كـتـاب ألموقع

مصير الأمة وفق سياقات تتابع تحذيرات النبي في السنة النبوية// صالح الطائي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صالح الطائي

 

عرض صفحة الكاتب

مصير الأمة وفق سياقات تتابع تحذيرات النبي في السنة النبوية

صالح الطائي

 

تفتتح جمل هذا الموضوع بـ (إذا)، وإذا أداة شرط غير جازمة وبرأيي هي غير حازمة ولا لازمة لأنها غير حازمة، ولو كانت حازمة لتحقق المشروط ومنه:

إذا كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد أخبر أمته بأنهم من بعده، أي حال موته وليس أبعد من ذلك سوف، وسوف حرف تسويف واستقبال قد لا يخطر على البال: يتبعون سنن من قبلهم... ومن قبلهم كلهم خالفوا جوهر عقيدتهم، وسيخالفها المسلمون مثلهم بعد موته وربما في حياته، ويستمر هذا الخلاف إلى الأبد، وهو أمر وقع فعلا واعترف به الأولون، من خلال منظومة الحديث التي أوردوها في كتب الصحاح، ومنها ما جمعه ابن بطة في الإبانة(1). وهذا دفع محقق كتاب الإبانة إلى القول: "والواقع إن الشعور بهذا التغير في المجتمع الإسلامي لم يكن على عهد المصنف فقط، ولكنه بدأ في عهد الصحابة، فقد روى المصنف جملة من الآثار عن حذيفة وعبد الله بن بسر وأبي الدرداء وأنس وابن عباس ينكرون فيها حال الناس في وقتهم، ويذكرون أن السابقين لو نُشروا من قبورهم لأنكروا من الناس ما أنكروه، فلم يبق من المآثر السابقة إلا الشهادتان وإلا الاجتماع على الصلاة، مع ما قد أصاب الصلاة من الضياع في خشوعها وتأخيرها عن وقتها"(2).

 

إذا كان رسول الله قد أعلم أمته بأمر الفتن التي ستصيبهم منذ لحظة وفاته وإلى آخر الزمان! وقد يعترض البعض على هذا التحديد تبرئة لجيل الصحابة، وهذا هروب إلى الأمام مخالف للواقع، لأن النبي أمر الصحابة أن يبتعدوا عن الفتن وينأون بأنفسهم عنها وأوصى من يدرك الفتنة منهم أن يعمد إلى سيفه الذي كان يجاهد به فيكسره، ويقطع وتر نبله ويلازم بيته كحلس من أحلاسه، وأن يتخير القتل على أن يشترك بالفتنة، فهذا يعني أن الفتنة سترفع رأسها في لحظة موته مثلما رفعت رأسها في حياته، وهو ما وقع فعلا وما اشترك به صحابة كبار وصغار. أما الفتن التي حذرهم منها فهي خاصة وعامة:

الخاصة: تحاربهم فيما بينهم ابتداء من خلاف السقيفة إلى حروب مانعي الزكاة إلى مقتل الخليفتين عمر وعثمان إلى حروب الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي ومن ثم قتله، وحرب الإمام الحسن ومقتل الإمام الحسين وإلى اليوم.

والعامة تشمل المجتمع الإسلامي كله بانحرافه عن الدين وتغير أخلاقه ومظاهر حياته، وهذه الفتن هي امتحانهم الأكبر لأنها ستأتي مُطْبِقَةً كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا تمتحن صبر المؤمن، فالقاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي. ومن جانب آخر أشارت المصادر التاريخية إلى مجموعة من الصحابة الذين قيل إنهم اعتزلوا الفتنة وعدوا منهم: سعد بن أبي وقاص وأبي الدرداء وحذيفة وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة ومحمد بن مسلمة الذي قيل إنه بعد مقتل عثمان ضرب لنفسه خيمة في الربذة وأقسم أن لا يضمه مصر من أمصار المسلمين، بل إن بعضهم استغل هذا المعنى ليتخلف عن نصرة الحق مثل أهبان بن صيفي الذي رفض دعوة علي له بقوله: لا أخرج إليك فإني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إذا رأيتم مثلما أنتم فيه، فاتخذوا سيفا من خشب، ولو لم يكن غير هؤلاء قد أركس في الفتنة ما كانوا ليستثنوهم دون باقي مجتمع الصحابة!

 

إذا كان رسول الله قد حذر أمته من قوم يتجادلون بمتشابه القرآن، فطلب الحذر من هؤلاء والابتعاد عنهم. وكان ثواب المؤمن القابض على دينه مثل صبر القابض على جمرة حتى قيل: إن أجر المؤمن العامل فيها كأجر خمسين صحابيا(3)، وكان من علامات وقوعها في آخر الزمان: كثرة الخطباء، قلة الفقهاء، كثرة السائلين وقلة الباذخين الباذلين، كثرة الأمراء، قلة الأمناء، موت الصلاة، ارتفاع البناء، كثرة الأيمان أي الحلف، انتشار الرشوة، تفقه الناس لغير الدين بل طلبا للدنيا بعمل الآخرة،

 

إذا كان ذلك كله قد قيل ومر علينا ولم نلتفت إليه ولم نعره أهمية، فذلك يعني أن ما بيننا وبين ما أراده الإسلام بون لا حدود له نكاد لا نلتقي من خلاله مع حدود الإسلام الخارجية، ويعني أننا بحاجة لأن نعيد ترتيب أولويات حياتنا بعيدا عن الحزبية والطائفية والقومية والمناطقية والمذهبية عسى أن ندرك شيئا من الإسلام الحقيقي، ولكن من منا مستعد لأن يتخلى عن مباهج الحياة وترف المنصب والمركز وهو بين الشك واليقين في حقيقة وجود يوم الدين؟!

 

الهوامـــش

(1) ابن بطة، أبو عبد الله عبيد الله بن محمد العكبري الحنبلي، الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، تحقيق: رضا بن نعسان معطي - عثمان عبد الله آدم الأثيوبي - يوسف بن عبد الله بن يوسف الوابل - حمد بن عبد المحسن التويجري، دار الراية، سوريا، 1415هـ - 1994م. ج1/ص93.

(2) المصدر نفسه،  ج1/ص93ـ94.

(3) المصدر نفسه.