل من الأسود، ترمز لأبناء الشيخ راشد الحدادين. وتجسد تاريخ المدينة وأصول عائلاتها.

 

هناك مطالبة حثيثة الآن، لتشييد نصب تذكاري يليق بمؤسس المدينة. تكريما له ولتعريف الأجيال المعاصرة والقادمة، بفضله في تأسيس مدينة الحكايات والنضال المتصل، حول ضفتي نهر الاردن، من اجل تحرير كل حبة تراب في فلسطين.