كـتـاب ألموقع

إغتيالُ لبنان- إستحمارُ هُواةٍ وحُواةٍ// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب 

إغتيالُ لبنان- إستحمارُ هُواةٍ وحُواةٍ

د. سمير محمد ايوب

 

إضاءة على المشهد العربي 

 

وأخيراً، مساء الرابع من آب 2020، إنفجرت كارثة جديدة في لبنان. غطّت بدمه الطاهر جبهته العالية. ولوّث غبارها أعشاش الذكريات هناك. بيروت أم الحكايات المباشرة، لمن يوجعه أن يعلم، أنها غيمتنا وخيمتنا، فهي اول عاصمة عربية استباحها العدو الصهيوني عام 1982 ، واول عاصمة بالمقاومة الباسلة، تنهض من تحت الركام . ومن حينها ، بنصرها غير المشروط غدت اجمل وأبهى.

 

ما الذي حصل وكشف المستور في فسيفساء لبنان ؟!

ما شاهده العالم عبر ما وزع من تسجيلات، كان انفجارا مروعا هز مرفأ بيروت والجوار. حيث كان مخزنا في العنبر رقم 12 منذ حوالي 1750 طنا من سماد نترات الامونيوم. وهو منتج يُجمِع خبراء المتفجرات على استحالة إشعاله، وعلى إمكانية تفجيره لو توفر له صاعق معين.

 

فتح التفجير بابا لتكهناتٍ مسبقةِ التَّمَوضع، جنوح ذرائعيتها ليس مباغتا. تقافزت كالجراد حول ما حصل والمتسبب فيه. واستدرج حجم الكارثة فرضيات متناسلة، سرعان ما تم توظيفها في حرتقات ثأرية داخلية وخارجية كثيرة.

 

من المسؤول عن الفاجعة؟

طالما أن الأسباب الحقيقية لما حدث ما تزال تحت الانقاض، فإن كل ما يقال من تحليلات هي تخمينات، جُلُّها خُنفُشارية مُتسرعة، لا تستهدف الحقيقة، بل اغتصاب عقول الناس.

 

اللافت في المشهد المكلل بالدم والدمار، حديث خبيث مقصود، يتعمد الادعاء بان حزب الله يستخدم المرفأ المدني لأغراض عسكرية، مما استدرج قصفا اسرائيليا للميناء.

 

رواية هشة تدحضها حزم من الوقائع المؤكدة، تبدأ بشحنة السماد وارتباطها منذ العام 2013، بسياق طويل من الاهمال والتجاهل، ولا تنتهي بتوافر رغبات كيدية مبيته لدى بعض الحواة السياسي وكثرة من الهواة، لاستثمار سياسي واضح في ظرف مؤات لتشويه حزب الله. فالحزب ومحور المقاومة والممانعة، كما هو معروف للداني والقاصي، عبر التهديدات المتبادلة المفتوحة، في صراع وجودي مشرع الاحتمالات، مع العدو الصهيوني.

 

ليس من مصلحة أحد، اسقاط فرضية العمل التخريبي من قبل العدو الذي كان يعلم بوجود هذه المادة، التي تتكفل عبوة ناسفة صغيرة، لن يعجز عن زرعها في السماد او توجيهها اليه لتفجيرها. وان كنا لا نستبعد على الاطلاق الاصابع الصهيونية فيما حدث. يبقى هذا السيناريو معوما بانتظار ثبوته القطعي. فالاقمار الصناعية في المنطقة، لا تترك شاردة، إلا وترصدها بالصوت والصورة.

 

يقابلها هذا السيناريو فرضية أخرى أكثر "واقعية" ، تسببت في الكارثة. تتحدث هذه الفرضية عن "شبكة مسؤولين مهملين ومتقاعسين" وعن "خطأ بشري غير مقصود" . تسبب في تسرب "شرارة تلحيم" الى حاوية مفرقعات كانت مخزنة في العنبر نفسه، تسببت بحريق كبير انطلق سريعا، بإتجاه "بالات النترات" المخزنة في العنبر وتسبب في انفجارها.

 

بصرف النظر عن الاتهامات، تستدعي هذه الكارثة تحقيقًا جدّيًا، يكشف بشكل حاسم الاسباب الحقيقية لهذا الإنفجار الكارثي. فمن الظلم لعقولنا، الإنخراط في سيناريوهات مسبقة بالنسبة لما حصل. المطلوب الان لملمة الجراح، والتضامن مع عائلات الضحايا والمنكوبين، وترك إعلان الحقائق للجهات الرسمية التي باشرت عملها ميدانياً.

 

ما أكثر المسؤولين عن كارثة الاهمال. فخلال فترة تخزين السماد من 2013 حتى 2020، تعاقبت على لبنان مسؤولون كثر، من كل الفسيفساء السياسية والطائفية. ومعلوم أيضا، أنهم كلهم يتقاسمون غنائم المرفأ، ويتنازعون السيطرة عليه، والتحكّم بمقدراته.

 

محاولات اصحاب الحارات السياسية ومتاريس المصالح، إستغلال الموقف لتأزيم الحالة السياسية الراهنة في لبنان، عبر محاولات تكريس حزب الله متهما فعليا في "مأساة المرفأ" ، هي توظيف ساذج لتأليب الرأي العام عليه واغتياله من الداخل اللبناني. تماما كتسول التدويل، في محاولة أكثر سذاجة لاغتياله من الخارج الدولي. إنها دعوات مكشوفة لتدخلات خارجية، ووصفة جاهزة لجولة جديدة من الحرب الأهلية، تشرع كل ابواب ونوافذ لبنان للتلاشي، وإطفاء ما تبقى من أنوار المسرح.

 

إغتيال بيروت، فصل في مسلسل الكارثة التي تحل في لبنان، أظهر للعلن حزمة أدلة جديدة واضحة، على أن جل من يتحكّم بمسار لبنان العاري ومصيره الوجودي، هم لصوص وقتلة وعملاء، رسموا مساراته السابقه والحالية. واضافت هذه الفاجعة لالاف الادلة السابقة ، تأكيدا جديدا ساطعا، على ان ما في دهاليز المحاصصة الطائفية المفرطة بالتراضي، وارصفة الاقطاع السياسي المستهتر، هم جميعا أعجز من أن يديروا شؤون وطن معاصر في لبنان.

 

وفي جميع الاحوال، رغم كل غبار التعمية وضباب التضليل، وبغض النظر عن الحقائق التي قد يظهرها التحقيق الجاد، فإنَّ الكارثة بخطوطها العريضة، تشكل بوابة صالحة لو احسن استغلالها، لاعادة ترسيم شكل لبنان الجديد. فمع الرسائل المشفرة للمحنة الجاثمة على صدره، هناك بارقة امل أن لا ينزلق لبنان بأكمله الى الاضمحلال والموت.

 

سيجتاز لبنان محنته الحالية كما اجتازها من قبل. وسيعاود طائر الفينيق اللبناني النهوض من وسط الركام ،ومعاودة التحليق من جديد. والغناء ولو بصوت مبحوح، مع فيروزتنا العظيمة: سلاماً وقُبَلاً لبيروت، وللبنان الكرامة والشعب العنيد.

 

الاردن – 8/8/2020