كـتـاب ألموقع

الطائفية والمذهبية والمناطقية// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب 

الطائفية والمذهبية والمناطقية

د. سمير محمد ايوب

 

إضاءة على المشهد في فلسطين

ألإيمان كما يُريده الله، ليس شيئا مُراوِغاً أو مطموساً، بلْ تُقىً رحبةَ الفضاءات، تُلامسُ مُقتضياتَ القلوبِ وتحرّكُ تبِعاتَها. تَسمعُ الله في ثناياها وقد تراه في أرجائها. يتدفق في غيطانها باقات من التعبيرات والتطبيقات، تسَعُ اجتهاداتَ المؤمنين المُتغايِرين الساعيةِ إلى الله ، ربُّ كُلِّ الناس.

 

 كثيرا ما نُصادفُ على حوافِّ الإيمان وبين جنباته، بعضاً ممَّن يثأرون لجهلهم، بالهرب من تبعاتِ الإيمان، إلى المزايدة والتشكيك في صحة وولاء إيمان الآخر. يحاولون شد بسطاء الناس إلى شياطين تسكنها كوابيسٌ طائشة، يخجل إيمان المتَّقين مِنْ سماعها. يريدون عبرها اعتقال عقول التابعين، في ترهات تبعدهم عن المقاصد الربانية في الايمان والتنوع. لكل شيطان منهم أو ابليس، مرجعيته وحكايتة . وحكاوى بعضهم طويلة وقد لا تقال.

 

في ظل وساوس المحتل الصهيوني الخناس، في فلسطين، يتناسل للأسف الشديد هذه الايام، نماذج مختلفة من المشوهين إيمانيا، ينشطون لغمط العقل وتقديم الأهواء والظنون. تشي أقوالهم وأفعالهم بأنهم تكفيريون، ومن أصحاب الفتن التي باتت تفسد على أهلنا دنياهم. بتنا نسمع بمن يرجحون عصبية الحسب والنسب، والجهوية والفصائلية، وبالأخطر من كل هذا وذاك، بمن يرجحون الطائفية والمذهبية على الوطن، والنضال من أجل تحرير كل حبة تراب فيه.

 

وشاهدي على ذلك، أني قد نشرت قبل أيام، نصا سياسيا عن العثماني الجديد أردوغان الرمادي، والدور المنوط به في الواقع العربي، أثرت في ثناياه أسئلة بالغة الأهمية، عن خفايا المخاطر المستقبلية لهذا الدور. إقترب كثيرون من المهتمين، وناقشوا مظان ما قلت مدحا وقدحا.

 

حاول بعض السلفيين تبرير ما ارتكب أردوغان من حماقات في قطر، العراق، سوريا، ليبيا وعلاقاته بالناتو, وشراكاته مع العدو الصهيوني، وتآمره على مياه سوريا والعراق والسودان ومصر، ومطامعه المستقبلية ( عام 2023 ) في ضم الموصل وكركوك، وضم حلب وادلب، عبر شتم عقيم يتلفع بأوهام ايمان مغشوش، جرَّنا إلى مجزرة إيمانية حقيقية مؤداها: من ليس منا أو مثلنا، فهو كافر ذليل. نهج بشع لم يعد يشبه ما تربينا عليه واعتدناه، في كل فلسطين، من نداءات ربانية تقرع بها أجراس الكنائس، وتنادي بها اصوات المآذن.

 

تقدَّمَ المُسيئينَ منْ دعاة الكراهية الصادمة، المذيلة بعنصرية خشنة مقيته، رجلٌ يسمي نفسه رائد عمرو، قال حين تقيأ اوهامه الحمقاء: - المسلم الحق لا يلتفت الى دعوى العروبة، الهندي المسلم اقرب الينا من النصراني العربي. لا يشرفنا أن نرتبط مع النصارى العرب. إنهم أعداء المسلمين. ونحن افضل منهم. عليهم دفع الجزية وان يكونوا صاغرين اذلاء. وان وقفوا في وجه الاحتلال لا يعني انهم في مرتبة المسلمين.

 

لأمثال هذا العنصري الطائفي النتن، حضور نشط مشبوه غير بريء، ودور مريب. خطورة ما تفلت منه علنا (وهو موثق بالكامل لدي) ، انه ليس معزولا عن الصراع الوجودي الشمولي مع العدو الصهيوني، الذي يحتل التراب ويعيث به وبأصحابه  فسادا وافسادا، يحاصر احلامهم ويهز وئامهم، باوهام حمقاء، ونذالات خائنة متمهلة جبانه. لا يمكن حصر تصنيف ما تفلت من ذاك السفيه، في باب المعزوفات الكيدية التي تشوش على قضايا الوطن وتخفض من اسقفها العامة. ولا إدخال دلالاتها السمجة ضمن البحث عن شعبوية رخيصة.

 

من أين لفلسطين مثل هذه اللوثات المعيبة؟!

إنه الفراغ الذي تركه تحلل القوة الفلسطينية الرسمية، وسقوط الكثيرين في مستنقعات الصراع على المناصب والمكاسب، الذي أتاح للعبث الصهيوني والمد الوهابي، التسلل الى بعض مفاصل الحياة العامة.

 

فقد كان العدو قد أدرك مبكرا، أن الجبارين لا ينكسرون بالعنف، ولكن من الممكن صدهم أو شلهم واحتواءهم، بتواطئ بعضهم في خطف العقل الجمعي والفردي لأهلهم، وغسله بعد إخصائه، ومن ثم حقنه بما يشكك بالاخر، وتعذيبه في مستنقعات التكاره.

 

لم يعد يكفي ان نلقي باللائمة الموجعة، على إرهاب العدو ،وحمق اصحاب التدين المغشوش، وننسى المستبدين من اولي الامر السياسي والايماني الأوسلوي. فهم من يبخسون العقل في محاباتهم للسحيجة والفحيجه من اصحاب العصبيات الذميمة، على اصحاب العقل الوطني والوعي الجمعي والدراية الحكيمة من عامة الناس.

 

من غير المجدي مع اصحاب التدين المغشوش، الخوض في نقاشات لاهوتية، ولا مناشدتهم النظر في مرآة ضمير العربي المسيحي وما يفعل. ولكن من الضروري ان نقول لهم بالفم المليان، أن المسيحيين العرب شركاؤنا في الله، رب كل الناس ربهم وربنا، وهم أصل الوطن، ومن صلب حماته والمدافعين عنه، بالروح والدم والمال والبنين. معهم قاومنا غزو الفرنجة لبلادنا، والعثماني والصهيوني المعاصر. 

 

ومن الضروري القول بقوة، لأصحاب الاجندة الماجورة والمستعارة والواهمة في فلسطين: أن أبناء السيد المسيح، إن لم يكونوا معك في قارب نجاتك، فهم ليسوا ضدك. وإن لم ينساقوا مع منطق رأي لك مهما كان تسامى، فإن انفعالاتك التحريضية عليهم ،غير كافية وحدها للطمس شخصيتهم، ولن يجعلك وصيا عليهم، ولا يفقدهم أهليتهم الإيمانية، ولا حقهم في الوطن وفي احترامك لهذا الحق.

 

يا اصحاب ما بات يظهر من الفتن في ارض الانبياء والرسل، جلهم منها وفيها  حتى خاتمهم محمد عليهم جميعا اطيب الصلاة والسلام، قد أسري اليها. فلسطيننا هي ارض الصعود الى السماء، منها صعد عيسى بن مريم عليهما اطيب الصلوات والسلام، الى ربه مصلوبا او مرفوعا، ومن بعده عرج خاتم الانبياء والرسل.

 

نحن في أمة العرب وخاصة في فلسطين، في صراع مع حشد من الأعداء الآن، نقف أمام تحريضاتهم كالعبيد، عراة من كل اشكال القوة المادية. لن نحصد في صراعنا مع انفسنا، إلا كوارث ومحن ومصائب ستؤدي بالحتم الى فناء جمعي. امام امتحانات الذات في الظروف الصعبة، لا تنفع مناجاة اللامبالاة ولا عدم الاكتراث ، بل وحدة الصف المعززة بوحدة الاهداف.

 

اما ما في الاسلام الحق من عقائد وممارسات تداوي بالعقل والحكمة، وما في البال من وقائع محبة المؤمنين لبعضهم، ولأن ارهاب الايمان المزيف قبيح، نحتاج لنص آخر مستقلا ، إن شاء الله.

 

الاردن – 4/8/2020