كـتـاب ألموقع

مصير البشرية بعد فناء الثلثين وفق روايات مستقبلية// د. صالح الطائي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. صالح الطائي

 

عرض صفحة الكاتب 

مصير البشرية بعد فناء الثلثين وفق روايات مستقبلية

الدكتور صالح الطائي

 

هناك رواية كانت ولا زالت تنتقل من جيل إلى آخر فيها من الغرابة ما يدعو إلى التأمل الشديد لا بمضمونها المستقبلي فحسب، بل وفي صحة تحققها والظروف التي تسهم في تحقيقها، لأنها تحدثت منذ زمن طويل عن أمر مخالف كليا لطبيعة الحياة منذ نشأتها ولحين انفتاح الأمم على بعضها سيحدث في المستقبل المجهول.

 

وردت هذه الرواية في كتب التراث عن الإمام علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، قال: "بين يدي القائم موت احمر وموت ابيض، فأما الموت الاحمر فبالسيف، واما الموت الابيض فبالطاعون" والمقصود بالقائم الزمن المستقبلي، والمقصود بالطاعون حتما هو المرض الوبائي وليس الطاعون نفسه، وورد عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) إنه قال: "لا يقوم القائم الا على خوف شديد وزلازل وفتنه وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك". والمعروف أن الرواية الأولى هي الأساس الذي بنيت عليه باقي الروايات، وقد وردت بتقديم وتأخير وإضافة وحذف في جملة من المصادر، والوعد الوارد فيها تحذير مما سيصيب البشرية في يوم ما من مستقبلها الموعود؛ وهو أمر حتمي، ورد ذكره في القرآن الكريم مرة على شكل تنبيه وتحذير: {وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر}، ومرة بشكل تهديد مباشر: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}. وقبل ذلك تحدث انجيل لوقا عن هذا الوعد، قال يسوع (عليه السلام): "ستقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة، وتقع زلازل شديده، وتحدث أوبئة ومجاعات في اماكن كثيره، وتجري احداث مخيفة، وتظهر علامات هائلة في السماء". وقبل ذلك أشارت التوراة إلى قبضة من الأوبئة التي هدد الله تعالى البشر بأنه سيصيبهم بها إذا تمادوا في غيهم، وفيه: "يضربك الرب بالسل والحمى والبرداء والالتهاب والجفاف واللفح والذبول فتتبعك حتى تفنيك"، وفي كل هذه الروايات تجد السين الوعد ظاهرة، وهي تفيد بحصول الفعل، لأن دخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتضٍ لتوكيده وتثبيت معناه، وهذا يعني أن البشرية موعودة بخطر عظيم عميم، وأن هذا الخطر سوف يتسبب بذهاب ثلثي البشر، وهذا يتطابق حرفيا مع المشروع الذي تحدثنا عنه في أحد مقالاتنا السابقة عن (كوفيد 19). فعن ذهاب هذا العدد المهول من البشر وردت روايات جمة ترتبط بالموتين، منها رواية عن الإمام علي (عليه السلام): "لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث ويموت ثلث ويبقى ثلث. وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس، فقلنا - محمد بن مسلم وأبو بصير -: إذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى؟ فقال: أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي؟

 

إن وجود هذا العدد من الروايات المستقبلية التي رويت قبل مئات السنين يوم كانت المجاميع البشرية محصورة في بيئاتها ويندر أن يغادر أحدهم بيئته، فإذا غادرها وعاد إليها احتك بعدد بسيط جدا من الناس، وهو عدد غير مؤهل لنشر الفيروس، وحتى إذا انتشر فإنه ينتهي في الرقعة الجغرافية ولا يغادرها إلا ما ندر، وحتى إذا ما غادرها فإنه لا ينتشر وبائيا ويتسبب بموت ملايين البشر، وحتى مع موت الملايين لابد وأن تكون هناك أسبابا أخرى لها قدرة القضاء على ثلثي البشر.

 

نعم هناك أخبار عن أمراض وبائية فتكت بملايين البشر من قبل مثل الطاعون الأنطوني الذي ضرب الإمبراطورية الرومانية بعد عام 165 ميلادية واستمر لمدة 15 عاما متتالية، إلا أن الحالة لم تكن كونية كارثية عامة. عدا ذاك المعروف أنه لغاية القرون الوسطى لم يعرف البشر انتشارا وبائيا كارثيا، وبحدود عام 1370 انتقل الطاعون من حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق عبر طريق الحرير بعد نمو التبادل التجاري الدولي بواسطة الفئران إلى أوربا التي كانت تتألف من 60 ولاية متلاصقة يقطنها بحدود 80 مليون نسمة. ومثله الطاعون الدبلي الذي انتشر مع بداية عام 1855 في آسيا بعد أن انتقل من الصين إلى الهند وهونغ كونغ ومناطق من أستراليا ومنغوليا بسبب نشاط حركة التجارة العالمية حيث نقلته الفئران أيضا، واستمر لعدة عقود مسفرا عن قتل اثني عشر مليون شخص كانت النسبة الأعظم منهم وتقدر بعشرة ملايين حالة وفاة في الهند لوحدها نتيجة الاكتظاظ السكاني طبعا، إلا أنها كانت حالة محدودة ـ حتى مع اتساع انتشارها ـ وذات تأثير جزئي، ولكنها تنذر بأن ما هو أكثر إيلاما ورعبا ممكن أن يقع في أي لحظة ولاسيما بعد انفتاح الكل على الكل.

 

وفقا لهذا التصور أرى أن العالم بل الكون كله بعد كورونا ليس هو كما كان من قبل، حيث بدا البناء العكسي وزخم الترسيخ المبدئي للمتغيرات الكونية بدأً من حرب الفيروسات، والعمل على تغيير الجينات، ووصولا إلى محاولات صنع النخبة، صنع الإنسان المسير مسلوب القوى الفكرية والفاقد لاحترام النفس والمغرق بحب الشهوات، ومن ثم تحشيد المنتج الجديد قطيعيا لينفذ ما يؤمر به دون اعتراض، وسيقتضي هذا الإجراء التخلص من كل الأنواع الأخرى بعدة سبل بعضها لم تخطر حتى على بال الشيطان، ولذا أعتقد أن ما يتعرض له الإنسان العربي اليوم لا يخصه وحده، إذ له شركاء آخرون هنا وهناك في العالم يعيشون المعاناة نفسها ويتوجسون الخطر نفسه، وما يحدث ليس أكثر من محاولات لتفعيل هذا المشروع، الذي هو بالأساس بني لكي يغتال الخزين الفكري والثقافي للأمم والشعوب، سعيا لقتل الابداع وإيقاف عجلة التقدم فيها، تزامنا مع استيعاب العقول المائزة وتحفيزها للهجرة مع كل المساعدات التي يقدمونها لها؛ التي نسميها دون أن ننتبه لمقاصدها: "هجرة النوابغ" أو "هجرة الأدمغة". ويتم تطبيق وتنفيذ هذا المشروع الخبيث وفق ثلاث خطوات، هي على التوالي:

الأولى: تشجيع ودعم العسف والإهمال والحاجة والضنك المادي والحصار الاقتصادي والفكري، وحتى التنمر؛ الذي يتعرض له المفكرون والأذكياء في بلدانهم، فضلا عن عدم الاهتمام بمنجزهم مهما كان نوعه، مع استمرار تعرضهم للمضايقات والتهديد من قبل قوى ظلامية مختلفة ومؤثرة بما يؤثر على مشاريعهم، والتلويح لهم من بعيد بمغريات في مكان آخر لا يحلمون بالحصول على مثلها مهما طال عليهم الزمان في بلدانهم.

 

الثانية: الوضع القلق والخطير في بلدانهم وحالة الحرب العبثية التي تعيشها أغلب البلدان بما فيها بلدان وطننا العربي بدعم من المشرفين على المشروع وتشجيع منهم، بما يتهدد حياتهم وحياة من يحبون موتا أو خطفا أو تهجيرا، وهذا يدفعهم للبحث باستمرار عن ملاذ آمن يعتقدون انه موجود في العالم المتقدم.

 

الثالثة: المغريات الكبيرة التي تضعها سلطة المشروع العالمي الجديد أمام أنظارهم، ودفعهم قسرا للمقارنة بينها وبين ما هم عليه في بلدانهم، ترغيبا لهم في الهجرة.

 

والذي أراه أن جميع النظم والحكومات في العالم كله وليس في شرقنا فحسب ستقف مكتوفة الأيدي، وعاجزة كليا عن التصدي لهذا المشروع بعد أن نجح القائمون عليه في تفريق كلمة الأمم وزرع العداوة والبغضاء بين الشعوب؛ التي كانت حتى الأمس القريب تتكاتف وتتحد في مواجهة الخطر المحدق بها، بينما تحولت اليوم إلى كيانات لا أبالية، متصارعة بلا هدف، ولا تعرف حتى علام تتحارب!

 

وفي الختام أقول للجميع، لكل الأطراف: في هذا الظرف المصيري نحتاج إلى التوازن لا لكي نحافظ على عقيدتنا وأنفسنا ووجودنا وتريخنا وحضارتنا فحسب، بل لنحافظ على السلام العالمي أيضا، فالتطرف مهما كان نوعه ومن أي جانب صدر سوف يهدد السلام الكوني، ورغم ذلك نلاحظ ان بعض المعنيين ازدادوا تطرفا واندفاعا حتى في التفريق وإحداث القطيعة بين الأجيال في المجتمع الواحد، ولذا علينا ان نستعد لمواجهة هذا التطرف لا بتطرف مثله، فذلك مخالف لعقيدتنا، وإنما من خلال التسلح بالقوة والعلم والتجديد والكثير من المحبة للإنسان.

 

إن البشرية ما كانت لتنجح في البقاء كل هذه السنين لولا همة الشباب وحكمة الشيوخ، وستؤدي القطيعة المعاصرة بينهما إلى تهديد الإنسانية بالفناء، ولذا عليهما التصالح مع الذات أولا، ثم مع الآخر ثانيا عسى أن يصل مركب الإنسانية سالما إلى شاطئ الأمان. فالخطر يكمن دائما في اللحظة التي يفقد المرء فيها حرية الاختيار. فقد علمتنا إنسانيتنا أن الحرية غاية الأماني وهي ما نبحث عنه دون كلل، وعلمتنا تجاربنا أن من العار أن نصبح عبيدا لشخص أو نظام أو فكرٍ ما لمجرد البحث عن تحرير وهمي لأنفسنا. الحرية بنظري أسمى ما يبحث عنه الإنسان في الوجود، ومنتهى الحرية في الإيمان الحقيقي بأن الإنسانية هي الحرية، وأن احترام عقيدة الآخر يترجم معنى الحرية، ولكن يجب ألا تكون تلك العقائد شاذة بعيدة عن المنطق والواقع. مثلما علمتنا إنسانيتنا أن المرء حينما يحتاج إلى الدعم ليس عليه سوى أن يلجأ إلى إيمانه بنفسه وبقدراته الذاتية التي سبق لها وأن اكتشفت له مكامن الخير ودلته عليها ليجد الاستقرار والطمأنينة في الإيمان الذي ينبهه إلى أنه لم يخلق عبثا، وانه لا يحقق إنسانيته إلا إذا ما أدرك مكانة الإيمان في تهذيب النفس، وأعلى وأعظم إيمان هو الإيمان بالله تعالى، فهو مبعث الحرية الحقيقية التي تجنب الإنسان جميع مخاطر الحياة الروحية، أما المخاطر الأخرى فهي مجرد مراحل قد نمر بها فلا تفتح لنا أبوابها، وقد نلج إليها فنتحمل بعض العذاب الذي سرعان ما ننساه بعد أن يتحول إلى ذكرى قد لا ترد على خاطرنا. وأعظم خطر ينتظر الإنسان ليس هو الموت، بل أن يموت وهو حي؛ لما يزل على قيد الحياة.

 

وآخر ما أردت قوله هو: إن ما تقدم ذكره لم يكن من وحي نظرية المؤامرة التي تتحكم بمصائر وقرارات العالم اليوم مجتمعات وأفرادا، فهذه النظرية أعجز من ان تلوي عنق الحقيقة الساطعة، وإنما هو يقين يكاد لا يقبل التأويل إلى بعد آخر، أطلق جرس إنذار لن يسمع صداه سوى العقلاء.