كـتـاب ألموقع

حديث "القاتل والمقتول في النار" في ضوء المنهج التاريخي// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب 

حديث "القاتل والمقتول في النار" في ضوء المنهج التاريخي

علاء اللامي

 

حديث "إذا الْتقى مسلمان بسيفَيهما فالقاتل والمقتول في النار" في السرديتين السُّنية والشيعية وفي ضوء منهج البحث التاريخي: نجد هذا الحديث النبوي في المصادر الحديثية السُّنية بهذا النص: "إذا الْتقى المسلمان بسيفَيهما، فقتل أحدُهما صاحبَه، فالقاتلُ والمقتولُ في النَّارِ قيل: يا رسولَ اللهِ هذا القاتلُ فما بالُ المقتولِ؟ قال: إنه كان حريصاً على قتلِ صاحبِه". الراوي: أبو بكرة بن الحارث ويذكر معه أحياناً أبو موسى | المحدث: السيوطي | المصدر: الجامع الصغير | الصفحة أو الرقم: 483 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.

 

*في المصادر السنية: نص رواية الحديث كما وردت على لسان الأحنف بن قيس كما ورد في المصدر: "ذَهَبْتُ لأنْصُرَ هذا الرَّجُلَ - يقصد علي بن أبي طالب في معركة الجمل - فَلَقِيَنِي أبو بَكْرَةَ بن الحارث فَقالَ؛ أيْنَ تُرِيدُ؟ قُلتُ: أنْصُرُ هذا الرَّجُلَ، قالَ: ارْجِعْ؛ فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِما فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، هذا القَاتِلُ فَما بَالُ المَقْتُولِ؟ قالَ: إنَّه كانَ حَرِيصًا علَى قَتْلِ صَاحِبِهِ". الراوي: أبو بكرة نفيع بن الحارث | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 31 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].

 

*رواية سنية أخرى: وهناك رواية أخرى لهذا الحديث ربما تكون أقرب إلى المنطق والسياق التاريخي تقول: "نقل الشوكاني في (نيل الأوطار ج 7 ص 50) عن الحافظ بن حجر ما يتَّفق مع ما ذكره النووي، وذكر ما أخرجه البزار في رواية "إذا اقْتتلْتُمْ على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار"، ويؤيِّده ما أخرجَه مسلم بلفظ "لا تذهب الدُّنيا حتَّى يأتيَ على الناس زمان لا يَدري القاتل فيمَ قَتَلَ ولا يدري المقتولُ فيمَ قُتِلَ” فقيل كيف يكون ذلك؟ قال "الهَرْج، القاتل والمقتول في النّار". إن حقيقة عدم وقوع حرب أو معركة معروفة بين فريقين مسلمَين في زمن النبي تعطي لهذه الصيغة من الحديث أرجحية أقوى وأقرب الى المعقول. ثم أن الآية القرآنية التي تقول (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ /الحجرات:9)، تأمر بالإصلاح بين الفريقين المسلمين المتقاتلين ولا تتوعدهما بالنار والعقوبة الأخروية بل تهدد الطرف الرافض للصلح والسلام بأن الجميع سيقاتلونه "حتى يفيء إلى أمر الله"، وهذا يعني أننا سنكون مجددا أمام فريقين متقاتلين من المسلمين: الفريق المعاند رافض الصلح والفريق المتحد ضده.

 

*في المصادر الشيعية: أما في المصادر الشيعية فورد الحديث بصيغة مشابهة لما ورد في مصادر السنة ولكن بزيادة عبارة شرطية مهمة. ففي "وسائل الشيعة" للحر العاملي - ج 15 - الصفحة 148 وهو من أشهر كتب الحديث لديهم، نقرأ في "باب تحريم قتال المسلمين على غير سنة (20184) 1 – عن محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن أبي الجوزاء، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا التقى المسلمان بسيفهما على غير سُنَّةٍ فالقاتل والمقتول في النار قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال لأنه أراد قتلا". والعبارة التي يمكن تأويلها كشرط هي "على غير سُنَّة"، بمعنى أن الحكم سيختلف لو التقى مسلمان بسيفيهما على سُنَّة. ويبدو ان المصدر الشيعي أراد بهذه العبارة التخلص من الحرج الذي يسببه حدوث ثلاث حروب بين المسلمين في عهد الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب هي "الجمل" و"صفين" و"النهروان"، من خلال القول إن هذه الحروب حدثت "على سنة"، قاتل فيها الخليفة المخالفين والمرتدين عليه وهو الحاكم الشرعي. ويبقى هذا التأويل خاص بالمسلمين الشيعة الاثني عشرية.

 

*في ضوء منهج البحث التاريخي: بما أن الحديث صحيح - دون تحديد نوع صحته، وهل هو صحيح متواتر بنوعيه أم صحيح آحاد بأنواعه الثلاثة - وبما أن أي قتال بين المسلمين المجيشين في جيشين أو جماعتين، لم يقع، أو ربما كاد يقع، في زمن النبي عدا بعض الخلافات الفردية الصغيرة التي كانت تشجر بين المسلمين، فالمرجح عندي بحثياً أن الحديث يتعلق بواحد من هذه الخلافات الفردية ثم صِيغَ لاحقاً أي بعد وفاة النبي، بهذه الصيغة لأسباب سياسية تتعلق بتفادي المشاركة في القتال الى جانب أحد الطرفين المتقاتلين وتبرير عدم المشاركة والحياد؛ والحادثة التي يرويها أبو بكرة كتوطئة للحديث واضحة بهذا الصدد وتعطي للدافع السياسي الأولوية، قال، وسأقتبس حرفيا: "ذَهَبْتُ لأنْصُرَ هذا الرَّجُلَ - يقصد علي بن أبي طالب في معركة الجمل - فَلَقِيَنِي أبو بَكْرَةَ فَقالَ أيْنَ تُرِيدُ؟ قُلتُ: أنْصُرُ هذا الرَّجُلَ، قالَ: ارْجِعْ"، ثم روى الحديث.

 

*استدراكات الفقهاء والمفسرين: إن وقوع معارك وقتال بين المسلمين بعد وفاة النبي، كبعض المعارك في حروب الردة، وواقعة الهجوم المسلح على منزل الخليفة عثمان ومقتله، والحروب الثلاث في عهد الخليفة الإمام علي تجعل من الصعب على المسلمين جمهورا وفقهاء شمول الطرفين المتقاتلين (القاتل والمقتول) بهذا الحكم القاضي بأنهما في النار. ولذلك لجأ المفسرون والفقهاء السُّنة الى وضع بعض الاستثناءات لرفع أو تخفيف الحكم، فقد قال بعضهم بهذا الاستثناء "لا يَدخُلُ في هذا -الحكم - المسلِمُ الذي يَدفَعُ صائلاً مُسلِماً، فيُقاتِلُ دُونَ مالِه أو عِرضِه سواءٌ قتَلَ أو قُتِلَ". أو أنه خفف من العقوبة بأن قال "وكوْنُ الاثنينِ في النارِ لا يَعني خُلودَهما فيها، ولكنْ هذا عقابٌ على هذه المَعصيةِ، ثمَّ يكونُ أمْرُهما إلى اللهِ تعالَى: إنْ شاء عاقَبَهما ثمَّ أخرَجَهما مِن النارِ كسائرِ الموَحِّدينَ، وإنْ شاء عَفا عنْهما فلمْ يُعاقِبْهُما أصلًا، وإنَّما الخُلودُ لِمَنِ استحَلَّ القتْلَ/ الموسوعة الحديثية – موقع الدرر السنية".

 

*خلاصة عراقية: أختم بالقول إن لجوء بعض السياسيين المعاصرين في العراق وغيره، إلى النصوص الدينية القرآنية والحديثية لحل إشكالات سياسية معاصرة لن يحوِّل الصراع من سياسي طبقي إلى ديني بل سيبقى صراعا سياسيا بقشرة دينية طائفية، و"التطييف" لن يسهل حل الأزمات بل يزيدها تعقيدا، وهو يزيد من عوامل الفرقة والشقاق والعنف ويدفع الجماعات التي تأخذ بالتطييف إلى الاختلاف السياسي /الديني وهو ما قد يصل الى درجة التفكير والتكفير المضاد، أي إلى المزيد من الاقتتال فكل طرف من الأطراف سيصرخ: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار! أما إصرار الأطراف والأحزاب السياسية الدينية ذات النزعة الطائفية والمذهبية على اللجوء لهذا النوع من النصوص والشواهد الدينية كجزء من خطابها المفارق لواقع الحال وللعصر الذي تعيش فيه فهو يؤكد أن نظام الحكم الذي تسعى إلى قيامه أو الدفاع عنه إنْ كان قائما، هو نظام مفارق للعصر ولطبيعة الحياة والمجتمعات المعاصرة والمشكلات التي تواجهها؛ ثم، وبموجب الفهم الديني الإسلامي؛ هل أن إدخال الناس إلى الجنة او النار هو من اختصاص الفقهاء وعامة الناس أم أنه بيد الله وحده؟ وهل يختلف العراقيون اليوم على الله وأنبيائه وكتبه أم أنهم اختلفوا على معاشهم وحرياتهم وحقوقهم في ثرواتهم مع من يزعمون إنهم وكلاء الله وأوليائه دون غيرهم من الناس، وقديما قال أحد الحكماء ما معناه التقريبي: "ما اختلف الناس في أمر ربهم ومعبودهم مثلما اختلفوا في أمر دينارهم ودرهمهم"!

*كاتب عراقي